ناقش الكاتب أديتا تشاكروباتي في تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" الأزمة التي سببتها
وثائق بنما لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون، بعد ورود اسم والده في الوثائق التي حصل عليها صحافيان ألمانيان من شركة محاماة بنمية، وكشفت في أكثر من 11.5 مليون وثيقة عن تعاملات أثرياء وساسة ونجوم فن ورياضة ومهربي مخدرات، استفادوا من التنظيمات القانونية السهلة في بنما للتهرب الضريبي وتبييض الأموال.
ويقول الكاتب إن "الساعات الـ72 الماضية كشفت عن حالة الذعر التي أصابت المؤسسة السياسية البريطانية، التي لم ترها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، واضطر رئيس الوزراء البريطاني إلى نشر تفاصيل خاصة به، تتعلق بسجله الضريبي، وبات الغريب يعرف كم ورث عن والده من مال وشركات (أوف شور)، التي أنشأها والده، وربح منها لسنوات طويلة، بل إنه قام بخطوة غير مسبوقة، ونشر تفاصيل عن سجله الضريبي عن الست سنوات الماضية، أي منذ وفاة والده، وتبعه قادة الأحزاب الأخرى بنشر تفاصيل عن سجلاتهم الضريبية، ففي
بريطانيا المعاصرة، التي يناقش فيها الناس المشكلات العائلية بين الزوجين أكثر من الشؤون المالية، فإن هذا مدعاة للدهشة".
ويضيف تشاكروباتي أن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، فلم ينشر ديفيد كاميرون كامل حساباته الضريبية، كما قال بعض المعلقين، بل نشر تلخيصا موقعا من شركة محاسبات قانونية، حيث يرى أن البرلمان سيزيد من الضغط على كاميرون، خاصة حزب العمال وزعيمه جيرمي كوربين، مشيرا إلى أنهم "لو واصلوا الضغط، فعندها سنرى تفاصيل جديدة عن سجلات رئيس الوزراء الضريبية، ولن يستطيع مكتب رئيس الحكومة إحكام القفل على مصالح لأعضاء الحكومة في شركات (أوف شور)".
ويحذر الكاتب من خطر الهبوط نحو مستنقع من الإثارة، من خلال البحث عن تفاصيل جديدة، لافتا إلى أن الأمر سيتحول إلى مجرد حديث عن طريقة التعامل، أو الكيفية التي عبر فيها الفرد عن علاقته بالأوراق، حيث سيكون الأمر لعبة لمن يرغبون بتوجيه أصابع الاتهام، وسيكون في الوقت ذاته مثيرا لاستغراب من يريدون الحقيقة في التفاصيل التي سربت، وأدت إلى نقاش عام حول هذا الموضوع.
ويعتقد تشاكروباتي أن "أوراق بنما" هي ليست عن الضريبة، ولا عن المال، ولكن ما تكشفه هذه الأوراق هي "فساد ديمقراتينا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذه الأوراق تكشف عن الكيفية التي خرج فيها الأثرياء، "ونسبتهم لا تتعدى نسبة 1% من مجمل السكان" من النظام الاقتصادي الذي نعيشه، لافتا إلى أن
التهرب الضريبي على مستوى القمة على مدار 30 عاما، وباستخدام أساليب مالية محكمة، يعني أن هؤلاء لم يلتزموا بالقوانين المفروضة على البقية.
ويجد الكاتب أنه "بناء على ما تقدم، فإن الملاجئ الضريبية الآمنة هي تعبير واحد عن الواقع، والبحث عن تعريف لها عادة من يضيع في التفاصيل الفنية، إلا أن أفضل وصف لها ما جاء في تعريف نيكولاس ساكسون، الذي لخصه بالآتي: (تأخذ أموالك إلى بلد آخر من أجل الهروب من أحكام وقوانين المجتمع الذي تعمل فيه)، وبهذه الطريقة فأنت تقوم بسرقة مجتمعك، وحرمانه من المال اللازم للمستشفيات والمدارس والطرق".
ويوضح تشاكروباتي قائلا إن "من يخرجون من مجتمعاتنا هم من يفرضون الآن صوتهم، ويحاولون فرض القواعد التي نعيش في ظلها، والنسبة التي لا تتعدى 1% تقوم بشراء التأثير السياسي أكثر من أي وقت مضى، فكر بالأخوين المليارديين كوتش، اللذين ستشكل ثروتهما الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام، وفي بريطانيا فكر في الصناديق الوقائية وصناديق الاستثمار في الأسهم الخاصة، التي أسهمت عام 2010 بنصف تكاليف الحملة الانتخابية لحزب المحافظين، والتي نجحت بإعادة المحافظين للحكم بعد 18 عاما".
ويقترح الكاتب لفهم هذه الظاهرة العودة إلى الاقتصادي الألماني ألبرت هيرستشمان، الذي توفي عام 2012 عن عمر يناهز الـ 97 عاما، الذي قال إن المواطنين سيحتجون على النظام بواحد من طريقين: الصوت او الخروج، موضحا أنه في حال شعرت أنك متضايق من مدرستك المحلية، فعندها تقوم برفع صوتك، وتقوم بالحديث مع مدير المدرسة، وهناك طريق آخر هو إخراج ابنك من المدرسة، ونقله إلى مدرسة خاصة.
ويستدرك التقرير بأن الأغنياء الكبار في كل من بريطانيا وأمريكا لا يلتزمون بتعريف هيرستشمان، فهم يقومون بالخروج من النظام والتأثير فيه "صوت"، حيث إن التهرب الضريبي هو كعكة يقومون بأكلها.
ويرى تشاكروباتي أن الأيام الماضية كشفت عن تحول مقر رئيس الوزراء كاميرون إلى فرع الأثرياء الكبار "وكونه جزءا من نسبة 1% فلا جدال في هذا، حيث إن والده كان مضاربا بارزا في سوق الأوراق المالية، ويملك ثروة تقدر قيمتها بـ 10 ملايين جنيه إسترليني"، رغم أن تحصيل المال من المضاربات ليس بالأمر السهل.
ويتساءل الكاتب عما حصل عليه الأثرياء الكبار من استثماراتهم في السياسة البريطانية، مجيبا بالقول إنها حصلت على "تخفيض في الضريبة الشخصية، ودعوات من وزير الخزانة ديفيد أوزبورن لتقديم النصح له حول إعادة تعديل ضريبة الشركات، وعدم الخوف من أن حساباتهم في الملاذات الضريبية سيتم التساهل معها".
ويخلص تشاكروباتي إلى القول: "إنهم تعلموا في دروس السياسة أن بريطانيا هي أول ديمقراطية نموذجية في العالم، لكن السنوات الثلاثين الماضية كشفت أنها ليست بالنموذجية على الإطلاق، فباستثناء البعض لم يعد الساسة يشبهوننا أو يعملون من أجلنا، وفي وسط أزمة التأجير، فإن لدينا وزير إسكان هو براندون لويس، ويدير موقع تأجير، ولدينا خبير استثماري مصرفي هو ساجد جاويد، يزعم أنه يعمل ما بوسعه لحماية صناعة الفولاذ، ولدينا رئيس وزراء تعهد بعمل ما يستطيع للقضاء على الملاذات الضريبية، ويقوم في الوقت ذاته بمنع أي محاولة جادة لتحقيق هذا".