يواصل المبعوث الأممي إلى
ليبيا، عبد الله
باتيلي مساعيه الرامية إلى إجراء
الانتخابات في ليبيا، بالتزامن مع تلقيه دعما دوليا من
مجلس الأمن لمبادرته التي اقترحها مؤخرا، وتهدف بشكل أساس إلى إنفاذ الاستحقاق الانتخابي قبل نهاية العام الجاري.
وتحظى
مبادرة باتيلي بزخم ودعم دولي كبير، وسط موقف مصري رافض، يكاد يكون وحيدا، في ظل تباين واضح من الساسة الليبيين الذين توزعت آراؤهم بين داعم ورافض ومتحفظ على المبادرة الأممية.
ولأن الانتخابات لا يمكن أن تعقد إلا في ظروف أمنية مستقرة في بلد يطفو على صفيح ساخن من التوترات والصراعات السياسية والأمنية، بدأ باتيلي أولى خطواته لدعم خطته ومقترحه لإجراء الانتخابات بانتزاع تعهد من قيادات أمنية وعسكرية وازنة تمثل الغرب والشرق، أكدوا جميعا على ضرورة تهيئة الظروف الأمنية المناسبة لعقد الانتخابات.
تعهد أمني
واتفق قادة الوحدات العسكرية والأمنية من المنطقتين الشرقية والغربية بحضور باتيلي، الأربعاء "على توحيد الصف، والمضي قدما باتجاه تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا خلال العام الجاري 2023".
وقال بيان صادر عن اللجنة العسكرية المشتركة إن الحاضرين للاجتماع أكدوا على ضرورة تواصلهم، والاستمرار في عقد اجتماعات داخل ليبيا في طرابلس وبنغازي، مؤكدين على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة وأعمال العنف، والاعتقال أو التهديد، للحصول على مكاسب سياسية، أو مادية، أو لمصالح جهوية أو فئوية، وتجريم أعمال العنف التي تضر بالسلم الأهلي، وتهدد العملية السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
تواصل جهود باتيلي
ومنذ وصوله إلى ليبيا في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، ومن مقر عمله في طرابلس، أجرى باتيلي مشاورات مكثفة مع مجموعة واسعة من الليبيين، بمن فيهم رؤساء جميع المؤسسات ذات الصلة، والقادة السياسيون، والجهات الأمنية، والنساء، والشباب، والأعيان، والمرشحون البرلمانيون والرئاسيون.
كما سافر إلى عدة مدن وبلدات في شرق ليبيا وجنوبها وغربها ووسطها للاطلاع على الوضع عن كثب والاستماع إلى آراء الليبيين من مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية حول التحديات التي تواجه البلاد وعامة الناس، وكيفية إيجاد مخرج للانسداد السياسي الحالي.
كما زار عواصم إقليمية أجرى فيها مشاورات مفيدة للغاية مع مسؤولين حكوميين في القاهرة وتونس والجزائر والرباط والدوحة وأبو ظبي وبرازافيل، فيما يخطط في الأسابيع المقبلة، لزيارة السودان وتشاد والنيجر، جيران ليبيا من الجنوب. وفق بيان للبعثة الأممية.
وأجرى باتيلي مشاروات مع شركاء ليبيا الدوليين الرئيسيين، بما فيها أنقرة وروما وباريس ولندن وبرلين وموسكو وواشنطن، أفضت جميعها إلى تقديم المبعوث الأممي مبادرة لحل الأزمة السياسية في البلاد وإجراء انتخابات قبل نهاية العام الجاري.
ترحيب أممي وغضب مصري
وفي دعم واضح لمبادرة باتيلي، رحب بيان لمجلس الأمن بتشكيل لجنة ليبية تضم ممثلين عن المؤسسات والشخصيات السياسية وزعماء القبائل ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية والشباب والمرأة، للمساعدة في وضع اللمسات الأخيرة على الأساس الدستوري والقوانين الانتخابية.
ولوح مجلس الأمن بإمكانية تصنيف الأفراد أو الكيانات التي تعرقل الانتخابات، لتشملهم عقوبات المجلس، مشددا على أهمية أن تكون السلطات الليبية قادرة وخاضعة للمساءَلة عن تنظيم الانتخابات بطريقة محايدة في جميع أنحاء البلاد في عام 2023، مشيرا إلى ضرورة التخطيط لإصلاح قطاع الأمن وإحراز تقدم نحو تسريح الجماعات المسلحة.
لكن مصر أعلنت رفضها دعم مجلس الأمن الدولي لمبادرة المبعوث الأممي عبد الله باثيلي، حيث قال الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، إنه من المؤسف أن يُشجع مجلس الأمن مبادرة تستهدف تشكيل فريق ليبي رفيع المستوى لمتابعة والإعداد للعملية الانتخابية في ليبيا.
وقال أبو زيد، إن هذه المبادرة افتئات واضح على دور المؤسسات الليبية الشرعية والمنتخبة، وتقوض دورها، متهما مجلس الأمن بدعم مبادرات مُبهمة وغير محددة المعايير والأهداف، في محاولة لإضفاء الشرعية على عملها، معتبرا أن "كل هذه الأمور ستزيد حالة الانقسام والتناحر على الساحة الليبية، وتُقوض فرص إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أسرع وقت".
تباين ليبي حول الخطة
عضو مجلس النواب، علي التكبالي قال في تصريحات صحفية، إن باثيلي جاء بحل لا يرضي الجميع، وأضاف أنه "متشائم من بوادر التوصل إلى حل".
وتابع بقوله: "الخرائط الجديدة والمتعددة لا تحل المشكلة إذ إنّ المشكلة في الأجسام الحالية التي ترى أن بإمكانها فعل كل شيء لهذه الدولة"، محذرا من محاولات إقصاء الآخرين، داعيا إلى حوار يشمل جميع من يملك السلطة والقوة والتأثير.
في حين قال عضو مجلس النواب، صالح افحيمة، إن باتيلي لا يملك مبادرة لحل الأزمة، وما يقدمه خطوط عريضة لم تستقر في ذهنه بعد ويريد من الليبيين أفكارا لاستكمال هذه المبادرة.
ولفت في تصريحات صحفية نقلتها مواقع محلية إلى أن "باتيلي لا يزال مُتخبطًا ويحاول تكرار نفس الخطوات السابقة للمبعوثين السابقين"، داعيا المبعوث الأممي إلى "الاستماع للصوت الليبي الذي ينادي بالاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد، وإجراء الانتخابات نهاية هذا العام على أساسه". وفق قوله.
وشدد افحيمة على أن "مجلس النواب لا يملك الذهاب وحيدًا لإنجاز القوانين الانتخابية دون إشراك مجلس الدولة، ولا أي جهة أخرى تستطيع فرض الحل، وإنجاز قوانين الانتخابات يجب أن يكون بالتوافق التام، خصوصًا التوافق السياسي بين القوى الفاعلة على الأرض".
عقيلة يرفض
رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قال في تصريحات صحفية، "نتمنى ألا يقع المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في الخطأ الذي وقع فيه كوبلر باتفاق الصخيرات".
وأضاف: "لا نريد أن يُزايد علينا أحد، ولا نقبل أن يقول باتيلي إننا أجسام منتهية الولاية، هو ليس رئيس دولة ليحل أي سلطة(..) مهمة باتيلي والبعثة مساعدة الليبيين فقط، لا أن يختار بدلاً منّا، ويعين أحدا أو يُزيل آخر".
لكن عضو ملتقى الحوار السياسي، آمال بوقعيقيص طالبت في تعليق على صفحتها بـ"الفيسبوك" بمساعدة باتيلي، وتقديم اقتراحات ناجزة وقابلة للتطبيق، بدلاً من التنظير الذي يقوده صُناع الرأي العام.
وقالت بوقعيقيص: "بدل أن تلعن الظلام أوقد شمعة، مردفة أن هناك تنمراً غريباً واستخفافاً بالمبعوث الأممي عبد الله باثيلي يقوده صناع الرأي العام والذين مهمتهم التنظير".
أما عضو مجلس النواب سالم قنيدي، فقد قال، إن رفض عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب) لأي مبادرة أممية متوقع لأنه لن يتنازل عن امتيازات سلطته بسهولة.
ولفت في تصريحات صحفية إلى أنه "لو اتفق عقيلة والمشري لما اعتمدنا الوساطة الأممية لإجراء الانتخابات، لكنه انتقد خطة باتيلي بالقول: كان الأجدى بخطة باثيلي أن تكون واضحة المعالم بدلا من بنائها على الأمنيات (..) لا حل أمام باثيلي إلا بخارطة طريق جديدة وجاهزة بضوء أخضر أممي".
من جهته، قال وزير التخطيط الليبي السابق ونائب رئيس حزب العمل في ليبيا، في حديث لـ"عربي21"، إنه خلافا لما كان متوقعا من كثير من الأطراف التي تفضل إقصاء مجلسي النواب والدولة فقد ربط باتيلي الانتخابات بنجاح لجنة 6+6 التي يعتزم المجلسان تشكيلها لصياغة القوانين الانتخابية.
وأشار الوزير السابق إلى أن هذه اللجنة التي يعتزم باتيلي تشكيلها والذي يبدو أنه لا يعرف حتى الآن ما هي مهمتها ودورها، ستكون لجنة خبرات تمثيلية لكامل الطيف الليبي إلا أنه يفتقر إلى آلية صحيحة للاختيار كونه محاطا بمستشارين قد تكون تفضيلاتهم بعيدة عن مصلحة البلاد.
وتابع الوزير الليبي: "قد تكون هذه اللجنة مجرد لجنة شعبوية غير قادرة على تقديم الدعم المطلوب للمجلسين ليتجاوزا خلافهما حول شروط الترشح للرئاسة، أما المجلس الرئاسي الذي أعلن باتيلي أنه شريك رئيسي لمبادرته فلا أعتقد أن لديه الكثير ليقدمه في حل هذه الأزمة في غياب الدعم الشعبي الواضح"، كما رأى.