كتاب عربي 21

المقاومة الفلسطينية من النكبة إلى انطلاقة فتح: الإخوان الفلسطينيون ونشأة حركة فتح (6)

1300x600
أشرنا في المقال السابق إلى علاقة الإخوان المسلمين الفلسطينيين ببدايات فتح في الكويت وقطاع غزة. ونتابع في هذا المقال الإشارة إلى هذه العلاقة في بعض البلدان الأخرى:

مصر:

كما ذكرنا سابقاً، فإن بؤرة النقاش التي أدت لفكرة فتح، تركزت على ما يبدو وسط طلاب الإخوان في الجامعات المصرية، خصوصاً سنة 1956. ظهرت الدعوة لفتح في القاهرة سنة 1958 تقريباً، وقد حاول ياسر عرفات إقناع زميله عدنان النحوي، مسؤول الإخوان الفلسطينييين، بالانضمام لفتح، وضم من معه من الإخوان إليها، لكنه لم ينجح، غير أن فتح أخذت تنتشر في الوسط الإخواني بشكل فردي هادئ.

واختار رواد فتح الأوائل في القاهرة، على الأغلب، الاستمرار في عضوية الإخوان، في بدايات مشوارهم مع فتح، ومالوا إلى متابعة تجنيد من يمكن تجنيده من الإخوان، ثم انسحبوا لاحقاً بشكل هادئ. وكان من أبرز النماذج رياض الزعنون الذي كان مسؤولاً بارزاً في العمل الطلابي الإخواني في القطاع، وفي مراحل دراسته الأولى في القاهرة. وكان هناك عبد الله صيام، الذي كان من أبرز الناشطين العمل العسكري الإخواني الخاص إلى جانب خليل الوزير. وقد حاول صيام في أثناء إقامته في القاهرة أن يُجنّد أعضاء أسرته الإخوانية في فتح، وكان من بين أفراد الأسرة محمد صيام وعبد الرحمن بارود.

الضفة الغربية وشرق الأردن:

في الأردن، بما في ذلك الضفة الغربية (التي كان قد تم توحيدها مع شرق الأردن منذ سنة 1950)، مثَّل الإخوان حاضنة مهمة وأساسية لبدايات حركة فتح. وبحسب هاشم عزام، الذي كان من الإخوان الذين انتموا لفتح في أواخر الخمسينيات، فإن قادة الثورة (فتح) في الأردن "كلهم كانوا إخوان مسلمين في البداية".

ويظهر أن مخيم عقبة جبر قرب أريحا (حيث كان يقيم فيه نحو 70 ألف لاجئ) كان أحد أبرز محاضن بدايات فتح في الضفة الغربية. فقد كان من أوائل القادمين إليه (ممن أصبحوا من مؤسسي فتح) حمد العايدي (أبو سامي) الذي كان مساعداً لخليل الوزير في العمل العسكري الخاص للإخوان في القطاع، إذ هرب من القطاع سنة 1954. فقد تولى مسؤولية قسم الطلاب في شعبة الإخوان في المخيم؛ كما تولى أمانة سر الشعبة نفسها. واستقر في المخيم سنة 1957 عبد الفتاح حمود بعد تخرجه مهندساً للبترول من جامعة القاهرة، وكان نائباً لرئيس رابطة الطلبة الفلسطينيين (ياسر عرفات، ثم صلاح خلف)، وكان من نشطاء الإخوان البارزين. وقد استلم حمود رئاسة قسم الطلاب في عقبة جبر خلفاً للعايدي، وحقق قفزة نوعية في تنظيم الطلبة الإخوان، وفي الشعبة ككل. وبحسب هاشم عزام، فقد كانت بداية العمل مع فتح في سنة 1959، بناء على ترتيبات قام بها عبد الفتاح حمود.

وانتقل للإقامة في مخيم عقبة جبر محمد يوسف النجار، الذي كان من قادة النظام الخاص للإخوان في منطقة رفح، وكان من أطول القيادات المؤسسة لفتح إقامة في المخيم. وقد غادر للعمل في قطر سنة 1960.

وفي القدس كان من الإخوان القياديين الذين انضموا لفتح رمضان البنا، الذي كان سكرتيراً لكامل الشريف في المؤتمر الإسلامي في القدس. ومن القدس أيضاً زكريا قنيبي وموسى غوشة (شقيق إبراهيم غوشة).

وفي شرق الأردن في عمَّان، كان من رواد فتح من ذوي الخلفية الإخوانية محمد غنيم (أبو ماهر)، وعبد الله جبر، ومحمد أبو سردانة (وكان في التنظيم الخاص في قطاع غزة مساعداً لخيري الأغا).

وفي الأردن أيضاً، حافظ خليل الوزير على علاقته القوية بكامل الشريف، الذي كان قائداً لأبي جهاد ضمن التنظيم الخاص من مكان إقامته في العريش. وحسب الشريف نفسه، فمنذ تأسيس فتح كان أبو جهاد وعرفات كثيراً ما يرجعون إليه مستشيرين فيما يتعلق بالحركة. وعندما انعقد المؤتمر التأسيسي لفتح سنة 1962 أصرَّت قيادة فتح على حضور الشريف للمؤتمر، وقام خليل الوزير ورمضان البنا بأخذه إلى الكويت من لاجوس (عاصمة نيجيريا) حيث كان سفيراً للأردن هناك. ومن الطريف الإشارة إلى أن الشريف أعطى خليل الوزير وزوجته انتصار، سراً، بيته في عمَّان لقضاء شهر العسل.

وهناك شخصيتان قياديتان فتحاويتان (من أبناء الضفة الغربية) أشار يزيد صايغ إلى خلفية إخوانية لهما، دون أن تسعفنا المعلومات المتوفرة لدينا بتأكيد ذلك، هما ماجد أبو شرار وأحمد قريع.

قطر:

تمثل قطر حالة فريدة في البيئة الإخوانية التي تمكنت عناصر فتح فيها من التموضع القيادي في التنظيم، و"اقتناص" وتجنيد أفراد الإخوان فيها. فمن ناحية كان رفيق النتشة الذي وصل لقطر سنة 1958 مسؤولاً عن الإخوان القادمين من الأردن (شرق الأردن والضفة الغربية)؛ بينما كان محمد يوسف النجار الذي وصل لقطر سنة 1960 مسؤولاً عن الإخوان الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة. وسهَّل مهمتهما أن الإخوان المصريين (وكانوا أصحاب نفوذ خصوصاً في دائرة التعليم (المعارف)، التي أصبحت وزارة التربية لاحقاً) كانوا ينظرون بإيجابية لفتح وعناصرها القيادية، بل ويعتبرونها حركة "إخوانية".

وقد قوّى من وضع فتح في الوسط الإخواني في قطر قدوم أحمد رجب عبد المجيد الأسمر، وسعيد تيم، وكمال عدوان وعبد الفتاح حمود، وفتحي البلعاوي.

لبنان:

كانت جماعة عباد الرحمن تمثل الوجه المعلن للإخوان المسلمين في خمسينيات القرن العشرين، وكان توفيق راشد حوري، نائب الأمين العام لجمعية عباد الرحمن منذ الخمسينيات، واستمر في منصبه فترة طويلة. وكان لقادة فتح المؤسسين (خصوصاً خليل الزير وياسر عرفات) علاقة قوية بحوري؛ وهو الذي وفر لهم الغطاء لإصدار مجلة "فلسطيننا"، التي كانت أداة رئيسية لنشر فكر فتح، وهو الذي صاغ البيان الأول لانطلاقة حركة فتح. وهناك أيضاً العضو في جماعة عباد الرحمن هاني فاخورين الذي كان له دور أساس في ترتيبات جمع التبرعات وتحويل الدعم المالي لصالح حركة فتح.

وفي الوسط الفلسطيني في لبنان، كان محمد عبد الهادي (أبو الهيثم) من أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً قيادياً حركياً منذ الخمسينيات، فقد كان مسؤولاً في جماعة عباد الرحمن في مخيم عين الحلوة. وذكر عبد الهادي لكاتب هذه السطور بأن ياسر عرفات كان يحضر إلى صيدا، وينام في بيوت الإخوان، ومن بينهم أحمد الأطرش. وكان زياد الأطرش من أوائل شباب الإخوان الذين التزموا مع حركة فتح، واستشهد في التدريب خلال إحدى الدورات العسكرية. وقد عُيّن محمد عبد الهادي مسؤولاً إعلامياً في أول مكتب حركي لفتح تشكل في المنطقة؛ حيث عمل في مجال التعبئة.

سوريا:

وبحسب دراسة يزيد صايغ، فإن هاني الحسن ومحمود عباس كانا من بين كثيرين من الشبان الفلسطينيين الذين انضموا للإخوان المسلمين في سوريا في أوائل الخمسينيات. غير أن معظم مصادر الإخوان تنفي أو لا تشير إلى انضمام محمود عباس للإخوان، عدا مصدر واحد هو عبد الله أبو عزة، ولعل هذا الانتماء كان لفترة ضئيلة في أثناء إقامته في سوريا.

السعودية:

كان خليل الوزير من أوائل من ذهب للسعودية، ورتب لعدد من رفاقه العمل فيها منذ منتصف الخمسينيات؛ غير أن أبا جهاد لم يمكث فيها إلا قليلاً.

ومن أوائل من استقروا في السعودية ممن كان لهم دور تأسيسي في فتح، ومن ذوي الخلفية الإخوانية، سليمان أبو كرش (أبو خالد)، وسعيد المزين ( أبو هشام) المعروف بـ"فتى الثورة" وهو من أبرز شعراء الثورة الفلسطينية. وهناك أيضاً عبد الفتاح حمود وكمال عدوان اللذان عملا في المنطقة الشرقية قبل أن ينتقلا إلى قطر.