سؤال هل من حق أي شخص أن يرتدي ما يشاء من ملابس؟!
الإجابة
نظريا هي نعم، لأن الملابس حرية شخصية.
انطلاقا
من هذه الإجابة.. هل أخطأت الفنانة رانيا يوسف حينما ارتدت فستانا يشبه المايوه في
حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي مساء يوم الخميس؟!
الإجابة
هي نعم أخطأت وبصورة فادحة.
هل
هناك تناقض بين إجابة السؤالين؟!
إطلاقا،
لا يوجد أي تناقض بالمرة.
تفصيل
ذلك، هي أنه حتى إذا كانت الملابس حرية شخصية، فهي مقيدة أحيانا بعوامل وظروف
كثيرة.
الإنسان
مثلا لا يمكنه السير عاريا في الشارع، بل لا يستطيع أن يفعل ذلك في نافذة أو
بلكونة شقته، رغم أنه داخل منزله الخاص.
في
هذا الموضوع هناك العديد من الشروط والعوامل والظروف التقديرية لخصها المثل الشعبي
«كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس».
سيقول
دعاة الحرية المطلقة إن رانيا يوسف فنانة ومعروف عنها جرأتها في كل شيء حتى في
تصريحاتها وثقتها المطلقة في نفسها وشخصيتها وأنوثتها ثم إنها في مهرجان سينمائي دولي،
وليست في مسجد أو محاضرة جامعية، فما الذي يمنعها أن ترتدي ما تشاء من الملابس؟!
الذي
يمنعها أشياء كثيرة، منها أن هناك قانونا يمنع خدش الحياء العام، لكن الأهم هناك
قيم مجتمع ينبغي مراعاتها!
سيقول
البعض أيضا ولكن عبارة قيم المجتمع تعبير مطاط جدا ويستخدم في مرات كثيرة، لتقييد
الحريات.
نعم
هذا صحيح لكن ما فعلته الفنانة رانيا يوسف يراه كثيرون يجافي الذوق والفطرة
السليمة وضرره أكثر من نفعه إذا كان له نفع.
لكن
بعيدا عن الجدل التقليدي بشأن القيم والذوق العام، هناك عامل مهم صار يلعب الدور
الأكبر في مثل هذه الظواهر التي بدأت تزيد في الفترات الأخيرة.
هذا
العامل هو السوشيال ميديا.
ظني
الشخصي أن رانيا يوسف وغيرها من الفنانين والشخصيات العامة، حينما يذهبون الآن إلى
المناسبات الاجتماعية والفنية والسياسية الكبرى. فإن عيونهم وقلوبهم صارت معلقة
بالسوشيال ميديا.
أظن
أيضا أن هذه الفنانة وهي تشتري هذا الفستان -إذا جاز أن نقول عنه فستانا- كانت
تعلم يقينا أنها سوف تحدث ضجة كبرى في المجتمع.
رأينا
نماذج كثيرة من هذا السلوك في الأسابيع الأخيرة. فنان يتعمد تقبيل زوجته بصورة
لافتة، وفنانة ترتدي ملابس غريبة جدا، كما فعلت رانيا نفسها في حفل الافتتاح حينما
ارتدت بدلة سوداء على طريقة مايكل جاكسون، وكما فعلت سما المصري في حفل الافتتاح
أيضا رغم أن ملابسها يومها كانت محتشمة. عيون هؤلاء جميعا على «الترنيد» أو في
أضعف الإيمان هي أن يضمنوا وجود أخبارهم وصورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى
لو كان هذا الظهور مسيئا ومعيبا وفاضحا!
حضرت
حفل الافتتاح، ورأيت أن الجزء الأكبر لنشاط بعض الفنانين هو التقاط الصور على
السجادة الحمراء أو «الريد كاربت». هذا حقهم وشأنهم وحريتهم الشخصية. لكن وبما أن
الفنان شخصية عامة، فمن حق المشاهدين أو الجماهير، أن تحاسبهم. مدحا أو ذما، وهنا
لا ينبغي أن نقول إن الملابس حرية شخصية.
في
أوروبا والولايات المتحدة نقرأ كثيرا عن مقالات لنقاد كبار تمتدح فستان هذه النجمة
أو تنتقده.
الخبر
السيئ أن هذا الأمر سوف يستمر، لأنه مرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي، التي لا
تنشغل بأخبار جادة في مجال الفن، بل تركز اهتمامها الأساسي على ملابس هذه النجمة،
وحجم ما تكشفه من جسدها. وصارت هناك مواقع كثيرة تعيش وتقتات على التحركات بل
والهمسات التفصيلية لبعض النجوم مثل كيم كاردشيان!
الفنانون
كانوا يفعلون ذلك منذ سنوات طويلة بصورة أقل، لكن لم نكن نعرف لغياب وسائل التواصل
الاجتماعي.
ما
يشغلني شخصيا هو التأثير الخطر الذي يمكن أن تلعبه سلوكيات نجوم المجتمع سواء
كانوا فنانين أو لاعبين على الشباب الصغار.
لدينا
نماذج تسعى لتقليد محمد صلاح لأنه صار قدوة في طموحه ونجاحه، ولدينا نماذج ستحاول
أن تلبس مثل رانيا يوسف.. وربنا يستر!
الحل
ليس تحريك بلاغات أو حتى محاكمة رانيا يوسف وأمثالها، ولكن السؤال عن البيئة
والظروف والقيم التي أوصلتنا إلى هذه الحالة وكيف يمكن ترشيدها وتهذيبها لنعود إلى
قيم تشجع الفن والإبداع ولا تصدم الذوق العام.
عن صحيفة الشروق المصرية