كتاب عربي 21

مقامة النفس اللوّامة

1300x600
بين الحين والآخر تتفتق عبقريات تحليلية مذهلة، لها شنشنة وجلجلة، عن محاولات لتكحيل العيون العمشاء، لتجميل أفاعيل ساستنا الغبشاء، لذا أنصح القراء بالابتعاد عن معظم المقالات السياسية، لأنها ستكون تكراراً لما كتب في الحقبة الجوراسية، عن أحابيل الصهاينة والأمريكيين، ومهارتهم في إلهاء العرب بكرة القدم والكنكان، وصرفهم عن القضايا المصيرية، بجرِّهم إلى عوالم سايبيريا، وهي بحار الإنترنت الهوجاء، التي يختلط فيها اليأس بالرجاء، فغوغل في نظر كثيرين منا، جاسوس غربي يسرق الأفكار كلما الليل جنّ.

الكيبورد صار أداة الطبالين، السائرين في زفة الفراعين، ومنهم من قال: إن فرعونهم فاز بأصوات جميع الناخبين، الأحياء منهم وبعض الميتين، هل تصدق أن 99 شخصا فقط، فاتهم التصويت لبشار القط؟ عندما نال ترقية، من طبيب عيون إلى مارشال بسرعة برقية، ومع هذا يواصل كتابنا لطم الخدود وشق الجيوب، لأنهم يكتشفون مجدداً أن ديمقراطية إسرائيل كلها عيوب، وأنها دولة البغي والعدوان والطغيان، وكأنما دولهم منارات للعدالة وحقوق الإنسان.

مُغنّي الحي لا يُطرب

كلام سخيف وممجوج، سنظل نردده إلى أن يأتي يأجوج ومأجوج، بينما نحن عاجزون حتى عن تنظيم مهرجانات التسوق، على الرغم مما نمارسه من جعجعة وتشدق، ونتحدث بكل وقاحة، التي هي صنو البجاحة، عن تجريد شعوبنا من المدخرات، ببيعهم سلعاً إلى كل القارات، أعني تصدير الكوادر البشرية، إلى كل أركان الكرة الأرضية، ثم نتباهى بفلان العربي الذي في ناسا، والآخر الذي صار للفكر الغربي نبراسا، ذلك لأن مغني الحي لا يطرب، ما لم يهاجر ويغترب.

وبفلوسنا المتلتلة، نستطيع أن نُحدث زلزلة وبلبلة، إذا أعدناها إلى مصارفنا، لإحياء تالدنا وإنعاش طارفنا، أو لنأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، بدلا من شراء اللحم من هولندا وعقد صفقات الأوكسيجين مع بولندا، ونبقى على ما كنا، ولا تسل كيف نحن الآن وكيف كنا، لا نبيع سوى كل ما هو خام، ونبقى رهائن في يد من يمسك باللجام.

فاحت من وسائل إعلامنا الروائح، الصادرة من الطبال المادح، أو ذاك المهاتر الفاجر القادح، أو تلك التي بثديها كادح، وهكذا انغرس فينا الخنوع واليأس الفادح


شيء محزن أن نعجز عن ستر عوارنا وعينا، ونظل نتباهى "مين زيِّنا"، وهذا مسوي حاله قاضي، يبرطم معظم الوقت ع الفاضي، ونتحدث عن مباريات كرة القدم، بمفردات النزال والحسم، لأننا لا نعرف سواها معركة، وقائعها مؤصلة وغير مفبركة، فتاريخنا المعاصر، محوَّر على عينك يا تاجر، والهزائم المخزية صارت انتصارات، على الرغم من أننا لم نر سوى بيض الرايات، بعد أن اختفت "بيض الصفائح"، مُخليَة الساحة لسود الفضائح، ففاحت من وسائل إعلامنا الروائح، الصادرة من الطبال المادح، أو ذاك المهاتر الفاجر القادح، أو تلك التي بثديها كادح، وهكذا انغرس فينا الخنوع واليأس الفادح، فأكثرنا شهرة، هو الذي أكثرنا عهرا، والشعبية الكاسحة لأنصاف الرجال، أو تلك التي لا ترتدي شيئاً سوى الخلخال.

فياغرا سياسية

لماذا تنهشون لحم نتنياهو أو شارون، وتتكالبون على فتات موائد الطاغية فرعون؟ هذا شهاب الدين، وذاك أخوه اللعين! نتنياهو وترامب ورابين، وغيرهم ممن نعتبرهم "أولاد الذين"، على الأقل فازوا بشرف، ولم يزوروا إرادة الجماهير بشكل مثير للقرف، نتنياهو مثلا فاز لأنه "قد القول"، ويعلنها صريحة: يا قاتل يا مقتول، ولا مكان لفلسطين أو هباب الطين، ويقود دولة تنافقها أوروبا وتغازلها الصين، أما نحن فدولنا بحاجة إلى فياغرا سياسية، ليصبح الناس فيها سواسية، ويتحول عجزنا إلى بأس، ونطَّلق دنيا الوهن واليأس، ونكف عن النرجسية والهذيان السخيف، الذي يثير الرثاء عندما يصدر عن قوم لا ينتجون حتى الرغيف، وهل يفلح قوم حاديهم شعبان عبد الرحيم، كلُّ يردد كلماته وبها يهيم؟

كلام الآخرين لهب، وسكوتهم ذهب، وكلامنا غازات، وصمتنا عطب، وخير لنا أن نعمل بقول الشاعر السوداني، ليردده القاصي والداني، فـ "نكحل مآقينا بمرود الصلابة، وبإيمان كإيمان الصحابة"، ونكف عن اللغو السمج، وتمجيد الذات الفج... ويا ليت (---) بالذات، يروح إلى شركة الاتصالات، ليحوّل براطمه إلى الوضع "الصامت"، بدلاً من ترديد ما يسميه السودانيون "كلام ساكت"، وهو الكلام الخائب الهايف، كأن تقول: سننال من عدونا "ديد أور ألايف"!

هذا نقد ذاتي نطقت به النفس اللوامة، المتأرجحة بين الاطمئنان والدوّامة.