قضايا وآراء

زيارة بومبيو وقضاياها المعلقة

1300x600
أوشكت جولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو؛ في منطقة الشرق الأوسط على الانتهاء، والمقرر أن يزور فيها عددا من الدول في المنطقة، بداية بالأردن ثم العراق ومصر وتنتهي بالكويت (يبدو أن زيارتها تأجلت لوقت آخر بسبب ظرف خاص لبومبيو)، مرورا بكل دول الخليج. ومما رشح في الصحف ووكالات الأنباء العربية والأمريكية؛ أن الهدف من الرحلة هو إعادة اللحمة الخليجية من أجل الترتيب للقمة الخليجية الأمريكية الرابعة، والتي تعثر عقدها خلال العام الماضي بعد عدة محاولات من الجانب الأمريكي والجانب الخليجي خلال زيارات عديدة قام بها مسؤولون من الطرفين. كما أن من المتوقع أن يتناول الوزير الأمريكي قضية انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، دون المساس بأمن دول المنطقة. ومن المتوقع أيضا أن تتناول الزيارة في محطاتها المختلفة القضية اليمنية وكيفية مواجهة إيران، كما أنها سوف تتناول قضية خاشقجي خلال زيارته للسعودية.

ولكن الملاحظ أن زيارة بومبيو لا تشمل تركيا وإسرائيل، وهما الدولتان اللتان زارهما مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، فنجح مع الكيان وفشل في تركيا، حيث لم يقابله الرئيس التركي احتجاجا على تصريحاته مع نتنياهو.

منذ وقوع الأزمة الخليجية، وبعد ما يقرب من عامين على بدايتها بعيد زيارة ترامب للسعودية في شهر أيار/ مايو 2016، وما قيل وقتها عن التصريحات التي أدلى بها أمير قطر تجاه باقي دول الخليج والأوضاع في مصر، والتي أكدت قطر أنها تصريحات مفبركة وغير صحيحة.. منذ ذلك الحين، تحاول الولايات المتحدة، من خلال وزير خارجيتها السابق تيلرسون ووزير الدفاع السابق ماتيس، رأب الصدع الخليجي، ولكنهما لم ينجحا بسبب انقسام إدارة ترامب، وأن الوزيرين لم يكونا على وفاق تام مع الرئيس الأمريكي. وما استطاعا عمله هو إجهاض العمل العسكري الذي كان مخططا ضد الدوحة، كما صرح أمير الكويت. ومن المتوقع ألا تتحرك الأزمة الخليجية عن مكانها طالما لا تستخدم الولايات المتحدة نفوذها بشكل كامل على الطرفين. فمن غير المنطقي ألا تنفيذ أي من الدول الخليجية أوامر واشنطن، ونحن نعلم جميعا أن هذه الدمى الموجودة في الخليج من أقصاه إلى أقصاه هي في يد واشنطن تتلاعب بها كما تشاء، ومن يرفض فنهايته معروفه (حالة الملك فيصل نموذجا). ولكن يبدو أنها تستفيد بشكل اكبر في هذه الأزمة، ودليل ذلك الاجتماع الثاني لما يسمى بالحوار الاستراتيجي الأمريكي القطري، وقد تسير باقي الدول الخليجية على نفس النهج. كما أنه من المتوقع أن تستفحل الأزمة، وقد تصل إلى وقوع أعمال تخريبية بين هذه الدول وبعضها البعض. فهل من رجل رشيد في تلك المنطقة؟؟

أما بالنسبة لقضية الانسحاب الأمريكي من سوريا، والتخطيط المستمر لعودة سوريا في ظل النظام الموجود إلى جامعة الدول العربية، وربما دعوتها لحضور القمة المخطط عقدها في تونس خلال شهرين. وبدأت الهرولة بزيارة البشير، ثم فتح أبو ظبي سفارتها في دمشق، وتلتها البحرين، وسوف تتوالى باقي المنظومة. فنجد أن ترامب بدأ بالإعلان عن سحب قواته من سوريا وحدد مدة قصيرة لذلك، وهذا كان أحد وعوده خلال الانتخابات الماضية. وتم الاتصال بين ترامب والرئيس أردوغان وأخبره "أن سوريا كلها لك". ويبدو أن الرئيس التركي صدق؛ لأنه عندما بدأت المؤسسة الأمريكية التدخل لتعديل ما أصدره ترامب وتحقيق المصلحة الأمريكية وصدرت التصريحات المختلفة من المؤسسة، انزعج الرئيس التركي ورفض مقابلة جون بولتون في أنقرة، وقام بومبيو بتخفيف الانزعاج التركي باتصاله بوزير الخارجية أوغلو وإعلان أن تركيا من حقها الدفاع عن نفسها. من الواضح أن الخطوة الأمريكية هي لتوريط الدولة التركية في الوحل السوري، وفي نفس الوقت تترك كافة أسلحتها للأكراد لمنازعة تركيا. بل من الممكن أن تقوم بدفع الدمى في الخليج ومصر بدعم تلك القوات الكردية. فهل تفيق تركيا ولا تتدحرج في هذا المنزلق، وتدرك أن حل مشكلتها مع الأكراد ليس بهذه الطريقة؟؟

وفي الجولة تتم مناقشة قضية اليمن ومواجهة إيران. لقد عاش الشعب اليمني (شماله وجنوبه) لمدة تقترب من أربع سنوات في حرب أهليه طاحنة أهلكت الأخضر واليابس على مستوى اليمن بأكمله، كما تغلغلت قوات ما أطلق عليه بالتحالف العربي من خلال ما سموها عاصفة الحزم، ثم أطلقوا عليها عملية إعادة الأمل، وهي أسماء ليست على مسميات؛ لأنها في الحقيقة والواقع أنها لم تكن حازمة، وبالتأكيد لم تكن لها أي علاقة بالأمل، بل على العكس، كانت تستهدف الإحباط للشعب اليمني، وما زالت. فتم في السويد منذ شهر توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في بعض مدن اليمن، وسوف تبدأ المفاوضات لباقي المدن، والله أعلم متى سوف تنتهي، وإلى ماذا ستنتهي.

وهذا ينقلنا إلى قضية مواجهة إيران، فبعد حرب استمرت أربع سنوات وتدمير للبنية الأساسية لليمن بشقيه، وليس فقط البنية الأساسية بل للإنسان اليمني نفسه، لم تحل المشكلة، وليس من المتوقع أن تحل المشكلة خلال المدى المنظور، وهذا في حد ذاته انتصار للقوي المؤيدة لإيران. ونفس الموقف في نتائج قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا وتثبيت نظام الأسد فيها، وهذا ما كانت تنادي به إيران منذ بداية الأزمة السورية، كما أن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ساعد التغلغل الإيراني هناك. فهل الموقف الأمريكي حقيقة يريد مواجهة إيران والثورة الإيرانية؟

ونأتي للقضية الأخيرة، كما صرحت المصادر في الخارجية الأمريكية عن جولة بومبيو، وهي سوف تثار فقط في السعودية، والتي وصلها الأحد، وهي قضية اغتيال جمال خاشقجي رحمه الله. وكما يتسرب ونشر عن مصادر في الخارجية الأمريكية، فإن الحكومة الأمريكية لا تجد مصداقية في ما أعلنته النيابة السعودية بخصوص بدأ المحاكمات في قضية خاشقجي، واتهام 11 شخصا لم تعلن أسماؤهم، والمطالبة بإعدام خمسه ممن شاركوا في الجريمة. ومما يزعج في هذه القضية هو أن الجميع يعلم أن محمد سلمان هو من أمر بقتل خاشقجي، كما أن الجميع يعلم أن بوتين هو من أمر بقتل العميل الروسي سكريبال والتخلص منه أيضا، وأن الرئيس الأمريكي جونسون هو من أمر بقتل نغو دييم، رئيس فيتنام الجنوبية في نهاية عام 1963. كما أن الجميع يعلم أن الرئيس أيزنهاور هو من أمر بقتل المناضل الأفريقي باتريس لومومبا، بتصفيته في 16 كانون الثاني/ يناير 1961، قبل أن يتسلم كيندي الرئاسة بثلاثة أيام، وهذا طبقا للوثائق التي بنشرتها الحكومة الأمريكية من خلال لجان الكونجرس لتقصي الحقائق وتقييم أعمال جهاز المخابرات الأمريكية، وهو الجهاز الذي بكت رئيسته جينا هاسبل عند سماعها شريط قتل خاشقجي، كما صرح أحد الكتاب الأتراك وروجت له قناة دولة الجزيرة. وهي (هاسبل) التي كانت تشرف على العمليات الخاصة للمخابرات الأمريكية، وما كانت تشمله من تعذيب وقتل وغير ذلك. وما تزال تحقيقات المدعي العام الاتحادي الألماني حول ضلوع هاسبل في تعذيب معتقلين في سجن سري في تايلاند، مستمرة. فهل نتوقع أن تقوم الإدارة الأمريكية الحالية بتوجيه اللوم أو إحقاق الحق في هذه القضية؟

بالتالي، فان جولة بومبيو ستنتهي - والله أعلم - والمنطقة أكثر انقساما والخلافات بين أبنائها أشد، والتنازع بينهم مستمر. فهل هذا هو المطلوب تحقيقه؟ ومن ضمن مؤشرات هذا الاستقراء ما أعلن عن استقالة الجنرال أنتوني زيني، المبعوث والوسيط الأمريكي لحل وحلحلة الأزمة الخليجية. إننا نعيش اليوم في عالم ما زال أصحاب مشروع الباطل هم فيه المهيمنون، ويتسودون مختلف مناحي الحياة، من علم واقتصاد وسياسة وحتى الرياضة والإعلام والسينما، ونحن نحمل مشروع الحق، وبدلا من أن نسعى لتطبيقه وتقديم نموذجه في الحياة، فإننا للأسف لا نطبق منه شيء، وليس هذا فقط، بل نحارب أبناءه، ونلهث وراء تقليد مشروع الباطل ونموذجه. وهو كله سراب، ونرى ذلك بأعيننا من عنصرية ومعايير مزدوجة وانعدام للقيم، ومثال ذلك خطاب بومبيو في الجامعة الأمريكية في القاهرة. فإلى متى نسير خلف السراب؟؟؟

والله المستعان وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل..