صحافة عربية

كيف سخرت الصهيونية اللغة لتجريد الفلسطينيين من حقهم منذ نشوئها؟

أشار المقال إلى أن كل المشاريع الاستعمارية قامت على انحرافات في اللغة- الأناضول
نشر موقع "ذي نيشين" مقالا للروائية الفلسطينية إيزابيلا حماد والمؤرخة الفلسطينية سحر الهنيدي، تناولتا فيه "استخدامات اللغة وإساءة استخدامها في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين".

وقالتا في المقال الذي ترجمته"عربي21"؛ إن "إسرائيل وحلفاءها شكلوا قصدا لغة لا لتبرير أفعالهم فقط، ولكن لإقناع دافعي الضرائب العاديين في بلدهم والخارج بصحة موقفهم الأخلاقي. فكل المشاريع الاستعمارية قامت على انحرافات في اللغة، من التوسع الأمريكي في الغرب المتوحش إلى الاستعمار الأوروبي للأفارقة الذين تم وصفهم بالمتوحشين، حيث قامت وعن قصد بتشكيل استعارات مضت جنبا إلى جنب لتأكيد الهيمنة على سكان أجانب وسرقة الأراضي والمصادر".

وأضافت الكاتبتان، أن القوى الاستعمارية والإمبريالية الحديثة استخدمتا لغة كهذه ليس لتبرير مشاريعها، ولكن لإقناع دافعي الضرائب العاديين بصحة موقفها الأخلاقي. وأطلق وولتر ليبمان وبعد نعوم تشومسكي على هذا "تصنيع الموافقة"، مع أن شركات العلاقات العامة تستخدم عبارة ألطف  وهي "هندسة الموافقة". وحتى عقد الستينيات من القرن العشرين والموجة الأولى لحركات الاستقلال ضد الاستعمار، لم يشعر الصهاينة بالخجل لوصف مشروعهم الاستعماري.

ومنذ إنشاء الحركة الصهيونية بهدف إقامة وطن لليهود، عام 1897، فقد ضمت "نقابة الاستعمار اليهودي" و"جمعية استعمار أرض إسرائيل" و"جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين" و"صندوق الاستعمار اليهودي"، وفقا للمقال.

وذكر المقال أنه اليوم، يعد الصهاينة الذين يقاومون وصف إسرائيل بدولة الاستيطان الاستعماري، أن هذا أمر "معقد"، ولكنهم لم يروا حرجا وقبل نشوء إسرائيل عام 1948 وتشريد 750.000 فلسطيني في استحضار "استعمار" و"استعماري"، حيث كانا مصطلحي توافق، استخدمتهما الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا لوصف الاستيطان والسيطرة على المناطق الأجنبية. وكانا مصطلحين استخدمهما الصهاينة لوصف مشروعهم.


وعلى خلاف الأشكال الأخرى من الاستعمار التي تعتمد على العمالة لاستغلال الأراضي، فالمشروع الاستيطاني الاستعماري يريد الأرض دون سكانها الموجودين عليها. وبعبارات المؤرخ الأسترالي، فالاستعمار الاستيطاني "يدمر ليحل محل". وفي الرد على الإطار الاستعماري، يتم استحضار السكان الأصليين وأن اليهود كانوا موجودين في فلسطين، ولكن هناك فرق بين الإقامة والملكية وبالتأكيد الهيمنة، وفقا لتعبير المقال.

وشددت الكاتبتان على أن المدافعين عن مشروع دولة الاحتلال، ينظرون له على أنه قام بدون دولة مستعمرة، مثل استعمار بريطانيا لكينيا أو فرنسا للجزائر. وهذا كلام محل اختلاف؛ لأن الدعم الأولي لطموحات الصهيونية جاء أولا من الإمبراطورية البريطانية، التي التزمت بدعم الاستيطان الصهيوني في 1917 وتخلت عن فلسطين الانتدابية عام 1948 للوطن اليهودي. ومنذ ذلك الوقت وبحسب أرقام وكالة المساعدات الأمريكية، وصل الدعم الأمريكي 260 مليار دولار، بأخذ معدلات التضخم ودون حسبة 14.3 مليار دولار، تعهد بها جو بايدن في تشرين الثاني /نوفمبر.

كما تدعم الولايات المتحدة النظام الصحي المجاني في إسرائيل. والولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي تعني فيه الدعوة لوقف إطلاق النار خسارة الوظيفة، كما حصل مع محرر مجلة "أرتفورام" ديفيد فلاسكو، أو توجه إليك تهمة معاداة للسامية أو تتهم بالإرهاب والتعاطف معه. وأصبح شعار "أوقفوا الإبادة" جريمة في برلين. وعندما تحدث بول بريستو المساعد الوزاري البريطاني عن وقف إطلاق النار، طرد من وظيفته، وكذا تعرض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش لهجمات مبعوث إسرائيل جلعاد إردان لمطالبته بنفس الأمر. وتترجم كلمة انتفاضة التي ظهرت في 1987 إلى "إبادة اليهود"، وبعد فشلها في شجب استخدام الكلمة، أجبرت مديرة جامعة بنسلفانيا ليز ماغيل على الاستقالة، في وقت تجري فيه إبادة في غزة حسب خبراء الهولوكوست والإبادة.

وأشار المقال إلى أن ربط كلمة "وقف إطلاق النار" بـ "الإرهاب" يعتبر جزءا من الهجوم على اللغة بشكل يترك تداعيات على الجميع، ويعد حربا ضد الفلسطينيين وخارج فلسطين التاريخية.
وقال؛ إنه في فترة مبكرة، وصف الخيال الصهيوني فلسطين بالأرض الفارغة، التي تنتظر "الرواد" لـ "تجفيف المستنقعات" وتحويل الصحراء لأرض مزدهرة. ومثل الاستعماريين الأوروبيين، وصف الصهاينة الفلسطينيين بالكسل والبدائية وعدم الصدق. واستعادوا عبارات مشحونة باللغة التوراتية، من مثل "استرداد" و"استعادة الأرض"، بشكل ردد خطاب المستوطنين الأمريكيين القائم على المصير والحقوق التي منحها الله لهم. وتجاهل وعد بلفور الغالبية الفلسطينية ووصفها بالمجتمعات غير اليهودية.  وكان أول هجوم على السكان وتجاهل تعريفهم كسكان مستقلين على أرضهم، ولكن بكونهم "غير يهود".

وفي مرحلة لاحقة، استخدمت الصهيونية مصطلحات قانونية ودينية لكي تبرر وجودها في فلسطين، مثل تجميع المنفيين وقانون حق العودة. واعتبر طرد وتشريد الفلسطينيين "تحريرا". ووصفت لورين غوينو في كتابها من يهوة لصهيون" الفلسطينيين المشردين بأنهم "أعضاء في جماعة عدوانية مهزومة في حرب من صنع يدها"، وتحولت الأرض المحتلة إلى "أرض متنازع عليها"، وأصبح اللاجئون "مشكلة سكانية" بل "تهديدا" و"متسللين" لو حاولوا العودة إلى أراضيهم التي طردوا منها، وفقا لما أورده المقال.

وأشارت كاتبتا المقال إلى أنه منذ 1897 وبداية الأربعينيات، أكد قادة الصهيونية وفي أول مؤتمر لهم ببال، أن الهدف ليس دولة يهودية ولكن ملجأ، ومع الحرب العالمية الثانية الهولوكوست وتحول مركز الجاذبية من بريطانيا إلى أمريكا، بدأت فكرة الدولة اليهودية بالتمظهر، وبمؤتمر بالتيمور. وفي 1944 سأل نائب الرئيس هاري ترومان، حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية في حينه إن كانت الدولة ستكون دينية. ورد وايزمان الذي أصبح رئيسا فيما بعد بالسلب.

وبحسب المقال، فقد كان ترومان واضحا في معارضته لدولة تقوم على العرق والدين "سواء يهودية أو كاثوليكية". وعارضت اللجنة اليهودية الفكرة، "من غير المحبذ الدعوة لدولة يهودية في فلسطين". ورغم شكوك ترومان، فقد حولت أمريكا وجود إسرائيل إلى منفعة اقتصادية وإقليمية لها، وحتى عندما كانت علاقة الراعي - الوكيل صعبة في البداية. وفي 1956 وبعدما، غزت إسرائيل مصر وقطاع غزة، ووضعت أمريكا إسرائيل في مكانها وهددت بوقف كل الدعم واحتمال طردها من المنظمات الدولية والعقوبات. وكتب أبا إيبان، ممثل إسرائيل في مذكراته البحث عن "صيغة" "تساعدنا على إرضاء رغبة الولايات المتحدة، وتفتح لنا الباب لمتابعة كفاحنا من أجل تحقيق أهداف الحرب".

ولم يدخل "حق إسرائيل بالوجود" في الخطاب الصهيوني إلا بعد حرب 1967 ووصول مناحيم بيغن لاحقا للسلطة في 1977، حيث قال للكنيست: "أرغب بالإعلان أن حكومة إسرائيل لن تطلب من أي دولة، قريبة أم بعيدة، عظيمة أم صغيرة الاعتراف بحقنا بالوجود". وأصبحت العبارة متداولة؛ لدرجة أن حق "إسرائيل" بالوجود أصبح عقبة أمام الخطاب الدبلوماسي والسياسي. وربطت ولاية "ساكسوني- انهالت" في ألمانيا، الجنسية بالاعتراف بحق "إسرائيل" بالوجود. ويناقش البوندستاغ تعميم الأمر على بقية البلاد، وفقا للمقال.

وذكرت الكاتبتان أن هذا التحول التاريخي في الخطاب حرف الاهتمام الدولي عن ملايين الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال في القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة والسوريين في الجولان المحتل، وزاد من تأكيد الهولوكوست. وكما لاحظت جاكلين روز في "مسألة صهيون"، فلم يتم استحضار الهولوكوست إلا نادرا في خطاب الدولة الإسرائيلية قبل 1967. وكانت الخطوة الثانية هي تأطير أي مواجهة لـ "إسرائيل" باعتبارها إرهابا، السلمي أو المواجهات بين المدنيين والجيش الإسرائيلي أو حركة المقاطعة.

وزاد الخلط بين المقاومة والإرهاب، وفقا للمقال، بعد اتفاقيات "أوسلو" حيث زاد الاستيطان على الأراضي المفترض أنها مخصصة للدولة الفلسطينية. وبعد 9/11 صورت إسرائيل قمعها للفلسطينيين بأنه مساهم في الحرب ضد الإرهاب.  وفي أثناء غزو العراق أصبحت "الحرية " و"الإرهاب" مصطلحات متناقضة لعملية إدارة العلاقات العامة الأمريكية.

وبعد عشرين عاما، صورت "إسرائيل" المقاومة الفلسطينية المسلحة بأنها مثل القاعدة وتنظيم الدولة، وأطلقت على جدار الفصل العنصري "الجدار الأمني" وسكان المستوطنات "سكان" وليسوا مستوطنين. وأصدر قسم التعليم في الوكالة اليهودية "دليل هسبارا" يعطي الطلاب إرشادات للدفاع عن إسرائيل في الجامعات الأمريكية. وتعني كلمة هسبارا بالعبرية "توضيحا"، ولكنها بالضرورة مشروع علاقات عالمي للدفاع عن إسرائيل. وأرشد الدليل الطلاب على إخفاء الحقائق من خلال الانطباع بأن النقاش حقيقي، فمن ناحية من السهل جعل الناشطين الفلسطينيين في موضع الدفاع عن فساد عرفات أكثر من الحديث عن قتل أرييل شارون الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.

وكذا أصبح وصف "إسرائيل بدولة الفصل العنصري، بالنسبة للمدافعين عن إسرائيل "مثيرا للجدل" و"مختلفا عليه"، ويتهم من يستخدمها أحيانا بمعاداة السامية. وأشارت الكاتبتان إلى أنه رغم رفض الخلط بين اليهودية والصهيونية، إلا أن دعم الفلسطينيين وحقوقهم أصبح تهمة ومعاداة للسامية. ومع ذلك، لم يقل أحد شيئا عندما قالت غولدا مائير في 1969: "لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيون"، أو عندما قال بيغن في 1982؛ إن الفلسطينيين هم "حيوانات يمشون على رجلين"، وبعد عام قال رئيس هيئة الأركان المشتركة رفائيل إيتان؛ إن الفلسطينيين هم "صراصير مخدرة في زجاجة"، وفي عام 2001 قال الرئيس موشي كاتساف؛ إن الفلسطينيين "هم شعب لا ينتمون لقارتنا ولا لعالمنا، بل في الحقيقة لكوكب مختلف". 

وشدد المقال على أن اللغة التي تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم تمظهرت في الحرب الأخيرة، حيث اعتبر وزير الحرب بيني غانتس أن كل صحفي كان موجودا في أثناء الهجوم هو إرهابي، وقتلت "إسرائيل" أكثر من 90 صحفيا منذ بداية الحرب. وعانى الفلسطينيون في داخل "إسرائيل" من القمع وتضييق حرية التعبير. وفي حرب غزة الأخيرة، هناك الكثير من أمثلة التضليل الإعلامي، وبخاصة في الحملة ضد المستشفيات التي اتهمتها "إسرائيل" بأنها مركز قيادة وتحكم حماس بدون أدلة. ونسبت للناشطة عهد التميمي الكثير من المنشورات على الإنترنت، وقد اعتقلت وأفرج عنها لاحقا.

وأضاف أنه في عام 1923 كتب زئيف جابوتنسكي، زعيم الصهيونية التصحيحية وزعيم المنظمة شبه العسكرية إرغون مقال "الستار الحديدي": "قد نخبرهم بكل ما نريد عن براءة أهدافنا ونرويها ونحليها بالكلمات المعسولة لنجعلها مستساغة، لكنهم يعرفون ما نريد ونعرف ما لا يريدون". وعرف الفلسطينيون أن الصهاينة طمعوا في كل فلسطين دون سكانها، واعتقدوا أنه "لا مكان للشعبين معا في هذا البلد"، كما كتب يوسف ويتز، مدير دائرة الاستعمار في الوكالة اليهودية عام 1948: و"ليس هنا أي طريق غير تهجير العرب من هنا للدول الجارة، وتهجيرهم جميعا، ويجب عدم ترك قرية أو قبيلة".