في الوقت الذي نسمع ونرى الانتهاكات اليومية التي ترتكبها وزارة الداخلية المصرية وأجهزتها المختلفة بحق المواطنين تحت بند حماية المواطن، وتحقيق الأمن والاستقرار للوطن.
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإليكترونية فيديو لسيدة
المطار -كما أُطلق عليها- تضرب
ضابط شرطة على وجهه، وتكيل له سيلا من قواميس الإهانات و(الشرشحة) إن صح التعبير، لا تنم إلا عن بيئة استعلائية نمت فيها برعاية مجتمع لا يحترم سوى القوي أو صاحب السلطة والمال.
ما يثير الأمر ريبة هو هذا الهدوء المستفز والأدب الجم الذي هبط على ضابط المطار فجأة من السماء! وحالة الاستسلام التام أمام جبروت امرأة تُدعى ياسمين النرش نجلة ملياردير كبير يملك استثمارات ضخمة في مجال السياحة، حسبما قالت بنفسها إنها
سيدة مال وأعمال، وأفادت المعلومات والتقارير.
الأمر الذي يُظهر عن عمد نوعا من التعاطف والشفقة على الضابط المسكين! لنتساءل عمّن سمح بتصوير الفيديو أصلا الذي يخدش هيبة الدولة الأمنية العسكرية في مقتل في مطار العاصمة (واجهة البلاد وعنوان السيادة)، والمفترض أن يكون مُحاطا بأعلى درجات الأمن بما لا يترك شاردة ولا واردة إلا وقد قُتلت شكا وبحثا، ما يجعلنا نتشكك في القصة برمتها، والبحث والتعمق في ما وراء الصورة من منظور مختلف لا يخرج عن أحد وجهتي نظر.
أما وجهة النظر الأولى، فتعززها حالة الضابط الانهزامية والمستسلم تماما لما تفعله سيدة المطار قولا و فعلا، ولا ندري أهو من باب الأخلاق الحميدة والأدب الجم الذي يتمتع به الرجل وتعففه عن الرد على الإساءة بالإساءة؟! أم رضوخا لجبروت ونفوذ سيدة أعمال من صفوة المجتمع المتزوج بالسلطة في الحرام، لكنه زواجا صار على المكشوف في العلن، ودون خجل في دولة 3 يوليو؟!!.
أما وجهة النظر الأخرى، فتميل إلى كونها مجرد تمثيلية رخيصة ولعبة مكشوفة وتقليدية من تدبير الأمن، بغرض إبراز نوعا ما من مظلومية رجال
الشرطة (الشرفاء) الساهرين على راحة المواطن! في محاولة بائسة لتبييض وجه الأجهزة الأمنية الأسود المدنس بالعار والانتهاكات اليومية بحق الوطن والمواطن، خاصة في ظل الانقلاب العسكري، مع تزايد حملات الاعتقالات والقمع وانتهاك حرمات المنازل وحفلات التعذيب المستمرة إلى حد الموت في أقبية الشرطة وزنازين ومعسكرات النظام.
ومحاولة يائسة لتلميع صورة جهاز أمني لم تعد تجدي معه كل أنواع "الورنيش" أو الطلاء، ليكون الهدف النهائي هو الإلهاء عن الفشل المريع على كافة الأصعدة والمستويات، وغض الطرف عن جرائم السلطة.
وفي السياق ذاته الذي لا ينفصل بدوره عن الحالة العامة، تطاردنا صورة تعكس مدى التناقض الفج في التعامل مع المواطنين على أساس الهوية السياسية والاجتماعية، فنشاهد بأم أعيننا كيف يدوس أمين شرطة بقدمه على صدر مواطن بسيط لكونه مختلفا مع السلطة الحاكمة أو معارضا لها، وحيث لا ظهر له ولا سند من سلطة أو مال.
فكان حقا عليه التنكيل والإهانة والتعذيب والموت أيضا في مجتمع لا يحترم الضعفاء أصحاب الحق، بينما لا ينتفض أو يهتز له ضمير سوى لأصحاب المقام الرفيع، لا سيما إذا كانت سيدة في حملة السيسي كسيدة المطار حتى لو خلعت ملابسها قطعة قطعة، والويل والثبور وعظائم الأمور لسيدة محجبة تتفاخر بانتمائها الإسلامي، فمصيرها السحل والإساءة والاغتصاب وانتهاء بالقتل.
لا ننتظر خيرا من نظام مات أخلاقيا قبل سقوطه ميدانيا ومجتمع يتآمر على نفسه ويزدري ذاته المُكرّمة بالأساس، ولا يحترم سوى أصحاب السلطة والنفوذ، وربما تجار المخدرات والفنانين والفنانات ولاعبي كرة القدم، بينما يحتقر الشرفاء والمناضلين من أجل انتزاع حريته وكرامته التي دِيست بالبيادات العسكرية تحت وقع الجبن وحب الاستعباد، أو إيثارا للسلامة الوهمية، وأخشى ما أخشاه أن تقع فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.. في مرحلة صار فيه الجأر بالشكوى فقط والبكاء على حالنا من باب نواح النساء وعويلهن.