كتاب عربي 21

نزاع الملوك العرب على القمر

1300x600
لماذا يتبارى الملوك العرب في لعبة الغميضة الفلكية، والنكاية ببعضهم وبشعوبهم إعلاناً لرؤية هلال رمضان أو إسراراً لهلال العيد؟

أستطيع بقليل من المجازفة استعادة قصة يوسف عليه السلام، وتذكر قوله في تأويل جديد: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ"، وقد كادوا له كيداً في القصة المعروفة. وليوسف سورة كاملة في القرآن الكريم، تروي قصة صعوده من غيابة الجب إلى سدة الحكم في مصر، وذلك بمناسبة عودة الخلاف بين الدول العربية حول رؤية هلال العيد. الاجتماع في العيد وحدة، وهي محظورة، ومثلها أختها الحرية.

الصراع بين الدول الإسلامية على سباق رؤية هلال العيد أو هلال رمضان، أو إنكار رؤيته، صراع رمزي في أحد وجوهه؛ على البصر والبصيرة واستحواذ الإيمان والتقوى، لعله صراع على جدارة العرش.

انتبهت صبياً بالمصادفة إلى أنّ الدعوة إلى تحرّي هلال العيد هي خدعة سلطانية، ومكيدة، مثل الدساتير العربية التي ليست سوى حبراً على ورق، إذ عثرت بأحد المعارف رأى هلال شوال مع صديق له فقصد الهيئة الشرعية للشهادة  مع شاهد آخر، كما طلبت دار الإفتاء، فطرودهما شرّ طردة، وأظنهما نجيا من الاعتقال بتهمة سياسية مثل تهمة توهين روح الأمة أو إضعاف الشعور القومي. فإعلان العيد قرار سياسي محض، معقود بعواصم الأقاليم الكبرى؛ مثل الرياض وطهران التي تنصب فيها المجاهر والتلسكوبات على سرائر الشعب تتبعاً للشموس والأقمار، وليس على أفلاك السماء لمعرفة أسرارها أو غزوها كما يفعل الغرب.

المفتي في معظم الدول العربية إما هو أعمى بصر، كما في السعودية، أو أعمى بصيرة كما في أغلب الدول العربية، وهو ينظر إلى مصابيح القصور وليس إلى أنوار الحق، والسلطان يريد القول: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ". رؤية القمر تعني العرش، وتعني معرفة المواقيت والزمن، وعقارب الزمن العربي مقيدة، والسلطان العربي يقول أنا الذي أعلن العيد وأفرج عن القمر، وأحدد التقدم والتأخر. القمر (وهو آية من آيات الرحمن) هو أحد خدامي وحاشيتي، إن شئت حبسته وحبست عيدكم، وإن شئت جوعتكم يوماً آخر تصومونه لي، ستصومون بإرادتي وتفطرون برغبتي.

الأوربيون وقد بذّونا وتفوقوا علينا (بسبب تولينا واستبدالنا) وصعدوا إلى القمر ومشوا عليه، وزرعوا راياتهم وبنودهم خفّاقة فوقه، يقولون لنا إننا ما زلنا نخطئ في العدِّ والحساب. وقد دمرت أوطاننا وتهنا عن عناوين منازلنا، فلن نعرف منازل القمر وعدد السنين والحساب. والعلماء يقولون إن القمر أضبط من الشمس توقيتاً، ومن يجهل الشمس كيف يعرف القمر؟ والشمس في المعتقل.. وفي قصة لزكريا تامر، يصفّر الشرطي فتخرج الشمس من الصفارة، فالشرطي هو الذي يعلن النهار ويعلن الليل، ومواعيد النوم واليقظة.

وفي القرآن الكريم: "يسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ"، وساعتنا تؤخر كثيراً، هي متأخرة نصف قرن.. الساعة العربية رملية، والرمل مخلوط بحجارة كثيرة  ومعجون بدماء الأبرياء والباحثين عن الشمس. وأتذكر أني قرأت مرة مقالاً غريباً وشجاعا لشوقي بغدادي في صحيفة تشرين، كان يندب أعيادنا عن جنب وهم لا يشعرون، وكان يتساءل عن سبب انتشار زينة الأعياد الوطنية في الشوارع والمؤسسات الحكومية، وهي أعياد غير اجتماعية، لا زيارات فيها، ولا سكاكر، ولا لحم، وتُنبذ أعيادنا الحقيقية، مثل الفطر والأضحى؛ التي تتجنب الحكومة زينتها والاحتفال بها، كأنما هي رجس من عمل الشيطان، والجواب هو: لأنها أعيادنا الحقيقية، ولأنه احتلال. أما أغرب ما رأيته في التلفزيونات السورية فهو لقاء مع الكاتب أحمد حامد، مؤرخ الذكريات الشامية بالدراما، وكان يتحدث عن يقظته من النوم وأول ما تقع عليه عيناه هو أسماء الله الحسنى في لوحة علقها على صدر بيته، وقد وجدت ذلك غريباً في التلفزيون السوري "العلماني".

تسعى أنظمة الحكم العربية إلى سرقة القمر، كما سرقت الشمس، تحرّي القمر يعني رفعاً للرأس إلى السماء، وكان المفكر جوزف كامبل يقول إن أحد أسباب ارتفاع نسب الجريمة في المدن الكبرى هو أن سكانها لا يرفعون رؤوسهم للسماء.

والأساطير تربط الذئب بالقمر، وكتبت قصص وحكايات وصنعت أفلام عن الرجل الذي يتحول إلى ذئب عند اكتمال القمر بدراً، وأساطير عن ابتلاع الحوت للقمر، وفي مظاهرات سورية ومصرية خرج متظاهرون يضربون الأواني والطناجر احتجاجاً على الحوت العربي الذي ابتلع البلاد. الذئب في حكاية ليلى افترس ليلى، والذئب في الحكاية الثانية أكل الخراف السبعة، وأكل صفوة الشعب، وقد بلع الرئيس هذه المرة الشمس والقمر، وفي قصة يوسف عليه السلام ذئب أيضاً، لكنه بريء ليس كالذئاب التي تحكمنا.

المعتقلات المعاصرة العربية الكبيرة والصغيرة تحجب الشمس والقمر. وتربط دارسات إسلامية الصوم في الأيام البيض بحركة المدِّ والجزر، والحد من تأثير القمر بنجوم صناعية مثل أمل عرفة وإلهام شاهين ورانيا ورغدا وباسم يوسف وعادل إمام، فالغرض هو صرف الناس عن رؤية السماء الرائعة، ورؤية القمر، ومعروفة المواقيت.