خيم شعور الاستياء والصدمة على المصريين، وهم يشاهدون وكالات الأنباء العالمية تروي تفاصيل الهجوم الدامي الذي أودى بحياة عشرات العناصر الأمنية في منطقة الواحات جنوب محافظة الجيزة، دون أن يصدر موقف رسمي يوضح حقيقة ما جرى.
واضطر المصريون للانتظار أكثر من 24 ساعة للاطلاع على تفاصيل ما جرى، قبل أن يخرج بيان مقتصب لوزارة الداخلية تورد فيه معلومات غير كاملة عن الهجوم وتفاصيله، وهو ما درجت عليه المستويات الأمنية والعسكرية عند وقوع أي حدث أمني في البلاد.
وكانت الإدانات الدولية والعربية تتوالى للهجوم الذي يعد الأكبر من نوعه منذ إعلان تمديد ثان لحالة الطوارئ في عموم البلاد في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، في حين كان رئيس الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي يستذكر ضحايا حرب وقعت قبل 75 عاما.
وجاء ذلك في الاحتقال لإحياء ذكرى مرور 75 عاما على معركة العلمين، غرب البلاد، بحضور عدد من ممثلي 14 دولة، وقيادات مصرية بارزة، قال فيها: "ذكرى آلاف الضحايا الذين لقوا حتفهم في معركة العلمين (بالحرب العالمية الثانية)، تدفعنا لتجديد العهد على الحفاظ على السلام، وبذل مزيد من الجهد لإرساء السلام، خاصة في منطقة الشرق الأوسط".
واستغرب مراقبون من عدم تطرق السيسي لحادثة الواحات بعد ساعات على وقوعها، في حين لم يصدر عنه -حتى وقت كتابة هذه السطور- أي موقف يصف فيه على الأقل ما حصل، أو حتى يقدم التعازي لذوي الضحايا.
وعلق الخبير الأمني العميد صفوت الزيات على موقف السيسي وصمته بالقول إن النظام الآن في مصر "لا يهمه الرأي العام، وهذه ليست الحادثة الأولى التي يهمش فيها إظهار نتائج التحقيقات"، لافتا إلى أن "أي دولة يُحترم فيها القانون يطاح فيها بالمتسببين بالحوادث، وتنقلب فيها الدنيا رأسا على عقب من مؤتمرات وبيانات لإظهار الحقائق للرأي العام وهو ما يختلف مع الوضع المصري".
وعن عدم ظهور السيسي حتى الآن للحديث عن الحادثة توقّع الزيات في حديثه لـ"عربي21" أنه "ربما لأن التفاصيل لم تتبلور بالشكل النهائي لدى النظام في مصر"، مضيفا: "وربما يجهز السيسي لعملية انتقامية أو يحاول صنع إنجاز ما للتغطية على هذا الحادث".
وأشار إلى أن "أي خطاب منه الآن لن يكون مقنعا، بسبب تبريراته السابقة في أحداث كثيرة، وبالتالي فأي حديث منه الآن يقتضي إبراز الأخطاء التي تسببت في الحادثة وهو ما لن يحدث من النظام الحاكم في مصر الآن".
بدوره، علّق زعيم حزب غد الثورة أيمن نور بالقول إن "مصر تمر الآن بمرحلة بالغة التعقيد تغيب فيها صورة الدولة والقانون، والشفافية، حتى القوانين والدساتير التي شرعها النظام المصري الآن لا يحترمها ولا يعترف بها"، مضيفا: "منذ عهود مختلفة لم نر مثل هذه الفوضى وغياب القانون وعدم احترام الرأي في مصر".
وأشار نور إلى أن "غياب السيسي يرجع إلى عدم استطاعته قول شيء في شأن الحادث الأخير، لأن كلامه سيكون مستهلكا، إذ سبق ووعد أنصاره كثيرا بمواجهة إرهاب وصفه "بالمحتمل" ليصبح الآن حقيقة تواجهها الدولة ويطال الجميع"، مؤكدا أنه "لم تعد هناك تقارير تستطيع مساندته في هذا الأمر، حتى إن أقرب الناس إليه لا يستطيعون تبرير الحدث".
ووصف نور في تصريح لـ"عربي21" الحادث بـ"المؤلمة الفاضحة للنظام في مصر"، معتقدا أن صمت السيسي "الآن هو الحل الوحيد منه، لأنه لن يجدد ما يبرر هذا الفشل".
وأكد السياسي المصري أن السيسي "لو أراد قولة حق في هذا التوقيت فعليه التنحي من المشهد تماما هو ووزير داخليته وكل المسؤولين معه عن هذه الجرائم".
وكانت وزارة الداخلية المصرية أعلنت تفاصيل استهداف قوات أمنية أمس السبت في منطقة الواحات، مؤكدة مقتل 16 فردا من القوات الأمنية.
وجاء في البيان الذي صدر مساء السبت: "اتخذت مجموعة من العناصر الإرهابية من إحدى المناطق بالعمق الصحراوي بالكيلو 135 بطريق أكتوبر-الواحات-محافظة الجيزة، مكانا للاختباء والتدريب والتجهيز للقيام بعمليات إرهابية، مستغلين في ذلك الطبيعة الجغرافية الوعرة للظهير الصحراوي وسهولة تحركهم خلالها".
وأضاف: "تجدر الإشارة إلى أنه في ضوء توافر هذه المعلومات فقد تم إعداد القوات للقيام بمأموريتين من محافظتي الجيزة والفيوم لمداهمة تلك المنطقة، إلا أنه حال اقتراب المأمورية الأولى من مكان تواجد العناصر الإرهابية استشعروا بقدوم القوات وبادروا باستهدافهم باستخدام الأسلحة الثقيلة من كافة الاتجاهات، فبادلتهم القوات إطلاق النيران لعدة ساعات".
وقال البيان إنه قتل "16 فردا من القوات و11 ضابطا و4 مجندين ورقيب شرطة واحد، مع مرفق كشف بأسمائهم، والإشارة إلى أنه تمت إصابة 13 عنصرا هم 4 ضابط و9 مجندين.. وما زال البحث جاريا عن أحد ضباط مديرية أمن الجيزة".
وتابع بأنه "في وقت لاحق، تم تمشيط المناطق المتاخمة لموقع الأحداث بمعرفة القوات المعاونة وأسفر التعامل مع العناصر الإرهابية عن مقتل وإصابة 15 فردا، تم إجلاء بعضهم من مكان الواقعة بمعرفة الهاربين منهم، وما زالت عمليات التمشيط والملاحقة مستمرة".