يعيش
حزب الاستقلال بالمغرب منذ أكثر من سنة على صفيح ساخن لم يستبعد معه البعض أن تكون مآلات تلك التطورات حدوث
انشقاق في أحد أقدم الأحزاب
المغربية وأكبرها.
وتفجرت الأزمة بعد الطعن القضائي في نتائج المؤتمر الأخير للحزب، إضافة إلى ما تم من "استوزار" لشخصيات من خارج الحزب باسمه، فضلا عن موضوع الانسحاب من الحكومة الحالية بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تموز/ يوليو الماضي، ثم طرد أحد الوزراء من الحزب، وأخيرا وقد لا تكون آخرا، ما تم الثلاثاء من استبعاد لـ31 قياديا من مجلسه الوطني بسبب ما اعتبره الممسكون بقيادة الحزب حاليا تجاوزات قانونية وتغيب متتال عن دورات المجلس الذي يعد بمثابة برلمان لحزب الراحل والزعيم المؤسس علال الفاسي.
وقد بلغ الخلاف ولعبة شد الحبل بين المجموعتين في حزب الاستقلال إلى حد قيام الأمين العام الحالي
حميد شباط - حسب معارضيه - باستبعاد كل من يعارضه أو يعبر عن مواقف أو قناعة تخالف قراراته واختياراته. وفي المقابل، اختار أكثر من 500 عضو وقيادي في الحزب أواخر الشهر الماضي تأسيس جمعية أسموها "
بلا هوادة"، كما توجهوا للقضاء للطعن في نتائج المؤتمر الأخير. وقد قبلت المحكمة الإدارية بالرباط مؤخرا مناقشة الدعوى الموضوعة تحت نظرها.
وتعليقا عن قرار استبعاد واحد وثلاثين قياديا بسبب "مخالفة القوانين الداخلية" للحزب، حسب بيان للقيادة الحالية عُمم على وسائل الإعلام، قال عبد الواحد الفاسي، القيادي الاستقلالي ورئيس جمعية "بلا هوادة" وأحد المبعدين، في تصريح لـ"عربي 21" إنهم تلقوا خبر إبعادهم من المجلس الوطني لحزب الاستقلال، كما يتلقون "أخبار الحُماق"، وأنهم غير مؤمنين أصلا بالقيادة الحالية المتخذة للقرار، وأن القرار باطل قانونيا لكون تغيبهم عن المجلس الوطني هو موقف سياسي وليس تهاونا، وهو ما يتنافي مع المقتضيات القانونية.
وأضاف الفاسي أن أعضاء "بلا هوادة" سيجتمعون الخميس ليقرروا الرد المناسب على ما اعتبره "حماقة" ارتكبت في حقهم. وتساءل عن سبب طرد عدد من الأعضاء غير المنتمين للمجلس الوطني أصلا ومنهم أخته، وذكر أن العديد من المبعدين لم يتغيبوا لثلاث دورات متتالية "حتى إذا أردنا أن نصدق الادعاءات القانونية.. فيما تبدو واضحة أنها تصفية حسابات".
وعن الوضع الذي يعيشه حزب الاستقلال، دعا محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، في حديث لـ"عربي 21" إلى ضرورة القطع مع مثل هذه التصرفات، لأن خطورتها تتجاوز حزب الاستقلال إلى تكريس العزوف السياسي وعدم الاهتمام بالانخراط في الأحزاب والشأن السياسي عموما.
كما أن ممارسات من باب طرد المخالفين من الأحزاب يكرس حسب زين الدين، ثقافة الخلاف لا الاختلاف، معتبرا إياها ظاهرة غير صحية، وقال بأن المطلوب هو قبول الرأي المخالف والمعارض لا مواجهته بالطرد لأنه الطرد يؤكد غياب الديمقراطية الداخلية كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الأحزاب.
من جهته وجه مولاي محمد الخليفة، القيادي البارز والوزير الأسبق عن حزب الاستقلال، مدفعيته الثقيلة تجاه حميد شباط وأتباعه، ليقول "إن المؤتمر الأخير الذي انتخب فيه شباط ولم أحضره كان عبارة عن سوق نخاسة تتجول فيه العصابات لفرض ما تريد" حسب وصفه. وأضاف الخليفة في اتصال لـ"عربي 21" أن "قوى الظلام تحركت وغيّرت قوانين الحزب لتنقض على قيادته، وهو ما فتح الباب على مصراعيه، حتى أصبح الحزب يحضن بين جناحيه الانتهازيين والمفسدين والمخربين والأعداء".
وتابع المحامي والنقيب الأسبق، تعليقا على قرار إبعاده وثلاثين قياديا آخر من المجلس الوطني لحزب الاستقلال، بالقول إن مشكلة الحزب تعود لسنة 2002 عندما "قبل الحزب بالإهانة من خلال استوزار أشخاص لا علاقة لهم به باسمه، ومن خلال قبوله إهانة احتضان أعدائه الذين تقلبوا في الأحزاب الإدارية كذباب المزابل وأقحموا داخل الحزب للهيمنة عليه" حسب تعبيره.
يذكر أن القيادة الحالية لحزب الاستقلال قررت الثلاثاء إبعاد العديد من قيادييه المنتمين لجمعية "بلا هوادة" المناوئة لسياسة حميد شباط. وقد أرجع بيان قيادة الاستقلال في البيان المشار إليه قرار إبعاد ما يقارب 40 قياديا خلال سنة إلى "اختيار مجموعة من أعضاء المجلس الوطني للحزب تبخيس عمل مؤسسات الحزب، والعمل خارج هياكلها"، وفق تعبير البيان.