أعلنت حركة "
حماس" أمس السبت، فوز القيادي الكبير إسماعيل
هنية برئاسة
المكتب السياسي في انتخاباتها الداخلية. وعلى الرغم من أن حظوظه كانت كبيرة وفوزه متوقعا إلى حد ما، إلا أن هناك أسئلة طرحت حول ما يعنيه انتخابه خلفا لخالد
مشعل، والتوقعات المأمولة منه في هذا المركز المهم.
ويأتي انتخاب هنية في ظل تحديات كبيرة للحركة، أهمها:
- ظرف إقليمي متوتر
- خروج "حماس" من سوريا بسبب موقفها من الثورة السورية
- توتر علاقات مع إيران التي كانت تعد حليفا استراتيجيا
- توتر علاقتها مع مصر بعد الانقلاب
- قضية الأسرى الإسرائيليين والمفاوضات
- إصدار "وثيقة حماس" والبند الـ20
- تحدي المصالحة الفلسطينية
- ضغوطات على حليفتها قطر
وتناول محللون تحدثوا لـ"
عربي21" فوز هنية بالمنصب رئيسا للمكتب السياسي للحركة، ورأوا فيه أنه يمثل وجه التيار المعتدل في الحركة، موضحين التحديات التي سيواجها "أبو العبد"، و"الكاريزما" والشخصية الجديدة التي وصلت لرئاسة الحركة ومقارنتها بالقيادة السابقة.
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، مخيمر أبو سعدة، في حديثه لـ"
عربي21" أن انتخاب هنية ينسجم تماما مع إعلان "وثيقة حماس" مؤخرا، معللا ذلك بالقول: "الحركة قدمت اعتدالا سياسيا ومرونة سياسية في أكثر من قضية في الوثيقة، مثل قيام دولة فلسطينية ومسألة اليهود، ومنظمة التحرير والمرأة، بالتالي حتى تستوعب الحركة هذه المسائل، لا بد من انتخاب شخص معتدل، يمشي على خطى خالد مشعل، أو ما يسمى داخل حركة حماس بالتيار المعتدل".
وفي حين اتفق مدير مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن، عريب الرنتاوي، مع ما ذهب إليه أبو سعدة من أن هنية يمثل شخصية معتدلة في رئاسته للمكتب السياسي، قال إن على هنية في هذا الموقع الجديد تركيز الاهتمام على "ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي".
اقرأ أيضا: عقب انتخاب هنية.. حماس: ترتيب البيت الفلسطيني أولوليتنا
ودعا هنية إلى "العمل على تقديم تنازلات يمكن أن تقدمها حماس للشعب الفلسطيني وبقية المكونات الفلسطينية الأخرى بالشكل الذي يصيب في مصلحة حماس والشعب الفلسطيني"، وليس تقديمها لإسرائيل أو المجتمع الدولي.
وقال لـ"
عربي21": "إن كان هناك من رسالة نوجهها له في هذه المناسبة بالذات مع إصدار وثيقة حماس مؤخرا، تمنينا بأن يبدي كل المرونة المطلوبة لاستئناف مسار المصالحة الفلسطينية، وإعادة الوحدة الفلسطينية، باعتبارها الأولوية الأولى التي لا تعلوها أي أولوية أخرى".
انتخاب شخصية من "إقليم الداخل"
تنقسم حركة حماس كما هو متعارف عليه إلى أقاليم عدة، هي حماس الخارج والداخل (عزة والضفة) والسجون، وحول انتخاب هنية كشخصية من قيادات
غزة، وانتقال القيادة من قيادات الخارج إلى شخصية قيادية كبيرة من القطاع، ذهب الرنتاوي إلى أن الخط بين الداخل والخارج "خط وهمي"، مبديا عدم اعترافه بهذا الخط.
وقال إن "الكثير من قيادات حماس الخارج موجودة في الخارج بحكم اللجوء والإبعاد والنفي والمطاردة"، موضحا أن ثقل "حماس" في السنوات العشر الأخيرة تركز في غزة، لذلك من الطبيعي أن يفرز هذا الثقل من داخل القطاع رئيسا للمكتب السياسي.
واتفق مع هذا التوجه، أبو سعدة، مؤكدا أن مركز ثقل "حماس" وسيطرة الحركة على الأرض في غزة، ومن هذا الباب جاء اختيار هنية، ولكنه عبر أيضا عن رفضه لفكرة المناطقية، مؤكدا أن "الإقليم" ليس الدافع لاختيار هنية بقدر ما هو شخص يعد من الجيل الثاني المؤسس لحركة حماس، ورئيس المكتب السياسي في غزة، ونائب رئيس المكتب السياسي بشكل عام، وله تجربة سياسية كبيرة جعلته يستحق مكانه الجديد ويفوز بهذا المنصب.
وقال إن "عودة القيادة إلى غزة قد تؤكد أن مركز ثقل حماس على المستوى العالمي موجود في القطاع، بعد أن فقدت الحركة موقعها في سوريا، وبعد الأوضاع غير الواضحة مع قطر فهي ليست كما تعتقدها حماس بالسلاسة المطلوبة، فربما الإقامة هناك ليست مجانية بل لها ثمن سياسي معين".
واستذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تأتي فيها قيادة "حماس" من غزة، فهي بدأت في القطاع وأنشئت هناك، بالإضافة إلى أن المؤسس التاريخي والزعيم الروحي للحركة الشيخ أحمد ياسين كان من غزة، والذي أتى من بعده الدكتور عبد العزيز الرنتيسي كان من غزة أيضا، وأول رئيس للمكتب السياسي كان موسى أبو مرزوق من غزة.
ولكنه قرأ في "أهمية ومركزية ساحة غزة في المرحلة الحالية والقادمة أنها السبب في هذا التوجه نحو قيادات غزة، في ظل علاقاتها الشائكة مع مصر والأردن وعلاقتها غير المتوقعة مع قطر وتركيا، بالإضافة إلى أن غزة تبقى هي المنطقة التي تتواجد فيها حماس على الأرض".
أما الرنتاوي، فشدد على أن "لكل فلسطيني الحق بأن يتولى المواقع القيادية في كل الفصائل، طالما تم ذلك بطرق ديمقراطية شرعية. وكل فلسطيني له الحق أيضا في تولي المناصب في كل من السلطة والمنظمة، طالما تم بالتوافق والطرق الديموقراطية".
اقرأ أيضا: حماس تعلق على بقاء رئيس مكتبها الجديد بغزة أو خروجه منها
وأضاف: "قد يأتي يوم يحسب فيه الأخ إسماعيل هنية على الخارج إن أراد أن يقوم بمهام منصبه، وإجراء الاتصالات والزيارات، حتى لا تقدم إسرائيل على منعه وإعاقة حركته".
كاريزما هنية
وثار حديث في مواقع التواصل الاجتماعي حول "كاريزما وريث مشعل" في رئاسة المكتب السياسي، وأثيرت بعض التحفظات على ترك شخصية كمشعل لرئاسة المكتب إذ يحظى بكاريزما عالية وحضور كبيرين، وتساءل البعض: "هل من سيخلفه يستطيع ملء هذا المكان على أكمل وجه؟".
وعلق الرنتاوي على كاريزما هنية، موضحا أن الكاريزما تأتي من الموقع القيادي، وهنية مهيأ لتكون له كاريزما خاصة وشخصيته الخاصة.
وقال: "لطالما جاء مسؤولون للسلطة والحكم بلا كاريزما، ولكن بعد سنوات من العمل القيادي والمرور باختبارات والنجاح في التصدي لبعض المهمات والثبات في بعض الاستحقاقات تتولد الكاريزما وتبنى وتتعاظم في هذا المجال كما حصل مع مشعل".
وأوضح أن هنية لا يبدأ من الصفر في هذا الأمر، فهو ليس شخصا نكرة بالنسبة للموقع القيادي وبالنسبة لشعبيته، بل هو قيادي ورئيس حكومة سابقة، ولديه ما يكفي للبناء عليه.
وأكد أبو سعدة من جهته، أن هنية يملكك شخصية ولغة خطابية قويتين، وأنه يستطيع أن يحرك الشارع بسهولة، وأن يؤثر على زملائه بالحركة بحكمته السياسية والكاريزما التي يمتلكها.
وأضاف أنه يمتلك من القدرات ما يؤهله أن يكون خليفة مشعل، ليعزز علاقات "حماس" على المستوى العربي والإسلامي والدولي، "بل قد نشهد في المستقبل أن شخصية هنية لها بصمة في تخليص قطاع غزة مما يعاني منه اليوم من أزمات"، وفق قوله.
تأثير انتخابه على علاقات "حماس"
ورأى الرنتاوي أن انتخاب هنية على رأس الحركة لن يترك تغييرات جوهرية بعلاقات "حماس" الإقليمية، ولكنه راهن على مرونة هنية في توسيع دائرة "حماس" الخارجية، بما يعظم المكاسب الوطنية الفلسطينية، وفق قوله.
وأكد: "إننا أمام حركة معروفة وقوية، لا أعتقد بأن انتخاب رئيس جديد في الحركة سيعمل على تغييرات جوهرية في علاقات الحركة عربيا وإقليميا بالمعنى السلبي".
وبالمعنى الإيجابي، ذهب أبو سعدة إلى أن انتخاب هنية سيؤثر في علاقات "حماس" بشكل جيد، فهو يحظى بعلاقات مع المصريين والقطريين والأتراك.
وعبر عن اعتقاده بأن وصول هنية لهذا المنصب "سيعزز من مكانة حماس على المستوى العربي والإقليمي والدولي، فهو على خطى خالد مشعل، خطى الاعتدال السياسي والمرونة السياسية التي أبداها أبو الوليد في السنوات السابقة التي كان آخرها الإعلان عن الوثيقة السياسية قبل أقل من أسبوع، باعتبارها التركة السياسية التي سيتذكرها الكل بعد خروج مشعل من منصب رئيس المكتب السياسي"..
اقرأ أيضا: حماس بعد قبولها بـ"67".. كيف ستوفق بين المقاومة والتسوية؟
في حين قدم الرنتاوي بعض الانتقادات للوثيقة، وطالب "حماس" وجميع القوى الوطنية الفلسطينية بأن تقدم تنازلات لبعضها البعض من أجل استعادة وحدة الشعب الفلسطيني ولملمة صفوفه.
ودعا هنية أيضا إلى الاستفادة من التجربة المريرة التي عانت منها حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، ومسلسل التنازلات التي لم تفض إلى مكان على الإطلاق حتى الآن.
وذهب إلى أن المرحلة القادمة ليست مرحلة "دولة فلسطينية" في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل مرحلة العمل الدؤوب من أجل إعادة بناء موازين القوى في الساحة الفلسطينية، ورفع كلفة الاحتلال تمهيدا لطرده.