كتب

غاندي كان مسؤولا عن تديين السياسة وتسييس الدين في الهند

كتاب يؤكد أن مشروع غاندي كان يتجه منذ البداية نحو ترسيخ الهوية الهندوسية الدينية للهند (غربي21)

الكتاب: غاندي وقضايا العرب و المسلمين
الكاتب: عبد النبي الشعلة 
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى آب/أغسطس2018،
(259 صفحة من القطع الكبير).

عندما كان غاندي يكافح من أجل تحقيق حقوق الهنود وحمايتها في جنوب أفريقيا، كان الهنود في الهند يرصدون، بتقدير واعتزاز، نشاطاته وإنجازاته منذ بدايتها، التي ساهمت بدورها في تحفيزهم واستنهاض مشاعرهم وتحريكهم، كما ساهمت، من دون شك، في بلورة وتأجيج حركة وطنية عارمة في الهند، مما دفع الحكومة البريطانية فيها إلى مخاطبة حكومة جنوب أفريقيا، والاحتجاج لديها وحثها على الإسراع في علاج الموقف والسيطرة عليه.

وبالنسبة إلى غاندي، وفي أثناء وجوده في جنوب أفريقيا وانشغاله بقضايا ومعاناة الهنود فيها، تابع هو أيضا، وباهتمام بالغ وعن كثب، نمو الحركة الوطنية في الهند وتطورها، وارتفاع الدعوات المطالبة بتحقيق حكم ذاتي فيها، فكتب كتيبا بعنوان (الحكم الذاتي للهند)، Hind Swaraj وقام بنشره في جريدة "الرأي الهندي"، وذلك بهدف توضيح وشرح الفكرة للهنود في جنوب أفريقيا. وبعد ذلك، أخذ سقف تطلعات الشعب الهندي في الارتفاع، وانتقلت من المطالبة بالحكم الذاتي إلى المطالبة بالاستقلال الكامل.

في هذا الاتجاه، وفي العام 1905م، كان حزب المؤتمر الوطني الهندي قد بدأ مناقشة مستقبل الهند بعد تحقيق الاستقلال، وفي العام نفسه قامت الحكومة البريطانية بتقسيم إقليم البنغال إلى بنغال الشرقية ذات الأغلبية المسلمة، وبنغال الغربية ذات الأغلبية الهندوسية، وقد أثارت تلك الخطوة مخاوف وشكوك الهندوس، ولكن المسلمين اعتبروها مؤشرا وبادرة لتفهم البريطانيين للاختلافات والخلافات القائمة بين المسلمين والهندوس.

في كتابة القيم، الذي يحمل العنوان التالي: "غاندي وقضايا العرب والمسلمين"، الصادر عن الدار العربية للعلوم ـ ناشرون في بيروت في آب (أغسطس) 2018، ويغطي 259 صفحة من القطع الكبير، يقدم الوزير البحريني السابق في الشؤون الاجتماعية (1995 ـ 2005)، عبد النبي الشعلة، قراءة موضوعية وموثقة، لفكر المهاتما غاندي، ومواقفه من قضايا الإسلام، و الأمة العربية، ولا سيما تاريخ العلاقات بين الهندوس والمسلمين، وتداعياتها المختلفة، التي أدت إلى ولادة جمهورية باكستان.

 

اقرأ أيضا: التايمز: لماذا تم حذف غاندي ونهرو من ذاكرة الهنود؟

في هذا التحقيب التاريخي يتعرض الكاتب، في فصول كتابه، إلى منابع وجذور التكوين الفكري لموهانداس غاندي، الذي ولد في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) 1869، في غرب الهند في مدينة بوربندر الساحلية، باعتبارها أحد الموانىء أو منافذ التجارة ومراكز الاتصال بين الهند والدول العربية والسواحل الشرقية لقارة أفريقيا. فقد ولد غاندي وترعرع في أحضان أسرة هندوسية محافظة وملتزمة دينيا، لكنها لم تكن متعصبة أو متزمتة. 

وفي كتابه "قصتي من تجاربي مع الحقيقة"، أشار غاندي إلى معتقدات طائفة برانامي التي كانت أمه  تنتمي إليها، قائلا: "إنها تسعى لدمج أفضل ما في الهندوسية مع أفضل ما في الإسلام". لقد كانت والدة غاندي أقرب وأعز الناس إليه، وكانت محط حبه وتقديره واحترامه، وكان يعدّها مثله الأعلى والمحور الذي  كان يدور  حوله، وقد رضع من ثديها مبادىء التوحيد والتسامح.

 

عايش غاندي الحرب البريطانية ضد قبائل الزولو في جنوب أفريقيا عام 1906، وكيف سحق البريطانيون قبائل الزولو، واستعمروا أراضيهم بالقوة، فتولدت عنده فكرة المقاومة السلمية،


لقد أكد غاندي في مواقع ومناسبات مختلفة، أنه مسلم بقدر ما هو هندوسي، فبالنسبة إليه إنّ الدين ليس في الطقوس الدينية بالدرجة الأولى، ولكن في العمل والأخلاق، أو كما يقال في الإسلام "الدين المعاملة".

وقال غاندي بالحرف الواحد: "ليس هناك أي شيء يمكن وصفه بالدين سوى المعاملة، إنني واثق بأن ّ الله لن يسألنا عن العلامة الدينية التي نحملها، ولكن سيسألنا عن عملنا، فبالنسبة إليه، العمل هو كل شيء، والإيمان من غير عمل لا يساوي شيئا، وإنّ العمل هو الإيمان". وكان غاندي يؤمن بالتعددية الدينية، وقبول الآخر واحترامه، وكان ضد التبشير وضد محاولات نقل عقل البشر من دين إلى آخر.

لقد كان الكثير من المتطرفين الهندوس، وما يزالون يعتقدون، بل يؤمنون بأن غاندي كان أقرب إلى الإسلام والمسلمين منه إلى الهندوسية والهندوس، بل يجزمون بأنه ضحى بمصالح ومكتسبات الهندوس لصالح المسلمين. 

 

اقرأ أيضا: المهاتما غاندي وحل المشكلة العراقية

وعندما قرر موهانداس غاندي السفر إلى بريطانيا لاستكمال دراسته، وجد نفسه في صدام ومواجهة مباشرة مع المؤسسة الدينية للطائفة الهندوسية التي كان ينتمي إليها، فتوجه إلى مدينة بومباي في شهر آب (أغسطس) 1888، في طريقه إلى لندن، لدراسة القانون، وهو متمسك بانتمائه وهويته الدينية الهندوسية، إلا أنه لم يكن ملتزما بأداء أي من الشعائر الدينية التي يتطلبها ذلك الانتماء.

في لندن، قرأ غاندي أيضا القرآن الكريم وسيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتأثر كثيرا بشخصية الرسول التي أبرزها الفيلسوف والمؤرخ الأسكوتلندي توماس كارلايل، في كتابه المشهور "الأبطال وعبادة البطل". وأرسى غاندي قراءته عن الإسلام والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في لندن على إيمانه بضرورة الانفتاح والتقارب بين الهندوس والمسلمين. ورغم حصول غاندي على شهادة جامعية في القانون من لندن، لكنه فوجىء عند عودته إلى الهند، أن دراسته لم تؤهله كما يجب للعمل في ساحة القضاء في الهند، لأنه لم يكم ملما كفاية بقواعد القانون الهندوسي وأحكام الشريعة الإسلامية، فجاء خلاصه عن طريق شخص مسلم، عرض عليه العمل في مؤسسة هندية يملكها مسلمون تعمل في جنوب أفريقيا، كمستشار قانوني. فغادر الهند إلى جنوب أفريقيا في نيسان (أبريل) 1893.

عايش غاندي الحرب البريطانية ضد قبائل الزولو في جنوب أفريقيا عام 1906، وكيف سحق البريطانيون قبائل الزولو، واستعمروا أراضيهم بالقوة، فتولدت عنده فكرة المقاومة السلمية، لا سيما أن غاندي  لا يؤمن بالعنف في أي صورة من الصور، والحال هذه كانت المقاومة السلمية هي السبيل الأفضل والوحيد بالنسبة إليه.

حزب الرابطة الإسلامية

رغم انشغاله بقضايا الجالية الهندية في جنوب أفريقيا، كان غاندي يتابع عن كثب نمو الحركة الوطنية في الهند وتطورها، التي كانت تطالب بتحقيق حكم ذاتي، فكتب غاندي كُتيبا بعنوان "الحكم الذاتي للهند"، وقام بنشره في جريدة "الرأي" الهندية. وبعد ذاك، بدأ سقف تطلعات الشعب الهندي في الارتفاع، وانتقلت المطالبة بالحكم الذاتي إلى المطالبة بالاستقلال. 

 

في نهاية العام 1930م أصبح المفكر الإسلامي الأديب الشاعر محمد إقبال رئيساً لحزب الرابطة الإسلامية، ونادى فور تسلمه رئاسة الحزب بوطن قومي مستقل للمسلمين في الهند،


وفي هذا السياق، وفي العام 1905، كان حزب المؤتمر الوطني الهندي قد  بدأ في مناقشة مستقبل الهند بعد تحقيق الاستقلال. وفي العام عينه، قامت الحكومة البريطانية بتقسيم إقليم البنغال إلى بنغال الشرقية ذات الأغلبية المسلمة، وبنغال الغربية ذات الأغلبية الهندوسية، وقد أثارت تلك الخطوة مخاوف الهندوس وشكوكهم، ولكن المسلمين اعتبروها مؤشرا وبادرة لتفهم البريطانيين للاختلافات والخلافات القائمة بين المسلمين والهندوس.

وفي السنة التالية، أي في العام 1906، بدأت مجموعة من زعماء وقادة المسلمين في الهند الشروع في إنشاء حزب إسلامي ينطق باسم مسلمي الهند ويدافع عن حقوقهم ويحقق الوحدة والتلاحم بينهم للتصدي للتحديات التي تواجههم، وعلى هذا الأساس، تأسس "حزب الرابطة الإسلامية في شهر كانون الأول (يناير) من العام نفسه. وفي العام 1913 انضم محمد علي جناح للحزب، عندما كان عضوا ومن بين قادة حزب المؤتمر البارزين. وفي نهاية العام 1930م أصبح المفكر الإسلامي الأديب الشاعر محمد إقبال رئيسا للحزب، ونادى فور تسلمه رئاسة الحزب بوطن قومي مستقل للمسلمين في الهند، وقد أكد جواهر لال نهرو أن "إقبال كان من أوائل من دعا إلى تأسيس الباكستان". 

ومنذ تأسيسه وحتى عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، ظل دور حزب الرابطة الإسلامي هامشيا على مسرح الأحداث التي شهدتها الهند في تلك الفترة، إلى أن ترسخت عند غالبية المسلمين فكرة "الباكستان" كوطن قومي مستقل لمسلمي الهند. وإبان الحرب العالمية الثانية برز دور الحزب، حيث أصبح قوة الدفع الرئيسية لانفصال المسلمين وتقسيم الهند بينهم وبين الهندوس وتأسيس باكستان في العام 1947م.

جولة غاندي في الهند:

خلال العامين 1905 و1906م شهد الحراك السياسي في الهند جملة من التطورات المفصلية المهمة، منها كما ذكرنا قيام الحكومة البريطانية بتقسيم إقليم البنغال. وعلى أساس تجربته الناجحة في تأسيس مشروعي مزرعة فيونيكس ومزرعة تولستوي في جنوب أفريقيا، شرع غاندي في تأسيس (أشرم ساتياغرا، بالقرب من مدينة أحمد أباد في شهر أيار (مايو) من العام 1915م. والأشرم هو مُجَمَّع للإقامة والسكن المشترك يعتكف فيه عادة مجموعة متدينة من الهندوس يترأسهم عالم دين هندوسي. وكمؤسسة، فإن طبيعة أو دور "الأشرم" أقرب ما يكون إلى دور الخلوة الدينية أو التكية أو الزاوية أو الحوزة عند المسلمين.

وقد ضم مجمع "الستياغرا أشرم" أكثر من 25 فردا من الرجال والنساء، إلا أن هذه التجربة تعثرت في البداية بسبب رفض الهندوس المنتمين للطبقات العليا الاختلاط بالمنبوذين من الهندوس.

بداية شكوك المسلمين ومخاوفهم من غاندي
 
وفي سياق منهج هذا البحث  وهدفه، يبرز عند هذا المنعطف سؤال مهم، وهو: كيف ولماذا قرر غاندي إضفاء الصبغة والهوية والطابع الديني الهندوسي على أولى خطواته، وأول مركز من مراكز انطلاقه السياسي؟ وهل أدى ذلك إلى بذر بذور المخاوف والشكوك من جانب المسلمين الهنود في نواياه الحقيقية؟ إلى جانب ذلك، فإنّ حساسيته الدينية الهندوسية الواضحة، والتصاقه منذ البداية بكبار رجال الدين والنساك والرهبان الهندوس، وتدشينه لحراكه السياسي في الهند بالحج والتطواف والتنقل بين المعابد والأماكن المقدسة والتكيات الهندوسية، بالإضافة إلى تكرار تأكيده أن استراتيجية العصيان المدني واللاّعنف مرتكزة بثبات على مبدأ "أهمسا"، وهو من أبرز مبادئ أو قيم الديانة الهندوسية، كل ذلك أدى إلى تفريخ المخاوف والشكوك لدى المسلمين، بأن مشروع غاندي يتجه بوضوح نحو ترسيخ وتثبيت وهيمنة الهوية الهندوسية الدينية للهند. مناوئو غاندي ومنتقدوه من المفكرين المسلمين في الهند، يؤكدون أنه كان يتأبط أجندة هندوسية، ويرون أنه كان مسؤولا عن تديين السياسة أو تسييس الدين.