بكامل الفعالية، يُنهي
المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج عامه الأول، وبكامل الإصرار ستعقد هيئته العامّة لقاءها الثاني كما وعدت، وجدول أعمالها مزدحمٌ بالأمور الإدارية والسياسيّة، بالإضافة لمناقشة الخطط العامّة وخطط اللجان وتقاريرها، وخارطة معقّدة من الاشتباك الإيجابي مع الهمّ الوطني ومفرداته.
استحضارُ البداية وما رافقها من عقبات مهمٌّ جدّاً في تقدير حجم الإنجاز؛ فقد بدأ هذا الكائن الجديد في على الساحة
الفلسطينية عموماً، وساحة فلسطيني الخارج خصوصاً، بدايةً تحوم حولها التخوّفات والتشكيكات، بل وتعتريها عقبات شتّى، وهجومٌ مبرمج من محتكري الوطنيّة العبثيّة! لكن الثُلّة القائمة عليه من رموز العمل الفلسطيني من مختلف ألوان الطيف الوطني بدأت يحدوها التحدّي والأمل في مواجهة هذه التخوّفات وهذا التشكيك.
"المصداقية" هي كلمة السر الأولى والأخيرة في نجاح هذا المؤتمر، فمنذ اللحظة الأولى كانت "المبالغة" في المصداقية ترافق خطوات التأسيس؛ فإرث سبعين سنة على الأقل من العمل الوطني والشعبي والفصائلي بكلّ تشابكاته وتعقيداته وإخفاقاته ونجاحاته كان حاضراً في الأذهان، ولذك كان الحرص على هذه المصداقية في أدقّ التفاصيل، فلا أجندات خاصّة أو حزبيّة أو فصائليّة أو جماعية، ولا أعمال أو كولسات تحت الطاولة، فكل ما نعمل به أو نفكر به في الفضاء الرحب.
فمن جهة، هناك يقينٌ جماعيّ أنّ العالم لم يعد فيه إمكانية للعمل في الخفاء أو الكهنوت، ومن جهة ثانية تجذّرت القناعة أيضاً أنّ عملنا الوطني بعد سبعين - بل مئة - سنة بات في حاجة أشدّ لمستوى عالٍ من المصداقية والشفافية التي تهيّئ بيئةً من الأمان والاطمئنان؛ داعمةً ودافعةً لكل راغب في العمل لقضيّته وشعبه.
حرص "المؤسّسون" أيضاً على أنْ تتكرّس في المؤتمر روح "التوافق" التي لا تعيق الحركة، وفي نفس الوقت التي تضبط الفوضى، ولكن بعيداً عن الغلوّ في تعقيدات اللوائح وحَرْفيّة الأنظمة؛ خاصة في المرحلة الأولى للتأسيس والتي تتطلّب إشاعة هذه الروح، روحٌ تتنفّس فلسطين كلّ فلسطين!
ولقد بدا واضحاً الأثرُ الإيجابيّ لذلك في إنجاح المؤتمر وفعالياته، وكذلك استمراريّته بإذن الله.
بهذه الرّوح انطلق المؤتمر، وعلى مدى عامٍ كامل، لم يهدأ بهيئته العامّة وأمانته ولجانه الفنيّة ورموزه، يسابق الزمن لتحقيق أهدافه رغم ما يعتري الساحة الفلسطينية من مصاعب وظروف، وما تمرّ به المنطقة من سيولةٍ سياسيّة غير مسبوقة.
الإنجاز المباشر الذي يصل "أثره" للقضية والوطن والشعب من مسافة صفر كان هاجساً، بعيداً عن دبلجة التقارير وثقافة الاستعراض وهدر الوقت والمال والموارد والجهد دون تحقيق الأثر المطلوب.
كلّ ذلك بنَفَسٍ طوْعيّ من الجميع يغلّب مفهوم العطاء والتسابق فيه على التكسّب والشحّ.
ولذلك حرص المؤتمر على تكريس ثقافة "الأثر" في فعالياته كافّة؛ فلا بدّ أنْ تنجزَ كلُّ أعماله أهدافَها مباشرةً! سواء فيما يتعلّق بخدمة الشعب الفلسطيني في الخارج أم في تفعيل دوره في التعبير عن رأيه في قضيته، وهو الأمر الذي حاول "أهل" أوسلو - ومَنْ شايعَهُم - إلغاءه وإنهاءه على مدى ربع قرن، ولكنّهم لم ولن يستطيعوا أمام إصرار وتحدّي هذا الشعب وتمسّكه بحقوقه التاريخية.
لا نقول هذا الكلام من باب التفاؤل وشحذ الهمم فقط، وإنما استناداً لعوامل موضوعية وحقائق راسخة على الأرض نلمسها كلّ يوم.
وليس المجال هنا لجردة حساب حول الإنجازات، لكنّ ثبات المؤتمر واستمراريّة واستقرار هيئاته، ونموّ أعداده ورسوخ وانتشار أدبياته في ظلّ هذا الطيف و"الموزاييك" الوطني الذي يتشكل منه المؤتمر هو أهم إنجاز، وذلك إذا استحضرنا حجم المواجهة والهجوم التي يتعرّض لها المؤتمر من قبل فريق "أوسلو" والشانئين الآخرين.
فقد التقت الأمانة العامّة للمؤتمر - وهي الجهاز التنفيذي للمؤتمر - خمس لقاءات، وشكّلت حوالي عشرين لجنة تخصّصية ضمّت نخباً مبدعة من أبناء شعبنا من مختلف الأقطار. ووضعت خطّة استراتيجيّة ترسم مسار العمل في المؤتمر.
هذا وقد انبثق عن المؤتمر كيانان كبيران مهمّان؛ الأوّل: للمرأة، وهو رابطة المرأة الفلسطينيّة في الخارج، والثاني للشباب، وهو مبادرة شباب فلسطين في الخارج.
وعلى مدار العام كان المؤتمر حاضراً في كلّ مفردات الشأن الفلسطيني: القدس وقرار ترامب بشأنها، القمّة الأقريقية الصهيونيّة، مئوية وعد بلفور، سبعينيّة النكبة.. لم يتخلّف عن فعالية مهما كانت.
ها هو العام الأوّل ينطوي، والإصرار على الاستمرارية في ذروته، وهذا ما سيظهر في لقاء الهيئة العامّة الثاني؛ حيث سيضاف لها أكثر من 150 عضواً بناء على قرار منها في لقائها الأوّل، وذلك حرصاً على توسيع دائرة المشاركة.
إصرارٌ على الاستمرار مع إصرار استيعاب الكلّ الوطني؛ يجب أن يجد كلّ قلسطينيّ وفلسطينيّة مكاناً له في المؤتمر، وفرصةً حقيقيّة ليؤدّي دوره في خدمة شعبه، مهما كانت خلفيّته الأيدولوجية أو السياسيّة.أو الفصائليّة.
لا مكان في
المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج "للثارات" الأيدولوجيّة بين الفلسطينيين! الكلّ الفلسطينيّ مدعوٌّ للمساهمة في بناء هذا الصرح الاستيعابي الذي انتظرناه ربع قرنٍ على الأقلّ!
هذا الصرح الذي يسعى ليكون نموذجاً فريداً للحالة الشعبويّة الفلسطينيّة الممزوجة بالنخبوية الفاعلة؛ شعبويّة تفرد جناحيها لتصل لكل زقاق في كل مخيماتنا، ونخبويّة تستوعب كلّ مبدعٍ فلسطينيٍّ في شتّى أصقاع الأرض توّاق لتحرير أرضه والعودة إليها!
آخر الكلام:
المؤتمر الشعبي لفلسطينيّ الخارج ميدانٌ جديد يبعث الأمل في ثورة شعبٍ لم تهدأ على مدى قرنٍ من الزمان.