باستثناء بعض الأنشطة المحدودة من مثل لقاء بعض شيوخ وأعيان قبائل "برقة"، والمؤتمر الصحفي للمؤسسة الليبية للاستثمار بمناسبة حصر موجودات المؤسسة، لم نسمع أو نرى لرئيس الحكومة أعمالا تتعلق بصلب المهمة المنوطة بحكومته، ولعل سؤال الميزانية حاكم بعد تحفظ البرلمان عليها، لتصبح يدا رئيس الحكومة مغلولتين إلى عنقه قسرا.
ومع إقرارنا بأن مشروع الميزانية الذي قدمه رئيس الحكومة غير مقبول، إلا إنه من الواضح أن لرئيس البرلمان ومناصريه مصلحة في عرقلة اعتماد الميزانية. فقد أطلت الخلافات برقابها من جديد، والتدافع على أشده في ما يتعلق بترتيب الوضع السياسي والمالي بشكل يضمن تحكم "طبرق" و"الرجمة" في ركيزتي إدارة الشأن العام، وهما القرار السياسي والقرار المالي.
الربط بين اعتماد الميزانية والمناصب السيادية ليس موقفا لصاحب "الطلاق المغلظ"، بل هو توجه يرتضيه عقيلة الذي يساوم على منصبه، وعلى ملفات أخرى مهمة، سواء تم السير حثيثا إلى الانتخابات، أو دخلنا في ما يشبه مرحلة حكومة الوفاق الوطني التي كان من المقرر أن تستمر سنتين فطال بقاؤها لست سنوات.
طالب المجلس الأعلى للدولة بأن يسبق التوافق على المناصب السيادية استكمال مقررات ملتقى الحوار السياسي في مسألة اقتسام المناصب الثلاثة العليا، بحيث تؤول رئاسة البرلمان إلى الجنوب، وهي صحوة متأخرة للاستدراك على مقاربة بوزنيقة المتعلقة باقتسام المناصب السيادية الثمانية، وذلك بعد الضغوط التي تعرضها لها مجلس الدولة من المجموع العام المكون للجبهة التي صدت عدوان
حفتر على العاصمة، وتطالب بتسوية سياسية تأخذ في الحسبان نتائج العدوان.
رئيس الحكومة اختار مسار البرلمان لاعتماد حكومته والمصادقة على الميزانية، وقد أراد له كثيرون أن يسلك سبيل ملتقى الحوار السياسي ليتفادى الضغوط والمساومات. فهناك من يربط بين
أزمة العلاقة مع تركيا وموقف وزيرة الخارجية منها وبين مماطلة البرلمان برئاسة عقيلة. وحتى مع عدم صحة هذا الادعاء، فإن أزمة تلوح في الأفق حركها نهج الوزيرة في إدارة هذا الملف المعقد، وفي حال الفشل في احتواء هذه الأزمة فإنها ستكون الخيط الذي يجر الحكومة إلى بؤرة التأزيم.
فالتوتر هو سيد الموقف داخل مكونات جبهة الصمود أمام العدوان على طرابلس من جهة ما وقع بخصوص الوجود التركي في
ليبيا، وقد يندفع بعض هذه المكونات في ممارسة ضغوط لتغيير موقف الوزيرة أو حتى إقالتها، وهذا سيجعل
الجبهة الغربية معرقلة في نظر الداخل والخارج، بعد أن كان حفتر هو
المعترض والمتمرد.
السيد دبيبة يواجه تحديات من الجبهة الشرقية، ويبدو أنه سيكون أمام ضغوط كبيرة من الجبهة الغربية، وهذه بداية ليست موقفة، فهو في مواجهة اختبارات تتطلب حكمة عالية وحزما لا تردد معه، أزعم بأنهما ما يزالان غائبين حتى اللحظة.
عقيلة صالح وخليفة حفتر ليسا مهتمين كثيرا بالانتخابات، فكلاهما يواجه عقبات سياسية وقانونية تحول دون ترشحه، وبالتالي فإن من مصلحتهما عرقلة المسار حتى يتم فرض إرادتهما في ما يتعلق
بالقاعدة الدستورية وقانون الانتخابات، أو الاستمرار في
سلطة الأمر الواقع من خلال الدخول في مرحلة الشد والجذب والنزاع التي قد تطول لسنوات، إلى أن تحين فرصة الانقضاض.
مشكلة الحكومة أنها تخضع لرؤية ومقاربة البعثة والأطراف الدولية التي كان خيارها كارثيا منذ الصخيرات، والذي كان من نتائجه العدوان على العاصمة وما خلَّفه من عقبات يصعب تفكيكها. وعندما تكون الحكومة واثقة وبرؤية ملائمة لمواجهة تحديات الواقع وتتعامل بعقلية الفاعل وليس المفعول به؛ يمكن أن يتغير المشهد على الصعيدين الداخلي والخارجي، أما إذا استمر التردد فإن الواقع مرشح إلى أزمة هي الأكبر.