نشرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على الدور الذي تؤديه
روسيا في
ليبيا، ومدى مساهمتها في انتشار الفوضى والعنف.
وأشارت إلى دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوات اللواء المتقاعد خليفة
حفتر، بالمال والسلاح، وهو ما أدى إلى تعقيد الأوضاع وتفاقم العنف، وعرقلة كل جهود الوساطة الدولية الرامية لإيجاد حل سلمي لهذا الصراع، كما تقول الصحيفة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المشهد الليبي يطغى عليه خليط من التمترس السياسي والاقتتال الداخلي والجريمة، ما خلق وضعا ضبابيا قابلا للانفجار في أي لحظة. وقد تعمق الانقسام الداخلي مؤخرا، خاصة أن حكومة فائز السراج، المدعومة من الأمم المتحدة، لا تزال غير قادرة على بسط سيطرتها على مقرات الوزارات في العاصمة، فضلا عن أن القيادة السياسية في شرق ليبيا ترفض الاعتراف بحكومة السراج.
ونقلت الصحيفة عن الباحث محمد الجارح، من مركز دراسات "المجلس الأطلسي"، والموجود في شرق ليبيا، أن "من المنتظر أن تتصاعد موجة العنف أكثر خلال الفترة القادمة، بسبب وجود أمراء الحرب، وخاصة خليفة حفتر الذي يقود ما سماه بالجيش الوطني، والذي ازداد قوة ونفوذا بفضل الدعم الخارجي. في الواقع، ويسعى حفتر للسيطرة على كامل ليبيا بقوة السلاح، إلا ان هذا الجنرال المتقاعد لا يحظى بأي شعبية في الغرب".
وأضاف محمد الجارح أن "الأوضاع في مدينة مصراتة، النقطة الأهم في الغرب، تنذر بالخطر، إذ إن القوى المعتدلة هناك تدعم حكومة الوفاق لأسباب براغماتية بحتة، ومنذ تعرض تنظيم الدولة للهزيمة في سرت، التي كانت معقلا للثورة ضد نظام القذافي، ظهرت العديد من المؤشرات التي تمهد لمواجهة قريبة بين المجموعات الموجودة في هذه المدينة وقوات خليفة حفتر".
وذكرت الصحيفة أن بوتين يساند حفتر في هذا الصراع الدائر. ومساندة موسكو لحفتر جعلته يشعر بأنه في موقع قوة على طاولة المفاوضات؛ لأنه يحظى بدعم بعض اللاعبين المؤثرين، خاصة في موسكو. ويعتبر هذا الحلف أن الثورة الليبية هي مؤامرة يقف وراءها الغرب، على غرار "الثورات الملونة" التي اندلعت في أوروبا الشرقية.
وفي الوقت نفسه، تعتقد موسكو أن حالة الضعف المؤقتة التي عاشتها في عهد الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، كانت السبب وراء فشلها في تعطيل قرار مجلس الأمن الدولي حول التدخل العسكري في ليبيا، وهو ما أدى لإسقاط نظام القذافي وخسارتها للعديد من المصالح في ليبيا، خاصة في مجالات عقود التسلح والطاقة والبنية التحتية، التي تصل قيمتها إلى ما لا يقل عن أربعة مليارات دولار.
وأكدت الصحيفة أن الحالة التي وصلت إليها الأوضاع في ليبيا تعكس فشل المجتمع الدولي في التدخل في هذا البلد، وهو ما فتح المجال لروسيا لتوسيع نفوذها الاستراتيجي. وفي الأثناء، لطالما أعلنت روسيا رسميا عن مساندتها لحكومة فائز السراج، ولكنها لم تفوت أي فرصة لانتقاد هذه المبادرة التي تدعمها الأمم المتحدة ووصف هذا الهيكل الدولي بأنه غير فعال، كما واصلت دعمها لحفتر في الميدان.
وتجدر الإشارة إلى أن التحالف بين بوتين وحفتر قد نشأ أساسا على خلفية علاقة الصداقة القديمة التي تربط الجنرال المتقاعد بالعديد من الروس. فضلا عن ذلك، لا يحتاج حفتر إلى مترجم للتواصل مع موسكو، فعلى الرغم من أنه عاش في المنفى في الولايات المتحدة منذ سنوات الثمانينيات وحتى سنة 2011، إلا أنه تلقى تدريبا عسكريا في المدارس السوفييتية في سنوات السبعينيات.
وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن حوالي 70 جريحا من القوات التابعة لحفتر، كانوا قد وصلوا إلى موسكو يوم الأربعاء لتلقي العلاج. وعلى العموم، ينتظر أن يتواصل هذا التعاون بين الجانبين، خاصة أن روسيا قامت بطبع حوالي أربعة مليار دينار ليبي (2.65 مليار يورو) لفائدة البنك المركزي في شرق البلاد، بهدف تعويض نقص السيولة الذي تعاني منه ليبيا.
وبينت الصحيفة أن حفتر وحلفاءه الروس يسعون لفرض هيمنتهم على ليبيا بالحديد والنار، تماما مثلما حدث في سوريا في ظل نظام بشار الأسد.
وأوردت الصحيفة أن حفتر يسعى بكل الطرق للحصول على أسلحة جديدة من موسكو، على الرغم من الحظر الدولي الذي فرضته الأمم المتحدة على بيع السلاح للأطراف الليبية منذ سنة 2011. وفي هذا الصدد، أشارت بعض المصادر إلى أن الجانبين يسعيان للالتفاف حول هذا الحظر من خلال تهريب السلاح عبر الجزائر، التي تعد حليفا قديما لموسكو. خلافا لذلك، تسعى الجزائر في الوقت الحالي لخلق توازن بين هذا التحالف وبين رغبتها في إيجاد حل سياسي للصراع في الجوار الليبي.
وأكدت الصحيفة أن هذا التحالف بين حفتر وموسكو قد أثار مخاوف وانزعاج الاتحاد الأوروبي؛ إذ يخشى الاتحاد من أن يقوم بوتين بإجهاض كل الوساطات الساعية للتوصل لتوافق سياسي وإنهاء الصراع. علاوة على ذلك، يخشى الاتحاد الأوروبي من تكرار السيناريو السوري، وما قد يترتب عن ذلك من تدفق للاجئين وتهديدات أمنية، بالإضافة إلى استغلال موسكو للأوضاع من أجل ابتزاز دول الاتحاد.