نعم أثارتني قضية رؤوف
بطرس غالي، شقيق وزير
المالية
المصري السابق يوسف بطرس غالي،
والذي حُكم عليه بـ 30 سنة سجنا بتهمة تهريب
الآثار إلى إيطاليا. لكن ما أثارني أكثر ولا يزال، هو وجود دبلوماسيين أجانب تشملهم
القضية.
كنت من قبل قد كتبت عدة مقالات عن
القناصلة الأجانب الذين نهبوا آثار مصر خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ غير أني لم أكن
أتوقع استمرار تلك الظاهرة حتى وقتنا الحاضر، إلى أن ظهرت تلك القضية الكبرى، وهي القضية
التي بدأ الحديث عنها بمصر منذ عام 2018؛ حين أعلنت الصحف والقنوات التلفزيونية الإيطالية
يوم الـ 22 من أيار/ مايو 2018، عن قيام سلطات الجمارك بميناء ساليرنو بضبط حاوية دبلوماسية
مصرية قادمة من ميناء الإسكندرية؛ تشتمل على كمية كبيرة وثمينة لقطع آثار مصرية، وحينها
لم تُعر وزارة الآثار المصرية اهتماما ملحوظا لتلك الواقعة؛ في حين خرج علينا حينها
رئيس إدارة الآثار المستردة بالوزارة؛ مُعلنا أن تلك القطع الأثرية ليست من مفقودات
مخازن الوزارة، بل هي نتاج حفر وتنقيب غير شرعي قام به مواطنون خلسة.
أعود فأقول؛ إن وجود دبلوماسيين أجانب في القضية؛
أمر أثار الشك بقوة في داخلي؛ فأحد الدبلوماسيين الإيطاليين الثلاثة المتهمين في القضية؛
هو القنصل الفخري السابق لإيطاليا في الأقصر، الذي يدعى أوتكر سكاكال، وكان يستأجر
شقة في حي الزمالك بالقاهرة، وهي الشقة التي كان قد أودع بها الآثار المهربة لأكثر
من عام، كما كان يمتلك القنصل الفخري السابق منزلين؛ أحدهما بالفيوم والآخر بمصر الجديدة؛
وذلك قبل أن يبيعهما لاحقا عندما قرر الرحيل عن مصر.
وبالرغم من أن سكاكال؛ كان قد أنهى خدمته كدبلوماسي
بمصر منذ آذار/ مارس عام 2016، بعد أن ظل قنصلا فخريا لإيطاليا بالأقصر لأكثر من
11 عاما، حيث تولى مهمته في حزيران/ يونيو عام 2005، وبالرغم من ذلك استمر بمصر ولم
يعد إلى بلده إيطاليا لمدة جاوزت الـ 20 شهرا، وهذا يطرح الشكوك أكثر حول الدور الذي
كان يقوم به حال عمله كـ دبلوماسي، وكذا دوره بمصر بعد أن أنهى فترة خدمته، وخاصة أن
مقر عمله كان بالأقصر، تلك المدينة التي تزدهر بأروع آثار العالم.
أضف إلى ذلك أن خادمة القنصل، التي تدعى (جميلة)،
والتي كانت تخدم بشقته بالزمالك؛ أخبرت في التحقيقات التي أُجريت معها، أنها ولطول
مدة عملها مع سكاكال كخادمة؛ كان يتردد على الشقة الكثير من الشخصيات الأجانب الذين
كانوا يدخلون إلى مخزنه أو قل (متحفه) بالشقة من أجل الاطلاع أو شراء بعض القطع الأثرية.
والحقيقة؛ أن الشك عندي لا يتوقف عند القنصل
الفخري لإيطاليا بالأقصر؛ بل يتعداه ليصل ربما لأشخاص آخرين، حتى وإن كانوا بالنسبة
لي حتى الآن مجهولين، لكن الوقائع تقوي عندي تلك الشكوك، وتجعلني أتساءل؛ كيف سُمح
لهذا القنصل بالاستمرار في مصر طوال هذه الفترة بعد أن أنهى فترة خدمته؟، بل وكيف استمر
في عمله كقنصل فخري لأكثر من 11 عاما؟، وكيف سُمح للحاوية بأن تخرج من مصر على أنها
حقيبة دبلوماسية، في حين أن صاحبها أوتكر سكاكال كان قد ترك مهمته الدبلوماسية تلك
منذ عام 2016 أي قبل خروج الشحنة من مصر بعام كامل؟، بل وكيف لم يتم اكتشاف تلك القطع
الأثرية بالحاوية رغم أنها مرت بثلاث مراحل تفتيشية؛ منها لجنة مختصة بالتفتيش عن الآثار؟،
وأخير، لماذا يخرج بيان من ميناء الإسكندرية، وهو الميناء الذي خرجت منه الحاوية تجاه
ميناء ساليرنو الإيطالي، لماذا يخرج بيان من الميناء يُظهر أن الميناء غير مسؤول عن
أي شحنات؛ وأن صاحب الشحنة أو الطرد البريدي هو المسؤول عنها إلى أن تخرج من الميناء؟
كل هذه الأسئلة وغيرها راودتني وأنا أربط الماضي
بالحاضر، فبعد أن كنتُ أتحدث من قبل عن الدبلوماسيين اللصوص وكأنهم شيء من التاريخ
قد انتهى عهده وولى، إذ بي أراهم أمامي اليوم رأي العين!
ولكن دعوني؛ بعد كل تلك التساؤلات التي قد
لا نرى لها إجابة؛ أن أعلن بأن هذه القضية والملابسات التي تحيط بها، والتي لم تُكشف
بعد؛ تُشعرني أنا شخصيا بأن الدبلوماسيين اللصوص الذين نهبوا آثار مصر خلال القرون
الماضية؛ لا زال أحفادهم يرتعون بأرض مصر وآثارها دون رقيب أو حسيب، بل وربما بغطاء
رسمي؛ خاصة وأن القضية؛ تؤكد على أن هناك إهمالا أو تراخيا أو ربما مؤازرة واضحة من
قبل المسؤولين.
فمثل هذه الشحنة التي خرجت من مصر على هيئة
حاوية دبلوماسية لرجل كان قد أنهى وظيفته الدبلوماسية قبل عام من الواقعة؛ لتشير إلى
أن القضية ليست عادية، بل وربما كانت تُدار من قبل مافيا دولية؛ خاصة لو علمنا أن رؤوف
بطرس غالي المتهم الرئيس في القضية يحمل هو أيضا الجنسية الإيطالية.