مقالات مختارة

الطريق الثالث في الصراع مع الإرهاب

1300x600
كتب كمال أوزتورك: هناك تطورات جديدة على ساحة الصراع مع الإرهاب لا بد من الوقوف عندها.

يبدو أن ما نمر به سيكون تجربة مختلفة جدا عن تلك التي عاشتها أوروبا. فكما تعلمون، خاضت أوروبا العديد من الحروب مع جهات إرهابية مختلفة حتى فترة قريبة. كالجماعات الإرهابية التي ظهرت في إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا. وفي كل هذه الصراعات والحروب دائما كانت هناك مقارنات ونقاشات حول سياستين، هما سياسة مؤيدي الأمن وسياسة مؤيدي الحرية.

خلافات بين مؤيدي الأمن ومؤيدي الحرية

لقد كانت مناطق الحرية تزداد ضيقا كلما ازدادت تدابير الأمن والجيش في الصراع مع الإرهاب، وكلما كانت الحريات تتّسع كانت مساحات الأمن والحماية تزداد ضيقا. وقضية الأمن والحرية تعتبر من أكثر المواضيع التي تثير الجدل في العالم بما فيها أمريكا. تذكروا كيف قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتقليص الحريات وزيادة تدابير الأمن بعد تفجيرات 11 سبتمبر. 

أما تركيا فقد استخدمت أسلوبا يهتم بالأمن بشكل أكبر في حربها مع الإرهاب المستمرة منذ 40 سنة. وقبل مجيء حزب العدالة والتنمية، لم تتم مناقشة موضوع السياسة المؤيدة للحرية سوى من قِبَل تورجوت أوزال، ولكن عمره لم يكف لتطبيق شيء من ذلك.

تغير النموذج في الصراع مع الإرهاب 

إن من أكثر المواضيع التي سيجري الحديث عنها في المستقبل في موضوع إصلاحات حزب العدالة والتنمية هو سياسة الحرية التي يتّبعها لحل المشكلة الكردية. وإن اعتبرنا عصيان الشيخ سعيد هو البداية، فلن يكون من الخطأ أن نقول إن أكثر سياسة إصلاحية وداعمة للحرية طُبقت في تركيا منذ قيام الجمهورية هي سياسية أردوغان. قد نكون نحن أيضا قد عشنا المفارقة التي عاشها العالم، ولهذا نعيش اليوم مشكلة في ضعف الأمن نتجت عن زيادة مساحات الحريات. 

ولكن مع ذلك، فإنه يمكننا أن نصنّف مسيرة السلام على أنها نموذج مختلف وضعته الدولة، حيث إن الكثير من القرارات فيها أُخِذت باسم مؤسسة الأمن الوطني ونفّذت باسمها. ولا يمكن تصور عكس ذلك ولم يكن من الممكن أن تتغير سياسة الدولة المؤيدة للأمن منذ 40 سنة بشكل آخر.

إن الفرق بين حزب العمال الكردستاني وباقي التنظيمات الإرهابية هو علاقاته الدولية الجدية بخلاف التنظيمات الإرهابية في أوروبا. فلا يمكن أن نقول إن التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا تمتلك نفس العلاقات الدولية. وربما لذلك لم يكن حزب العمال الكردستاني يريد مسيرة السلام ولم يكن باستطاعته أن يريدها.

لقد قيل دوما إن حزب الشعوب الديمقراطي يقع تحت وصاية حزب العمال الكردستاني ولا يمتلك قيادة حرة مستقلة. ولكن لا أحد يتحدث عن أن قنديل وحزب العمال الكردستاني أيضا يقعون تحت وصاية دول أخرى.

لقد استطاعت تركيا بعد أن نقض حزب العمال الكردستاني الهدنة في 11 تموز أن تكبّد حزب العمال الكردستاني أكبر الخسائر في أول عملية لها خارج الحدود أشركت فيها جهاز المخابرات التركية المحلية. ويمكن القول أن هذه نقطة تحول مهمة جدا.

الطريق الثالث في الصراع مع الإرهاب

هنا قد يمكن القول أننا عدنا للسياسة المؤيدة للأمن بعد أن أُعلن عن وضع مسيرة السلام على الرف. ولكن هذا غير صحيح. إن الادعاء بأننا عدنا إلى عصر التسعينات لم يصدر إلا عن مؤيدي حزب العمال الكردستاني في الحقيقة. قد يصح القول أن الإرهاب تمكّن من الهجوم على قوات الأمن وقتل المدنيين واستخدم العنف ولكن لا يصح أن نقول أن الدولة عادت بالبلد إلى فترة التسعينات. 

وإنما يمكننا أن نقول أن الدولة تمكّنت من استخدام السياستين المؤيدة للأمن والمؤيدة للحرية في آن واحد لأول مرة. ورغم تواجد الصراع المسلح في بعض المدن فقد اهتم رجال الأمن كثيرا بعدم إلحاق أي ضرر بالمدنيين. ولكن هذا لم يمنعهم من الإصرار على الصراع لتوفير الأمن. هناك من لا يعتبر هذا الأمر واقعيا لكن من خلال موضوع آخر حدث في الفترة الأخيرة يثبت هذا الأمر سأخبركم به.

لأول مرة قام حزب العمال الكردستاني بدعوة الشعب المقاوم له بالقيام بعصيان ضد الدولة 6 أو 7 مرات في ثلاثة أشهر. ولكن الشعب لم يرد عليهم. ثم دعوا المدارس إلى الإضراب ولم يرد الشعب على دعوتهم فقام حزب العمال الكردستاني بتفجير بعض المدارس. إنه لموقف مهم جدا لم يحدث مثله في الأربعين سنة الأخيرة. فلقد قاوم الشعب الكردي حزب العمال الكردستاني ولم يدعمه. وعلينا أن نأخذ هذا التغيير بعين الاعتبار.

أظن أن الحديث عن الصراع مع الإرهاب سيزداد في المستقبل وفي هذه الأثناء سيضاف طريق ثالث لطريقيْ السياسة المؤيدة للحرية والسياسية المؤيدة للأمن وبرأيي سيكون اسمه التجربة التركية في الحرب مع الإرهاب.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")