اقتصاد عربي

هل تمس السيادة المصرية؟.. امتيازات "مخيفة" للإمارات بعد صفقة رأس الحكمة

لا يزال الجدل حول مشروع رأس الحكمة قائما- الرئاسة المصرية
أثار منح مصر للإمارات ميناء ومطارا ومنطقة حرة في مشروع رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط عددا من التساؤلات بخصوص طبيعة العلاقة بين الدولتين وتأثير ذلك على السيادة الوطنية لمصر.

وتحظى هذه الخطوة بالترحيب في بعض الأوساط بسبب الفرص الاقتصادية التي قد تحققها لمصر، بينما تثير مخاوف في أوساط أخرى بشأن السيادة الوطنية والتبعات الجيوسياسية المحتملة.

ويتوقف الأمر على كيفية تنفيذ الاتفاق والآليات التي سيتم اتباعها لضمان استفادة مصر من هذه الشراكة دون المساس بسيادتها ومصالحها الوطنية.

وأعلنت الحكومة المصرية، موافقتها على إنشاء منطقة حرة خاصة، تحت اسم "شركة مشروع رأس الحكمة للتنمية العمرانية"، وميناء تخصصي سياحي دولي في مدينة رأس الحكمة شرقي مرسى مطروح.

كذلك، أعلنت الحكومة، عن تشكيل لجنة وزارية خاصة بمشروع تطوير وتنمية رأس الحكمة، لتيسير الإجراءات والتنسيق بين الجهات المعنية لتنفيذ المشروع تبلغ مساحته 170.8 مليون متر مربع (170 كم مربع).

في وقت سابق، أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، على وجود عدد من المواقع المقترحة لإنشاء مطار جديد من المقرر إقامته لخدمة مشروع مدينة رأس الحكمة، وذلك تمهيدا لاختيار أحد هذه المواقع للتنفيذ خلال الفترة المقبلة.

هذا المشروع يمنح دولة الإمارات مساحة ضخمة أكبر من مساحة العديد من الإمارات السبع خارج أراضيها.

تجدر الإشارة إلى أن إمارة دبي تعد الثانية في الإمارات السبع من حيث المساحة والتي تقدر بـ 4,114 كيلومترا مربعا فقط، والتي تشكل 5 في المئة من مساحة الدولة من دون الجزر.

وتستند هذه التساؤلات إلى عدة عوامل، منها:

حجم المشروع:
يُعد مشروع رأس الحكمة من أكبر المشاريع الاستثمارية في مصر، حيث يُغطي مساحة 20 ألف فدان، ويُتوقع أن يُقام عليه ميناء ومطار ومنطقة حرة، بالإضافة إلى فنادق ومراكز تجارية ومساكن.

الامتيازات المُمنوحة:
تمنح الاتفاقية الموقعة بين مصر والإمارات العربية المتحدة للمشروع امتيازات واسعة، مثل الإعفاء من بعض الضرائب والرسوم، والحصول على تراخيص سريعة، وإمكانية إنشاء محاكم خاصة لحل النزاعات.

الحصانة الأمنية:

تُشير بعض التقارير إلى أن الاتفاقية تمنح للمستثمرين الإماراتيين حصانة أمنية خاصة، ما يعني عدم خضوعهم للقوانين المصرية في بعض الحالات.

ويرى منتقدو المشروع أن هذه الامتيازات والحصانة تُشكل تهديدًا للسيادة المصرية، وتخلق دويلة داخل دولة لا تخضع للقوانين المصرية. ويخشى البعض من أن يُؤدي المشروع إلى سيطرة الإمارات على مقدرات مصر، وتحويلها إلى وجهة سياحية فقط.

في المقابل، يُؤكد مؤيدو المشروع أنه سيُساهم في تنمية الاقتصاد المصري، وخلق فرص عمل جديدة، وجذب الاستثمارات الأجنبية. ويزعمون أن الامتيازات الممنوحة للمستثمرين ضرورية لجذب الاستثمارات، وأنها لا تُشكل تهديدًا للسيادة المصرية.

دويلة داخل دولة
اعتبر الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، سعيد عفيفي، أن "السيطرة على مشروع أرض رأس الحكمة وعلى بحرها ستكون لدولة أجنبية، ومفهوم الدولة الأجنبية في الدستور المصري وفي التعريف السياسي هو أي دولة أو سلطة أخرى لها قوانين ودستور خاص بها، وبالتالي فإن دولة الإمارات تعتبر بهذا المفهوم دولة أجنبية".

وأوضح لـ"عربي21" أنه "من شأن الامتيازات الحصرية التي سوف يحصل عليها مشروع رأس الحكمة والتابع لدولة الإمارات مثل منطقة حرة وميناء ومطار يجعلها صاحبة نفوذ وسيطرة ولا يمكن منع أي سفينة أو يخت أو مركب من دخول مياه مصر الإقليمية، والتي ستأتي تحت ستار السياحة وإن كانت غير ذلك فلا يمكن منعها وإلا ستكون قد منعت الشركة أو الدولة صاحبة الامتياز من الاستفادة من المشروع".

وحذر عفيفي، من "منح أي دولة مهما كانت سيادة مطلقة على جزء من أراضي البلاد خاصة الساحلية ولنا في أمريكا مثالا حيث أرادت شركة موانئ دبي من خلال الاستحواذ على شركة بي آند أو البريطانية بإدارة بعض أرصفة الحاويات في عدد من الموانئ الأمريكية ولكن تم معارضتها ورفضها بقوة عام 2007 دون العودة إليها مجددا".

وحذر عفيفي من "منح أي دولة مهما كانت سيادة مطلقة على جزء من أراضي البلاد خاصة الساحلية ولنا في أمريكا مثالا حيث أرادت شركة موانئ دبي من خلال الاستحواذ على شركة بي آند أو البريطانية بإدارة بعض أرصفة الحاويات في عدد من الموانئ الأمريكية ولكن تم معارضتها ورفضها بقوة عام 2007 دون العودة إليها مجددا".

إعادة النظر في الامتيازات
يرى الخبير الاقتصادي، محمود وهبة، أن "مشروع رأس الحكمة مشروع سلبي لمصر في مجمله، حتى من القيمة المالية، وهو مشروع سياسي وليس اقتصادي، منح الحكومة المصرية للإمارات ميناء ومطار ومنطقة حرة قد يؤدي إلى فقدان جزء من السيادة الوطنية لصالح دولة أخرى، ما يثير القلق بشأن استقلالية القرار".

وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "انتقال ملكية وإدارة المشروعات أو المناطق الاقتصادية إلى الإمارات تثير تساؤلات حول درجة الشفافية والمشاركة الشعبية في هذه الصفقات.. ولا يمكن التعويل على بيانات الحكومة لأنها مضللة وغير شفافة".

وبشكل عام، فإن الجدل حول مشروع رأس الحكمة لا يزال قائما، ويُطالب البعض بمزيد من الشفافية حول تفاصيل المشروع، وإعادة النظر في بعض الامتيازات الممنوحة للمستثمرين الإماراتيين.

في شباط/ فبراير الماضي، وقعت القاهرة عقد تطوير في منطقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار مع أبو ظبي القابضة الإماراتية (إيه دي كيو)، ويتكون العقد من 24 مليار دولار عوائد مباشرة، و11 مليار دولار من تنازل الإمارات عن ودائعها في البنك المركزي المصري.

وتمكنت مصر وبفضل عائدات الصفقة، وتوقيت اتفاقها، من توسيع قرض من صندوق النقد الدولي، للمساهمة في تخطي العثرات الاقتصادية التي تواجهها، خاصة في ظل شح الموارد الدولارية، خلال الشهر الماضي.