قال الكاتب
الإسرائيلي عاموس هرئيل في مقال له في صحيفة هآرتس الأربعاء، إن إسرائيل قبلت المبادرة المصرية لكن لم يُجهد أحد نفسه في الحصول على موافقة
حماس، لتعود الآن الدعوات إلى توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية بعد أن رفضت حماس وقف إطلاق النار.
وأضاف الكاتب: "جاء اقتراح المصالحة المصرية مساء أول أمس بعد بضعة أيام قللت فيها القاهرة جهود الوساطة، وقد فشل الجهد حتى الآن. وربما ما زال يوجد باب لجهد مصري آخر".
وشكك في نوايا مصر من المصالحة؛ مثيرا تساؤلا "هل كانت نوايا القاهرة صادقة تماما أم لها أجندة أخرى.. كإرادة أن تقوم إسرائيل بالعمل القذر من أجل الجنرالات المصريين وأن تحطم تماما سلطة حماس في القطاع".
وفيما يلي نص المقال:
توّجت محاولة مصر وقف اطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع
غزة من الساعة التاسعة صباح أمس، بالفشل. فقد استمرت المنظمات الفلسطينية بإطلاق الصواريخ برغم إعلان المجلس الأمني المصغر في القدس الرسمي بأن إسرائيل تقبل مخطط وقف اطلاق النار. وبعد بضع ساعات من ضبط النفس جدد سلاح الجو الإسرائيلي الهجمات على القطاع. وفي ساعات المساء قتل أول مدني إسرائيلي بقذيفة راجمة صواريخ على بلدات غلاف غزة.
يبدو في هذه المرحلة أن إسرائيل ستمنح جهدا مصريا أخيرا فرصة أخرى لإحراز وقف اطلاق نار. وقد يغير بنيامين نتنياهو من رأيه وتحت ضغط عام متزايد يشمل أيضا انتقادا سافرا من اثنين من وزراء المجلس الوزاري المصغر، قد يغير توجهه ويزيد في قوة الخطوات العسكرية في داخل القطاع أكثر حتى مما تم التفكير فيه قبل ذلك. ولهذا كان عنوان صباح هذا اليوم كعنوان أمس – إما أن تنجح مصر في أن تفرض على حماس تسوية في اليوم القريب وإما أن تتصاعد المواجهة العسكرية بقدر كبير.
في مساء أول أمس، حينما سربت حكومة مصر تفاصيل أولى عن وقف اطلاق النار المخطط له، لم تكن الصورة واضحة بقدر كاف. وبدأت تتضح في ساعات صباح أمس، فقد بادرت مصر إلى وقف اطلاق النار دون أن تأخذ موافقة حماس قبل ذلك. وحددت القاهرة موعد دخول وقف اطلاق النار حيز التنفيذ وأملت الشروط أيضا وهي الهدوء مقابل الهدوء والعودة إلى تفاهمات عمود السحاب واستعداد مصري غامض للفحص مجددا عن مسألة التسهيلات في معبر رفح. واستجابت إسرائيل لذلك كما كان متوقعا.
وأرسل متحدثون رسميون منهم رئيس القسم السياسي في وزارة الدفاع اللواء (احتياط) عاموس جلعاد ليروجوا بين الجمهور للاتفاق الذي أخذ يُصاغ وللنجاحات الإسرائيلية في عملية الجرف الصامد. وبين جلعاد في مقابلة مع صوت الجيش الإسرائيلي أن الاتفاق سيوقف نشاط حماس العسكري "فوق الأرض وتحتها" – ويتضمن ذلك اذا وقف النشاط في الأنفاق. واستطاع مستمعون حادّو الآذان أن يتبينوا أن إسرائيل كانت مطلعة على تفاصيل التسوية قبل ذلك. ومن يعلم ربما كان لجلعاد، وهو رجل الاتصال المركزي برئيس مصر عبد الفتاح السيسي، يد في ذلك الأمر.
كانت حماس هي التي رفضت أن تلعب بحسب القواعد التي أملتها مصر. فقد أعلن متحدثون منها في ساعات الصباح المبكرة من يوم الثلاثاء بأن المنظمة تتحفظ على الاتفاق. وبعد ذلك جاء عن الذراع العسكرية للمنظمة أنها تعارض وقف اطلاق النار. ولذلك بدأت بعد الساعة التاسعة صباحا تسقط قذائف راجمات صواريخ وصواريخ في بلدات غلاف غزة. وقبيل الظهر أطلقت النار على وسط البلاد وعلى الشمال بعد ذلك. ولم يوجد جرحى في الساعات الأولى لكن رسالة حماس كانت واضحة وهي أن الإملاء المصري غير مقبول منا.
كانوا يُقدرون في الجيش الإسرائيلي في مساء يوم الاثنين أن حماس مهيأة لقبول وقف اطلاق النار بسبب الضربات التي منيت بها في القتال، وأن موافقتها متعلقة بجودة "الجزر" الذي ستعطيها مصر إياه في الاتفاق، ولا يتعلق لب المشكلة بإسرائيل مباشرة. إن حماس في أزمة اقتصادية واستراتيجية قاسية كانت كما يبدو في أساس تقديراتها في التصعيد الحالي. وكي يكون الاتفاق مقبولا منها فعليه أن يشمل تسهيلات كبيرة تمنحها مصر لحركة السلع والناس عن طريق معبر رفح وحل مشكلة الرواتب. إن 43 ألفا من رجال المنظمة في القطاع يتعلق مصدر عيشهم بمساعدة اقتصادية من الخارج بعد أن لم ينجح اتفاق المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية في حل المشكلة. وقدم الاقتراح المصري وعدا عاما فقط في مسألة المعابر ولم يتطرق مباشرة إلى الرواتب بحسب علمنا.
لماذا عملت حماس كما عملت أمس؟ عرفت إسرائيل والفلسطينيون من قبل وقف اطلاق نار نكث في الماضي منذ أيام الانتفاضة الثانية إلى جولات عنف متأخرة في القطاع. فاعتقاد الجانب الإسرائيلي في الأكثر هو أن الفلسطينيين يحاولون تثبيت صورة نصر برشقة صواريخ أخيرة (يتوقع أن تكف إسرائيل عن الرد عليها) أو أن يوجد في المناطق مجال كبح يدوم يوما إلى ثلاثة أيام تفرض في خلاله القيادة سلطتها بالتدريج على آخر النشطاء.
ويبدو أن ليس هذا هو الذي حدث هذه المرة. وفي قيادة الجنوب يعتقدون أن نظام قيادة حماس وسيطرتها بقي على حاله، فلم توجد هنا حالة قائد محلي تجاوز سلطاته وأطلق الصواريخ على غوش دان، بل كان ذلك قرارا من أعلى.
يبدو أن التفسيرات الممكنة مختلفة هذه المرة، فربما يكونون في حماس غاضبين لأن مصر حاولت أن تدفعهم إلى الزاوية ويريدون تحسين شروط الاتفاق ولا سيما جوانبه الاقتصادية. وقد يكون الإمكان الثاني أكثر إقلاقا وهو أن تكون قيادة المنظمة خلصت إلى استنتاج أنه لم يعد عندها ما تخسره وتريد أن تجر الجيش الإسرائيلي إلى داخل القطاع بناءً على فرض أن ينجح استعداد المنظمة الدفاعي هذه المرة (بخلاف ما كان في عملية "الرصاص المصبوب") في أن يجبي من إسرائيل خسائر كثيرة وأن يمكن عرض الصمود الفلسطيني على أنه إنجاز.
كفت إسرائيل عن احترام وقف اطلاق النار في حوالي الساعة الثالثة ظهرا بعد أن أخذت تقوى رشقات الصواريخ من القطاع. ورد سلاح الجو الإسرائيلي بـ 28 هجمة وجهت على قواعد اطلاق صواريخ ومخازن سلاح وانفاق وعلى بيت نشيط من حماس.
وبدأت في الوقت نفسه حملة رئيس الوزراء السياسية الخاطفة التي بدت هذه المرة أكثر هجوما مما كانت في كل مرحلة أخرى في الأزمة منذ كان اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون في 12 حزيران. ونشر وزيرا المجلس الوزاري المصغر اللذان صوتا في الصباح اعتراضا على قبول وقف اطلاق النار وهما افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، نشرا إعلانين انتقدا فيهما القرار علنا.
وأفرط ليبرمان فعقد مؤتمرا صحفيا دعا فيه إسرائيل إلى احتلال القطاع كله. وكان سلوك هذين الوزيرين مدعاة إلى طوفان تصريحات من أعضاء كنيست من الجناح الأكثر صقرية في الائتلاف الحكومي تنافسوا في الهجوم على نتنياهو وفي الدعوات إلى ترك الجيش الإسرائيلي ينتصر. وهاجم رؤساء سلطات محلية وبلديات في الجنوب، كثير منهم من أنصار الليكود، هاجموا الحكومة بسبب استكانتها في مواجهة طوفان الصواريخ من حماس.
عُقدت جلسة المجلس الوزاري المصغر في الساعة 9 مساءا في ظل إعلان مقتل أول إسرائيلي في القتال بعد ثمانية أيام من تبادل اطلاق النار وهو مواطن تطوع للمجيء لتوزيع الطعام على الجنود على حدود القطاع وأصابته شظية قذيفة صاروخية.
وصرح نتنياهو قبل عقد الجلسة بساعة للصحافة تصريحا كئيبا، فقد قال إن حماس ستدفع ثمنا باهظا عن نكث وقف اطلاق النار وإن إسرائيل سترد بقوة على استمرار اطلاق الصواريخ. وقال: "لا تدع لنا حماس خيارا سوى تقوية المعركة". ووعد مع ذلك بالاستمرار على التصرف "ببرود أعصاب ودون حماسة زائدة". وأضاف وزير الدفاع موشيه يعلون أن إسرائيل ستنهي العملية فقط حينما يعود الهدوء إلى جنوب البلاد. ولم يتجاوز نتنياهو ويعلون بتصريحاتهما هدف العملية الأصلي وهو إعادة الهدوء، لا إسقاط سلطة حماس.
وكانت قد طرحت للنقاش إلى أن كان الاقتراح المصري مساء أول أمس، عملية برية محدودة. لكن أعضاء المجلس الوزاري المصغر قد يشعرون الآن بأنهم يملكون شرعية (حتى من المجتمع الدولي بقدر ما) لاستعمال قوة أكبر للتوصل إلى وقف اطلاق نار.
ويمكن أن تكون النتيجة زيادة ملحوظة في هجمات سلاح الجو مع مضاءلة بعض قيود الأمان المتعلقة بالقصف قرب المدنيين الفلسطينيين، وقد يكون إمكان آخر هو حتى توسيع العملية البرية المخطط لها إلى حد تجنيد قوات احتياط أخرى تتجاوز الـ 48 ألف جندي الذين تمت الموافقة على تجنيدهم.
إن الدعوات والحلول التي يسمعها نتنياهو من اليمين متناقضة. فهناك كثيرون يرون أن عملية برية كبيرة هي المشهد العام، ويحذرون من أن الامتناع عن استعمال القوات البرية في غزة في عملية ثانية على التوالي بعد عمود السحاب سيضعف الردع الإسرائيلي. وقد نبه عضو الكنيست عوفر شيلح أمس وبقدر كبير من المنطق في هذا الشأن على أن إسرائيل تسلك سلوكا متناقضا، فهي تنفق نحوا من 60 مليار شيكل اكل سنة لضمان تفوقها العسكري والتقني بغرض أن تهزم أعداءها، لكن حينما تحين ساعة الامتحان تريد أن تلاقي العدو وجها لوجه صدورا عن توجه غريب للعبة منصفة.
الأجندة الأخرى
جاء اقتراح المصالحة المصرية مساء أول أمس بعد بضعة أيام قللت فيها القاهرة جهود الوساطة، وقد فشل الجهد حتى الآن. وربما ما زال يوجد باب لجهد مصري آخر. ويثار في الخلفية سؤال هل كانت نوايا القاهرة صادقة تماما أم لها أجندة أخرى كارادة أن تقوم إسرائيل بالعمل القذر من اجل الجنرالات المصريين وأن تحطم تماما سلطة حماس في القطاع.
ومن جهة أخرى بقيت مسألة سلوك قيادة حماس بلا إجابة. يبدو أن الذي يحث على عرض الخط المتشدد هو رئيس الذراع العسكرية محمد ضيف، لكن لا يُعلم إلى الآن معارضة العضوين الآخرين في القيادة (إسماعيل هنية في غزة وخالد مشعل في قطر) لهذا التوجه. ومهما يكن الأمر فان رفض قبول وقف اطلاق النار يبدو أنه زيادة متعمدة لمبلغ الرهان من قبل حماس، وقد يكون هذا خطأ قاسيا بالنسبة للمنظمة التي تخطيء مرة أخرى في قراءة استعداد إسرائيل لاستعمال قوة عسكرية تحت الضغط. وبرغم أن ذلك لا يخدم كما يبدو المصلحة الإسرائيلية أيضا فإنه ما زالت توجد من جهة حماس مخاطرة أن ينذر اجتياح عسكري واسع للقطاع بنهاية سلطة الحركة كما أُبعدت الحركة الأم – الإخوان المسلمون – في مصر على أيدي السيسي وجنرالاته.