تشهد جماعة
الإخوان المسلمين في
مصر أكبر أزمة حقيقية منذ نشأتها، بحسب مراقبين، حيث طالت الخلافات قيادات الصف الأول في الجماعة وصولا إلى الكثير من أعضاء الجماعة.
من هما طرفا الأزمة؟
تنقسم القيادات المنخرطة في هذه الأزمة إلى فريقين، لكل طرف منهما رجاله داخل مصر وخارجها.
الفريق الأول (يمكن أن يطلق عليه فريق القيادة التاريخية) يضم من المتواجدين داخل مصر كلا من محمود عزت نائب مرشد الجماعة والقائم بأعماله - بحسب قوله - ومحمد عبد الرحمن مسؤول اللجنة الإدارية العليا التي تم انتخابها في منتصف أكتوبر الماضي لإدارة شؤون الجماعة، ومعه عدد قليل من أعضاء هذه اللجنة. ويضم هذا الفريق رابطة الإخوان المصريين في الخارج بقيادة محمود حسين الأمين العام للجماعة - بحسب قوله - ومكتب الإخوان في لندن بقيادة إبراهيم منير.
الفريق الثاني (يمكن أن يطلق عليه فريق القيادة المنتخبة بعد الانقلاب) يضم من المتواجدين داخل مصر محمد كمال مسؤول الصعيد ومعه أكثر أعضاء اللجنة الإدارية العليا التي تم انتخابها لإدارة الجماعة، كما أنه يضم مكتب الإخوان بالخارج بقيادة أحمد عبد الرحمن وعمرو دراج وجمال حشمت.
سبب الخلاف بين الفريقين
بعد أن تفرق مكتب إرشاد الإخوان بين معتقل ومطارد في أعقاب انقلاب يوليو 2013، تم انتخاب لجنة عليا لقيادة الجماعة مكونة من المسؤولين السبعة لقطاعات الجمهورية، على أن ينتخبوا اثنين من مسؤولي اللجان المركزية لينضموا للجنة العليا، ثم أضيف إليهم أيضا اثنان من قيادات مكتب الإرشاد القديم هما محمد عبد الرحمن ومحمد كمال.
وأوكلت إلى هذه اللجنة العليا مهمة إعداد لائحة جديدة للجماعة ينتخب على أساسها مجلس شورى جديد لينتخب المجلس بدوره مكتب إرشاد جديد.
لكن القيادة التاريخية أنكرت حدوث هذه الانتخابات وأكدت أن إجراءاتها لم تكن صحيحة، وأنها ما زالت محتفظة بصلاحياتها دون تغيير، وهذا ما أعلنه محمد حسين في حواره يوم السبت مع قناة الجزيرة.
وأشارت وسائل إعلامية ومصادر إخوانية في أكثر من مناسبة إلى أن الخلاف يتمحور حول طريقة إدارة الصراع مع الانقلاب، ولكن مصادر شديدة الاطلاع على أبعاد وتفاصيل الأزمة، رفضت ذكر اسمها، قالت إن جوهر المشكلة هو الخلاف بين الفريقين على طريقة إدارة الجماعة والسيطرة عليها، فيما تعتبر الأسباب الأخرى هامشية، سواء ما يتعلق منها برؤية الجماعة واستراتيجيتها في مقاومة الانقلاب، أم ما يسمى في بعض وسائل الإعلام بالصراع بين "السلمية المطلقة" و"الثورية".
وأضافت المصادر، التي لا تنتمي لأحد الطرفين، لـ"
عربي21" أن الخلاف في شقه الإداري ينصب حول صلاحيات وطريقة اختيار لجنة الإدارة العليا التي تم انتخابها قبل عدة أسابيع لإدارة شؤون الجماعة وهل لها ولاية على رابطة الإخوان المقيمين بالخارج أم لا، وما إذا كان مكتب الخارج يتبع الرابطة أم يتبع اللجنة الإدارية العليا.
ورجحت أن يكون الاختلاف الفكري والعملي حول اتباع المسار الثوري مجرد خلاف شكلي تتراجع أهميته أمام الخلاف الإداري، نافية أن يكون هناك أي أبعاد شخصية في هذه الأزمة.
ما الفرق بين الطرفين؟
تتهم القيادة المنتخبة ومؤيدوها فريق القيادة التاريخية بأنه لم يقدم أي رؤية واضحة لإنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية. وتؤكد القيادة المنتخبة، أنها بالمقابل تمتلك رؤية واستراتيجيه لإسقاط الانقلاب، لكن كثيرين داخل الإخوان يتساءلون عن تفاصيل هذه الرؤية ويطالبون بتوضيحها لاختبار قدرتها على تحقيق أهداف الجماعة.
تعتمد القيادة التاريخية على سلاح الشرعية وأدبيات الأسبقية وقواعد الانضباط داخل الجماعة، بينما تعتمد القيادة المنتخبة على قواعد الالتزام بالمؤسسية ونتائج الانتخابات، فضلا عن تبنيها للوسائل الثورية لمناهضة الانقلاب.
لكن مصادر محايدة في الجماعة أكدت لـ"
عربي21" أن كلا الفريقين يمتلكان بعض الأوراق التي يمكن استخدامها لتثبيت سيطرتهما على الجماعة، بينما لا توجد اختلافات جوهرية بين الجانبين في معظم هذه المجالات، لكنها تشير إلى أن القيادة المنتخبة تتميز بحضور أكبر - نسبيا - مع شباب الجماعة، بحسب قولها.
ما الإجراءات التي اتخذها الفريقان لحسم الخلاف؟
في خضم الأزمة المشتعلة، سيطر كل فريق على بعض المنافذ الإعلامية للجماعة وأوراق الضغط الأخرى، واتخذ طرفا الأزمة عدة إجراءات ضد الفريق الآخر لحسم الأمور لصالحه، حيث أعلنت القيادة التاريخية قرارات موقعة باسم محمد عبد الرحمن ومصدقة من محمود عزت، أقالت بموجبها محمد منتصر من منصب المتحدث باسم الجماعة وأوقفته عن المشاركة في أي عمل داخل الإخوان لمدة أربعة أشهر بدعوى ارتكابه مخالفات إدارية وتسريب أخبار الجماعة لوسائل الإعلام، وعينت الدكتور طلعت فهمي، المقيم في تركيا، متحدثا رسميا للجماعة.
وقررت تجميد عضوية الدكتور محمد كمال عضو مكتب الإرشاد وفصل مسؤولي وأعضاء لجنة الطلاب واللجنة الإعلامية ولجنة الحراك الثوري، بدعوى مخالفتهم لتعليمات قيادة الجماعة.
بدورها، ردت القيادة المنتخبة ببيان رسمي أكدت فيه أن اللجنة العليا لإدارة الجماعة هي الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ أي قرارات تخص الإخوان، وأكدت أن محمد منتصر هو المتحدث الإعلامي للجماعة، وأحالت طلعت فهمي للتحقيق.
انقسامات في الجماعة
وبطبيعة الحال، فقد انقسم كثير من قيادات وأعضاء الإخوان إلى قسمين، كل منهما يؤيد أحد طرفي الأزمة، حيث أعلنت المكاتب الإدارية في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والجيزة وبني سويف والفيوم والقليوبية وقسم الطلاب رفضها لأي قرارات تصدر عن أي جهة بخلاف لجنة الإدارة العليا، واصفين ما جرى بأنه انقلاب على مؤسسات الجماعة المنتخبة وقواعد الشورى.
محاولات لرأب الصدع
إلى ذلك، بدأت عدة أصوات معتدلة داخل قيادات الجماعة تسعى لرأب الصدع ولم شمل الطرفين، على رأسهم الدكتور إبراهيم الزعفراني والدكتور جمال حشمت، اللذان أصدرا بيانات تسعى لاحتواء الأزمة والتأكيد على معاني الأخوة والترابط بين أعضاء الجماعة.
وأكدت بيانات متعددة صدرت عن المكاتب الإدارية واللجان المركزية في الجماعة أن ما يحدث من "تدافع واختلافات" داخل الصف الإخواني هو إلى زوال، مع تشديدهم على احترام الشورى والمؤسسية وكذلك احترام قادة الجماعة وشيوخها.
وأعرب الكثير من القيادات والمسؤولين داخل الجماعة عن أن الخلافات داخل الإخوان ليست بالأمر الجديد، وأشاروا إلى تكرار هذه الأزمات عدة مرات طوال تاريخ الجماعة الذي يقارب التسعين عاما.
وأوضحوا أن آليات حسم مثل هذه الخلافات جديرة بأن تحافظ على كيان الجماعة الإسلامية الأكبر في العالم، وهو ما أكده موقف الكثيرين من الأفراد والقيادات، مستشهدين باستمرار الحراك على الأرض بالوتيرة نفسها، بالرغم من هذه الخلافات.