نقل
تقرير لصحيفة نيويورك تايمز عن "مطلعين" سوريين وإيرانيين على عملية طوفان الأقصى قولهم إن حركة
حماس تلقت مساعدة من
إيران وحزب الله في تنفيذ العملية. واعتبر التقرير حصول زيارات ولقاءات بين حماس من جهة ومسؤولي الحزب وإيرانيين من جهة أخرى، دليلا على هذه المساعدة، ولكنه يؤكد في نفس الوقت أن استخبارات الولايات المتحدة وإسرائيل رفضت ربط إيران وحلفائها بالعملية مباشرة.
وحلل التقرير عدة خطابات ورسائل معلنة أو حصل عليها من مصادر، وقال إنها قد تشير إلى وجود دور إيراني في العملية، ولكنها لا تؤكد ذلك بشكل حتمي.
وفي ما يأتي النص الكامل للتقرير الذي أعده فارناز فاسيحي و رونين بيرغمان، وترجمته "عربي21":
يقول مطلعون على العملية التي قامت بها حماس إن المسؤولين في إيران وحزب الله ساعدوا في التخطيط للهجوم، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يجدوا دليلاً يربط طهران مباشرة بالعملية
بعد هجوم حماس في عطلة نهاية الأسبوع الماضي على
إسرائيل. وتم تسليط الضوء من جديد على العلاقة القائمة منذ وقت طويل بين الجماعة الفلسطينية المسلحة وإيران، وأثيرت أسئلة حول ما إذا كانت الجماعة التي تتخذ من
غزة مقراً لها قد تمكنت منفردة من تنفيذ مثل هذه العملية المعقدة والمدمرة.
إن لإيران تاريخا طويلا من تدريب وتسليح المليشيات المسلحة الوكيلة عنها في المنطقة، من غزة إلى لبنان والعراق وسوريا. وهي تدعم حماس عسكرياً وساعدتها على تصميم وإنتاج الصواريخ المحلية ومنظومة صواريخ تتناسب مع القدرات والمواد المتوفرة في غزة – وهي عبارة عن قطاع ساحلي ذي كثافة سكانية عالية جداً يعيش أهله في حالة من الفقر المدقع، ويخضع لحصار تفرضه عليه كل من إسرائيل ومصر منذ ستة عشر عاماً.
ظهرت مؤشرات على مدى السنوات القليلة الماضية بما يفيد بأن إيران ووكلاءها يعدون لاتخاذ نهج أكثر جرأة وشراسة تجاه إسرائيل.
يقال إن الجنرال إسماعيل غني، والذي يتولى الإشراف على شبكة المليشيات الوكيلة عن إيران، بوصفه رئيس فيلق القدس المسلح في بلاده، سافر إلى لبنان مراراً وتكراراً في مهمات سرية التقى خلالها مع قادة حماس وقادة
حزب الله، المليشيا الشيعية اللبنانية التي تدعمها إيران أيضاً.
خلال العام المنصرم، عمل السيد غني في التنسيق بين وكلاء إيران جميعاً وفي توحيدهم، وذلك طبقاً لتصريحات معلنة صادرة عن محللين إيرانيين وعن خمسة إيرانيين لديهم اطلاع على المهام التي يقوم به الحرس الثوري الإيراني.
وكان حسن نصر الله، زعيم حزب الله، قد عقد اجتماعاً عبر الأونلاين في شهر مارس (آذار) مع مجموعة نخبوية من الاستراتيجيين من جميع الميليشيات التي تدعمها إيران وقال لهم إن عليهم أن يستعدوا لحرب مع إسرائيل طويلة المدى – تشمل الغزو البري – من شأنها أن تمثل بداية لعهد جديد، وذلك بحسب ما صرح به شخصان شاركا في اللقاء، أحدهما من إيران والآخر من سوريا. وتحدث هذان المشاركان شريطة عدم الإفصاح عن هويتيهما لأنهما لم يخولا بالدخول في مناقشة على الملأ حول ما دار في الاجتماع.
ثمة تقارير متضاربة حول ما إذا كانت تلك النشاطات قد قادت تحديداً نحو هجوم الأسبوع الماضي الذي نفذته "حماس"، وأفضى إلى موت 1200 إسرائيلي وإلى تحطيم ثقة البلد بالأمن.
بعض من لديهم اطلاع على العملية قالوا إن دائرة ضيقة من القادة من إيران وحزب الله وحماس ساعدت في التخطيط للهجوم قبل ما يزيد عن سنة، حيث دربت المسلحين وكان لديها معلومات مسبقة عن العملية. يعتمد هذا التقرير على مقابلات أجريت مع ثلاثة إيرانيين ينتمون إلى الحرس الثوري، وإيراني واحد يرتبط بالقيادة العليا، وشخص سوري على ارتباط بحزب الله.
وهناك آخرون يقولون إنهم يعتقدون بأن إيران لديها بعض المشاركة، ولكنها ليست بذلك العمق. يقول علي بركة، أحد كبار المسؤولين في حماس، والذي يتخذ من بيروت مقرا له: "كان التنفيذ كله من قبل حماس، ولكننا لا ننكر مساعدة إيران ودعمها".
إلا أن القائد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي نفى علانية أن تكون بلاده قد لعبت أي دور، على الرغم من أنه هو وغيره من الزعماء الإيرانيين أشادوا بالمذبحة، حيث قال السيد خامنئي في أول خطاب متلفز له هذا الأسبوع منذ الهجوم: "نقبل جباه وأذرع المصممين الدهاة والأذكياء." وأضاف: "إن الذين يقولون إن الملحمة البطولية الأخيرة هي من إنجاز غير الفلسطينيين فإن حساباته مغلوطة".
قالت الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهما الأهم في المنطقة إنهم لم يجدوا دليلاً على ما تم جمعه من معلومات استخباراتية في المرحلة المبكرة يثبت أن إيران ساعدت في تخطيط الهجوم. قامت الولايات المتحدة حتى الآن بجمع معلومات استخباراتية من مصادر متعددة تثبت أن القادة الإيرانيين المهمين فوجئوا به، وذلك طبقاً لما صرح به العديد من المسؤولين الأمريكيين، بما في ذلك الأشخاص الذين عادة ما يكون لديهم اطلاع جيد على العمليات التي لفيلق القدس علاقة بها.
كما أن إسرائيل عكفت على التدقيق فيما كانت تعلمه. قال نير دينار، وهو ناطق باسم الجيش الإسرائيلي: "لا توجد لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أي معلومات تثبت بأن إيران بادرت أو شاركت أو ساعدت بشكل مباشر في الهجوم المريع. ولكن من ناحية أخرى، إن من السذاجة أن يظن المرء أن من في طهران صحوا صباح السبت وفوجئوا بسماع أخبار ما حدث."
قد يستغرق الأمر شهوراً أو سنين لمعرفة تفاصيل ما تم من تخطيط للهجوم، وكذلك لماذا فات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المتقدمة جداً توقع ما حدث. بعض الأطراف قد تكون لديها دوافع لنشر المعلومات المضللة أو التأكيد على جوانب مختلفة من الرواية، وقد يسعى البعض إلى توسيع رقعة الحرب بينما يحاول آخرون الحيلولة دون ذلك.
يقول آفشون أوستوفار، الخبير في شؤون إيران العسكرية وفي وكلائها ويعمل أستاذاً مساعداً في كلية البحرية للدراسات العليا: "من الواضح أننا لا نعرف ما الذي كان يجري من وراء الكواليس، فذلك سيظل معلومات سرية لا يطلع عليها إلا الخواص، ويراد لها أن تظل سراً." وأضاف إن من الممكن افتراض وجود "مستوى ما من التنسيق" لأن إيران ولبنان ما كانتا لترغبا في أن يأخذهما الهجوم على حين غرة.
طبقاً لمسؤولين في الجيش الإسرائيلي، أقر مسلحو حماس الذين تم أسرهم والتحقيق معهم من قبل إسرائيل بأنهم تدربوا على العملية الأخيرة على مدى عام كامل. وفي خطاب متلفز له، قال أبو عبيدة، الناطق باسم حماس في قطاع غزة، إن المجموعة نظمت كتيبة من ثلاثة آلاف شخص للهجوم وأعدت ألفاً وخمسمائة آخرين ليكونوا مقاتلين احتياط. قالت إسرائيل يوم الخميس إنها قتلت ما يقرب من 1600 من أولئك المهاجمين.
في مقابلة معه، قال السيد بركة، مسؤول حماس في بيروت، إن خطط الهجوم ظلت قيد الكتمان وضمن دائرة ضيقة جداً لدرجة أنه هو لم يعرف عن الهجوم إلا بعد أن بدأت تصله سلسلة من الرسائل النصية في وقت مبكر من صباح يوم السبت.
ومع ذلك فقد جرت تدريبات في لبنان وسوريا، وتشكل مركز قيادة مشتركة في بيروت، بحسب معلومات صرح بها الإيرانيون والسوري ممن لهم اطلاع على العملية.
وبحسب ما قاله اثنان من الإيرانيين تلقى أعضاء حماس تدريبات في سوريا ولبنان على أيدي كبار العسكريين في حزب الله، ممن لهم تجربة في حرب العصابات. وقالوا إن المظليين دربوا في لبنان، بينما في سوريا تلقى أعضاء حماس تدريباً على مداهمة التجمعات السكنية الإسرائيلية وعلى أسر المدنيين.
وكان حزب الله من قبل قد ساعد في تدريب ميليشيات أخرى تساندها إيران داخل المنطقة، مثل الحوثيين في اليمن. كما نشرت الجماعة اللبنانية مقاتلين في سوريا أثناء الحرب هناك، حيث تدربوا وقاتلوا جنباً إلى جنب مع الجيش السوري.
على مدى الشهور الستة الماضية، قام حزب الله باستفزازات كان الغرض منها تضليل وتشتيت انتباه الإسرائيليين على امتداد الحدود الشمالية مع لبنان وفي سوريا، لخلق انطباع بأن التهديد الحقيقي يحدق بإسرائيل من تلك المناطق، وذلك بحسب ما صرح به شخصان إيرانيان أدليا بإفادات.
وأكد ضابط استخبارات إسرائيلي بأن مئات المقاتلين الفلسطينيين من حماس وغيرها من المجموعات، وربما كان العدد أكبر من ذلك، تم تدريبهم في معسكرات لحزب الله داخل سوريا ولبنان خلال السنين الماضية. ولكنه قال إنهم، حتى لو تلقوا تدريبات على مهارات استخدمت في الهجوم الأخير، فهذا لا يعني أن الإيرانيين كانوا يعرفون كيف ومتى سوف يستخدمون ذلك التدريب.
قال أحد الإيرانيين في إفادة أدلى بها حول العملية إنه قبل أربعة أيام من الهجوم، قام قادة حماس الميدانيين بجمع وعزل جميع من شاركوا في الهجوم، وصودرت منهم أجهزتهم الإلكترونية وانقطعت صلتهم تماماً بالعالم الخارجي، وهو الأمر الذي قد يفسر لماذا عميت إسرائيل عن رؤية ما يجري. وفي السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وقبل عدة ساعات من انطلاق العملية، كما قال هذا الشخص، أخبر قادة حماس الميدانيين العناصر المهاجمة بأنهم لسوف يغزون إسرائيل في قوارب سريعة ومظلات مروحية وعبر البر من خلال اقتحام سياج الأسلاك الشائكة على امتداد الحدود مع غزة باستخدام الجرارات.
لم يتسن التأكد من مدى صحة الكلام الوارد أعلاه حول كيف تم شن الهجوم.
ولكن من خلال نظرة خلفية، فإن بعض المؤشرات التي فاتت على إسرائيل ربما باتت الآن أكثر وضوحاً.
ففي شهر سبتمبر (أيلول) أخبر مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية صحيفة ذي نيويورك تايمز بأن لديهم معلومات تفيد بأن السيد خامنئي، القائد الأعلى في إيران، أمر بشن حملة واسعة ضد إسرائيل بما في ذلك استهداف مواطنيها في الخارج والقيام بعمليات تخريب داخل حدودها، وتهريب أسلحة متقدمة إلى الفلسطينيين من أجل إشعال فتيل حرب أهلية في الضفة الغربية.
كان يقصد من ذلك الانتقام من عمليات حرب الظل التي تشنها إسرائيل داخل إيران، كما قالوا.
لم يكن ذلك هو الحديث الوحيد حول القيام بعمل على نطاق واسع. ففي مختلف اللقاءات التي شاركت فيها مليشيات وكيلة لإيران، قال العديد من الحضور إن القادة كان يؤكدون دوماً على أنه حان الوقت لاستغلال الانقسامات الداخلية الهائجة في إسرائيل حول الإصلاحات القضائية التي يدفع باتجاهها الائتلاف اليميني المتطرف بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
في الاجتماع الذي عقده السيد نصر الله في مارس (آذار)، قال للمتشددين بأن عليهم أن يستعدوا لحرب على مستوى من شأنه أن يشكل نقطة تحول في الصراع العربي الإسرائيلي المستمر منذ عقود (مع أنه من غير الواضح ما إذا كان في باله آنذاك الهجوم الذي شُن في الأسبوع الماضي).
ومثل ذلك، في تسجيل صوتي راجعته ذي نيويورك تايمز لحوار جرى في شهر إبريل (نيسان) بين أعضاء من الحرس الثوري بما في ذلك أولئك الذين لهم علاقة بالتنظيمات الوكيلة في المنطقة، قال أحد المتحدثين: "الرسالة التي توجهها إيران هذه الأيام إلى المقاومة مفادها أننا نستعرض في مناورات عسكرية لنجعل النظام الصهيوني يفهم أنه محاط به من كل جانب."
وحتى قبل هجوم حماس، قال بعض ضباط المخابرات الإسرائيلية، بالنظر إلى الوراء، إنهم نادمون على تأييدهم لعمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في إيران ولعمليات التخريب التي نفذت في مرافقها النووية والعسكرية، لأن هذه الأفعال لم تشكل رادعاً مهماً سواء لبرنامج إيران النووي أو لنشاطاتها الإقليمية. وقال أحد المسؤولين إن تلك العمليات في الواقع وضعت كلاً من إيران وإسرائيل على مسار المواجهة المباشرة.
قبل ثلاثة أيام من شن حماس هجومها على الجنوب الإسرائيلي، نشر حساب السيد خامنئي الرسمي باللغة الفارسية رسالة نشرت عبر موقع إكس، الذي كان يعرف سابقاً باسم تويتر، قال فيها: "لسوف تزول إسرائيل."
بكل تأكيد كان الذين خططوا للهجوم على إسرائيل يعلمون أنه يخاطر بإشعال حرب إقليمية واسعة النطاق. ولكن الأطراف كانت كلها ومنذ زمن طويل تريد الانتقام لعدد من المظالم المتراكمة – من الضربات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة وسوريا، إلى الحصار المفروض على غزة، إلى الحرب السرية ضد إيران – في خضم عزم جماعي متواصل منذ زمن طويل على تدمير إسرائيل.
ولعلهم يرجون التمكن من إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات كبيرة، مثل رفع الحصار أو منع القوات الإسرائيلية من دخول المسجد الأقصى في البلدة القديمة من القدس – وهو واحد من أقدس الأماكن لدى المسلمين.
يذكر أن حماس أطلقت على عمليتها التي شنتها على إسرائيل اسم "طوفان الأقصى".