هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان إطلاق سراح زعيمة الجيش الأحمر الياباني فيزاكوا شيغن أوبي (أو فوساكا شيغينوبو حسب صياغات أخرى لاسمها باللغة العربية)، فرصة لاستذكار فصول مثيرة من تاريخ تلك المنظمات اليسارية المناصرة للقضية الفلسطينية، وإن بعنف دموي ضد مدنيين في بعض العمليات.
أمضت فيزاكوا 20 عاما وراء القضبان لاتهامها بالتخطيط لعملية مطار اللد عام 1972 التي أودت بحياة 25 مدنيا، وكذلك المسؤولية عن اقتحام السفارة الفرنسية في لاهاي بهولندا 1974 واحتجاز السفير لنحو أربعة أيام للمطالبة بإطلاق سراح أحد عناصر الجيش الأحمر من السجون الفرنسية، وهو ما حصل فعلا، لكن زعيمة الجيش الأحمر تنفي علاقتها بالعملية الأخيرة على السفارة الفرنسية.
لعل أحد اهم المراجع المعتبرة في الاطلاع على قصة فيزاكوا اليابانية ومنظمتها هو كتاب المناضل السوري فاروق مصارع «أنا وكارلوس الأسطورة»، الذي اعتمد فيه مصارع على سلسلة مقابلات أجراها مع اليساري الشهير كارلوس داخل سجنه، وتحدث فيه كارلوس عن تفاصيل تأسيس الجيش الأحمر ودوره في التخطيط والدعم لعمليتي مطار اللد واقتحام السفارة الفرنسية بهولندا، وهما أشهر عمليتين للجيش الأحمر.
بداية السبعينيات تداخلت علاقة الجيش الأحمر المشكل حديثا حينها مع كارلوس عندما كان يقيم في فرنسا، كان كارلوس يعمل في باريس تحت إشراف مسؤول تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في أوروبا محمد بوضيا وهو مناضل يساري جزائري كان، مسؤول جبهة التحرير الجزائرية، ويروي فاروق مصارع في كتابه، أنه بعد عودة بوضيا من لبنان أخبره انه حضر اجتماعا مع جورج حبش وكانت برفقته «مناضلة يابانية جميلة»، وطلب بوضيا من كارلوس أن يرسل السلاح إلى روما لتنفيذ عمليات خاصة، كانت هذه اليابانية الجميلة التي دعاها جورج حبش للاجتماع هي مؤسسة الجيش الأحمر فيزاكو (فوساكا) الملقبة بـ«الملكة الحمراء»، وكان السلاح المرسل إلى روما موجها إلى زوج فيزاكوا، تسي ياشي أوكاديو، الذي ارتبطت به خلال إقامتها في لندن حيث عملت ممرضة في أحد المستشفيات، وكانت تجمع التبرعات لدعم معسكرات منظمتها في لبنان، قبل أن تستقر في بيروت.
وهكذا في نهاية مايو 1972، تحرك زوج «الملكة الحمراء» مع ثلاثة من رفاقه من روما إلى مطار اللد بطائرة فرنسية لينفذوا عمليتهم، ليقتل تسي ياشي أوكاديو، وتعتقل إسرائيل أحد رفاقه الثلاثة، الذي أدلى باعترافات أدت لملاحقة واغتيال الموساد لقيادات للحركات الفلسطينية الثورية في أوروبا، كان على رأسهم أحد مخططي عملية اللد، الجزائري محمد بوضيا مسؤول الجبهة الشعبية في أوروبا، وتولى بعده اللبناني الطرابلسي ميشيل مغربل مسؤولية الجبهة في أوروبا.
يمنح كتاب «أنا وكارلوس الأسطورة» تفاصيل عن بدايات تعاون الجيش الأحمر وكارلوس من خلال الجبهة الشعبية، ويقول إنه «في صيف عام 1973 ساعد كارلوس في تنظيم خلية للجيش الأحمر الياباني في باريس، وكان المسؤول عن المنظمة في أوروبا هـو تاكـا هاشي تاكا موتو، وكان بروفيسورا في جامعة ريكي وا في اليابان، ومختصا في الأدب الفرنسي، كان على اتصال مباشر مع فيزاكـوا رئيسة الحزب في بيروت، التي أرسلت لـه فـرقـة مـن الكوماندوز لكي يشكلوا خلايا للجيش الأحمر في أوروبا».
ومن المثير الذي يكشفه كتاب فاروق مصارع، أن عملية كشف هوية زعيمة الجيش الأحمر وقادة هذه المنظمة اليسارية تم عن طريق ضبط رسالة مشفرة بحوزة أحد قادتها «فورايا» في فرنسا، وهو الذي أرسلته فيزاكوا لتنفيذ عملية قبل أن يرصده الموساد ويبلغ السلطات الفرنسية بوصوله لمطار أورولي الفرنسي، بصفة طالب، ومن هنا بدأت فصول العملية الثانية التي تتهم بها فيزاكوا مؤسسة الجيش الحمر وتنفيها هي، ويروي مصارع أن مسؤول الأمن الفرنسي في مطار أورلي عندما اعتقل أحد قادة خلية الجيش الأحمر «فورايا» قاموا بتفتيشه، «فوجدوا في حوزته عدة جوازات مزورة، مع أوراق مهمة وشيكات مزورة، وبعد التفتيش الدقيق عثروا على رسالة سرية مشفرة، تشرح خطة الجيش الأحمر الياباني في مهاجمة السفارات والمسؤولين اليابانيين في أوروبا، فتم اعتقاله فورا بعد ترجمة الرسالة المشفرة، واكتشف الأمن الفرنسي اسم مسؤول الاتصال في باريس وهي الشابة ماريكوا ياما موتو.. شابة أنيقة مقيمة في باريس، تعمل في محل تجاري بالقرب مـن الأوبرا لبيع الهدايا لليابانيين، وتعمـل بهـدوء ضمن أوساط السياح الكثيرين الذين يأتون للسياحة، كانت فتاة جميلة وموظفة جيدة، تعمل منذ أكثر سنة في المحل التجاري من دون أية مشكلة، وكانت جميع مراسلات منظمة الجيش الأحمر تأتي إليها.
حين تم اعتقالها رفضت أن تعطي أية معلومات لرجال الأمن الفرنسي الذين راقبوا شقتها واعتقلوا جميع من كانوا يترددون إليها».
هكذا اذن ومن خلال فك تشفير هذه الرسالة الخاصة حصل الأمن الفرنسي على كنز من المعلومات عن هيكلية منظمة الجيش الأحمر، واعتقل عدد من قادتها، لكن المعتقلين لم يقدموا أي اعترافات، ما اضطر الأمن الفرنسي لإبعادهم من البلاد. أما زعيم خلية العمليات الخاصة الياباني فورايا، الذي كلفته فيزاكوا بتنفيذ العمليات والسفر لفرنسا فتم اعتقاله والحكم عليه بالسجن لعدة اشهر، وهنا يقول كارلوس إن زعيمة الجيش الأحمر قررت تنفيذ عملية لتحريره وهو ما تنفيه فيزاكوا، وهي عملية الهجوم على السفارة الفرنسية في هولندا 1973، التي شارك كارلوس وميشيل مغربل الذي خلف الجزائري محمد بوضيا في قيادة الجبهة الشعبية في أوروبا، شاركوا في التخطيط لها مع مسؤولي منظمة الجيش الأحمر، وسافر كارلوس برفقة اثنين من كوماندوز الجيش الأحمر إلى لاهاي ، ويروي مصارع أن كارلوس تولى مراقبة مبنى السفارة الفرنسية في لاهاي قبل عملية الجيش الأحمر، لكن رفاقه المكلفين بالاقتحام تأخروا، فاضطر للمغادرة خوفا من اكتشاف أمره، ويقول كارلوس «إنه سمع حينها مباشرة، إطلاق الرصاص يأتي من منطقة السفارة، وسيارات الإسعاف والنـاس تـركض، فتوجـه معـهـم فـورا ورأى إطلاق النيران مـن داخـل السفارة وخروج شرطية هولندية جريحة، عندها تأكد أنهم اقتحموا السفارة حسب الخطة، وأنهم وصلوا متأخرين فقط.
ويروي الكتاب أن الجيش الأحمر طالبوا في بيانهم «تحرير فورايا المسجون في باريس، ودفع مليون دولار مع طائرة تحت تصرفهم، مقابل الإفراج عـن السفير وعن بقية موظفي السفارة الفرنسية، رفضت السلطات الفرنسية مطالب الكوماندوز، واستمرت المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحكومة الهولندية التي لا تريد مجزرة على أراضيها، لذلك وافقت الحكومة الفرنسية على إرسال الطائرة مع فورايا إلى أمستردام. فكّـر كارلوس أن السلطات الفرنسية لن تستجيب إلى مطالب اليابانيين، لذلك لم يكـن أمامه سـوى القيام بعملية سريعة، عملية على الطريقة الجزائرية في العمل خلال حرب التحرير، فتوجه إلى سان جرمان في باريس، وألقى قنبلة في المركز التجاري»، وبعد هذه الفوضى يختتم مصارع كيف انتهت قصة اقتحام السفارة الفرنسية: «وافقت الحكومة الفرنسية على مطالب الخاطفين، وأرسلت المعتقل لديها فورايا مع طائرة بوينغ إلى لاهاي ومبلغ ثلاثمئة ألف دولار بدلا من المليون المطلوبة، وتوجهوا إلى عدن في جنوب اليمن، رفضت السلطات اليمنية هبوط الطائرة، وبعد مفاوضات توجهت الطائرة إلى دمشق، وافقت السلطات السورية على هبوط الطائرة وقبول منحهم اللجوء، مقابل تحرير جميع الرهائن وتسليم الطائرة مع المبالغ إلى الحكومة الفرنسية، وهكذا تمت العملية وتوجه الكوماندوز الياباني بعدها إلى بيروت إلى مقر الجبهة الشعبية، حيث تنتظرهم رئيسة المنظمة فيزاكوا»، فيزاكوا التي قضت بسبب هذه العمليات 20 عاما وراء القضبان وكذلك كان مصير كارلوس حتى اليوم.
(القدس العربي اللندنية)