من الأخبار السيئة أن
مصر لا تعرف بالضبط ماذا يحدث فى ليبيا هذه الأيام، لا تعرف تفاصيل ومكونات برميل البارود الذى بدأت شرارته تتطاير هنا وهناك ويوشك أن ينفجر بالكامل.
كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ ومن السبب فيها؟.
القصة طويلة، وخلاصتها أن رأى
مبارك فى القذافى أنه كان مجنونا رسميا وأنه كان يتعامل معه على هذا الأساس.
دبلوماسى مصرى بارز حكى لى مؤخرا أنه التقى مبارك قبل سفره فى مهمة لمقابلة القذافى للاستماع إلى تفاصيل هذه المهمة.
وكانت النصيحة الأولى هى: تجنب المفاجآت، فرد الدبلوماسى لماذا؟ فقال مبارك لأنه رجل مجنون.
يضيف الدبلوماسى، أنه بعد إدراك مبارك لهذا الأمر ومعرفته بتركيبة القذافى، كان يرسل له كل شهرين أو ثلاثة صفوت الشريف أو عمر سليمان أو وزير الخارجية. وهؤلاء كانوا يقولون للقذافى ما يحب أن يسمعه عن حكمته وفلسفته وأنه عبقرى زمانه.
الدبلوماسى يقول إن مبارك أدرك أن قيمة القذافى هى أنه عمل حاجزا لمصر يمنع عنها المشاكل وبالتالى فليس خطأ أن يتم استيعابه بأى طريقة، إضافة بالطبع إلى لجم القذافى عن طرد العمالة المصرية فى بلاده كل فترة لأتفه الأسباب.
ما سبق كان تصرفا ممتازا من مبارك، لكن الخطأ الأكبر الذى ارتكبه وتسبب فى كوارث لاحقة، أنه صدق أن القذافى مخلد ونظامه يصعب سقوطه، وربما كان هذا أمرا منطقيا لأن مبارك نفسه لم يفكر ولو لثانية أنه سيسقط هو نفسه. وبالتالى كان مطلوبا من الحكومة المصرية أن تبنى لها علاقات داخل المجتمع الليبى بأى طريقة لتكون مستعدة لأى طارئ.
مشكلة مصر اليوم أنها لا تعرف مع من تتكلم فى ليبيا، عندما حدثت أزمة خطف السائقين الأولى والثانية وعملية خطف الدبلوماسيين الخمسة قبل أسبوعين، اتصلت السلطات المصرية بالحكومة الليبية، ولم تستطع أن تحملها المسئولية لأنها فعلا غير مسئولة، وحتى رئيس الوزراء الليبى على زيدان قال للمسئولين المصريين عندما جاء للقاهرة قبل أيام: «لا نعرف الخاطفين ولا نسيطر عليهم لأنهم خطفونى أنا شخصيا».
الخريطة الليبية تغيرت بالكامل، صارت هناك قبائل أقرب إلى الأحزاب وميليشيات تحمل السلاح علنا فى الشوارع وتتحدى سلطة الحكومة والدولة.
هؤلاء لا نعرف عنهم شيئا، ولا نعرف مفاتيح الوصول إليهم حتى يمكن التأثير من خلالهم وقت الأزمات.
ولسوء الحظ، فإن هذا الوضع المنفلت سوف يستمر لفترة قد تطول، وبالتالى علينا أن نترقب رياحا ضارة وربما مسمومة تهب علينا من الاتجاه الغربى.
فى ظل هذا الوضع ماذا يمكننا أن نفعل؟!.
هل نكتفى بالتعاون فقط مع الحكومة الليبية التى هى لا تعرف كيف تسيطر على الوضع؟!.
هل من المفترض أن نبدأ فى معرفة القوى الاجتماعية والسياسية الصاعدة هناك، خصوصا أن قطر مثلا لها الكثير من المفاتيح هناك؟! وكذلك الأمر لقوى إقليمية ودولية بعضها قد لايريد الخير لمصر.
هل يمكن أن يكون هناك تعاون مصرى جزائرى مع الحكومة الليبية والقوى الأساسية لمواجهة المتطرفين وإشراك الإسلاميين المعتدلين فى العملية السياسية؟.
علينا أن نبدأ فورا فى محاصرة هذا الوباء الإرهابى قبل أن ينفلت عياره وبعدها نبدأ فى الندم فى وقت لن ينفع فيه هذا الندم.
(الشروق)