قضايا وآراء

بكائية لدى الأعتاب النديّة

محمد ثابت
1300x600
1300x600
كتمام طبع الإنسان في كل زمان ومكان يتفنن البعض، على الأقل، في إظهار المحبة للبشر وانتظار المعروف منهم.. أو الحياة بسعادة بقربهم.. 

وتبقى الحقيقة الواضحة التي كثيرا ما ننساها، ونُغرقُ في الابتعاد عنها.. إن الوحيد الذي يقبلك بعيبك ولا يمل منك، برغم عدم حاجته على الإطلاق إليك، والتجاوز بالحديث بضمائر اللغة العادية عنه، وهو ما نستسمح عظمته فيه، ولكنه مع غناه.. وتفرده.. بل عظمته لا يسخط لخطأ أمثالنا المتكرر في حقه مع تمام رفعته وعلاه.. ولا يضج لسوء تصرفاتك وعاداتك.. ويعطيك وإن نسيتَه حتى حين، ولا يغيب عنك أو تفقد وسيلة الاتصال به وإن سافرتْ وارتحلت وتهت.. بل لا تحتاج لرقم ولا "بلوتوث أو روتر" للارتماء لدى أعتابه.. 

لا يغيب عنك "هنيهة" مهما حدث.. ويرسل الذين يسعدونك في الحياة ممن تعلم، وممن لا تعلم، وإن حزنتْ ربط على قلبك، وادخر الخير لك، وإن تحول وجدانك وقلبك إلى غيره.. وشعر بـ"تغير" منك غار عليك من تمام تعلقك بمن وما لا يستحقون.. فردك إليه بلطف وإحسان.. 

إنه الوحيد في الصعاب يناديك أقبل، عندي الحل والرحمة والستر.. 

يقصيك البشر فيدنيك.. 

يخذلونك فيحتويك.. 

يشكون فيك.. فيبرؤك بعفوه.. يعاملونك بمقدار مالك وجاهك 
يفتئتون.. ويزورن القول والفعل عليك.. فيرد كيدهم إلى نحورهم.. 

إن أحبك البشر أقبلوا عليك وطمعوا فيك.. 

وإن أحبك وحده أعطاك ما تضيق به خزائن العالمين.. من فيض أمن وطمأنينة قبل مال وأشياء.. 
إن أحببتَ الأشياء من حولك تعلقتْ بها فجذبتك لأسفل أكثر.. 

وإن أحببته أخضع لك الأشياء والمراد منها.. 

كل الذين حولك ينفضون عنك.. ويضيقون بك عند أقرب منحنى في الطريق.. تقل صحتك أو تفتقر.. أو حتى تختلف معهم! 

ووحده يقبل زلتك.. ويعفو عن عثرتك.. يحتوي كبوتك.. يهبك الأمن والطمأنينة.. يغسل أحزانك.. يروي عطش روحك إلى الأنس به.. يُبردُ نار غضبك من القساة من الخلق.. 

إن أقبلت إليه تمشي.. والناس تمشي إليهم بالخير، فيهربون بعد أن ينالوا منك ما يحبون.. إن أقبلت إليه بالخير تمشي.. هرول لأجلك فاحتواك.. وإن هرولتَ إليه أرسل حفظته يستقبلونك قبل الأبواب.. 
إن فترت همتك.. أو ابتعدت ناداك بجوف الليل والناس نيام: 
 ألا تفتقد الأنس بي؟!
ألا تطلب الخير مني؟!
أنيس كل جليس منفرد.. 
وعون كل مظلوم مضطهد.. 

إن أنكرتْ قلوب البشر.. وتجافت.. واختزلتْ الغدر والبغضاء.. إن عضوا يد الإحسان طمأنك.. لديّ من الفضل أكثر.. فلا عليك منهم.. 

تفتر محبتك في قلب الأغيار.. ويتلون عليك جُلّ البشر.. فتجده هناك أقرب من حبل دماء ملتف من أول يدك حتى مفترق جسدك كله.. 

إن ضقتْ بالدنيا وتنكرت لك ما ضاق بك.. 

الآخرون يحبونك لأنهم يريدون الكثير منك.. وهو يحبك لأنه يريد أن يعطيك.. 

إن أقبلت الشمس عليك تلفحك بهجيره.. أقبل عليك بالغمامة لتحتويك! 

إن عوت عليك "كلاب" الطريق أرسل ملائكته ليردوا غيبتك.. 

إن أكل الناس حقك المادي.. وغمطوا فضلك المعنوي.. وحده رد الإساءة عنك وادخر لك ما هو أفضل لديه.. 

تنام في الليل.. فتنام عنك العيون.. ويبقى برحمته إلى جوارك.. يحفظك في جسدك وأجهزتك.. وقلبك وعقلك ومن قبل روحك.. 

ينصرفون عنك في الملمات والمصائب.. بل يفتعلون الموبقات، محاولين إيقاعك فيها.. فيبلل أطراف قلبك بالشفقة عليهم ويقول لك.. بصوت من أثير وشفاف الروح:
ـ والله ما أفقدوك شيئا أردتُه لك، ولن يفقدوك!

تتعثر ماديا وتفتقر فينساك أكثر الناس قربا إليك ويعاتبونك.. فيقول لك بملء روحك.. يرسلها لتهتف من داخلك بك: 
خزائني مليئة.. يا هذا.. فلا تقلق! 

في المواقف الصعبة.. وإن كنت مظلوما.. الكل يتبرأ منك ويلوم عليك.. لأنك حاولت الوقوف أمام الذين "يرونهم" أقوياء من البشر، فيما هو يقول لك: 
ـ لو تعرف ما أعددتُ للمظلوم لتمنيتَ الرحمة مني وحدي! 

حال مرضك.. حال ألمك الكل يتخفى منك.. ووحده يقول لك: 
لا تقلق.. 

تبكي بدموع القلب يا رب أصون أموالهم وأعراضهم فيخطئون فيّ فيقول لك:
ذلك طبع البشر، وما تقدمه من خير تجده لدي لا لديهم! 

تطلب منه فإن لم يلبِ لك.. لم يفعل مثل البشر ويتهمك بالطمع، بل يهتف بك: لدي ادخرت لك أكثر مما طلبت.. 

كل علاقاتك بالبشر تنتهي فور انتهاء "المعرفة" وعلاقتك به تتعمق فور انتهاء حياتك.. 

حينما يغلق عليك من القبر باب ينتفخ جسدك.. وتئن ذراته وخلاياه.. ويقصيك ويتخلى تخليا تاما الجميع.. ويحكمون وضعك في التراب.. ووحده يقبل عليك.. يأخذ روحك إليه.. ينظفها من قاذورات الدنيا ويطمئنك اليوم يوم المرحمة! 

ما الدنيا كلها إن افتقدتَه ستفيدك.. 

وإن وجدته وعاداك كل البشر والأشياء فما قيمة الجميع إن أقبل عليك وحدك هو؟!
سبحانك يارب.. 

     فليتك تحلو والحياة مريرة                    وليتك تصفو والأنام غضاب
     إذا صح منك الود فالكل هيّن                وكل الذي فوق التراب تراب 

   وكل الذي فوق التراب يا رب 
   تراب.. 
1
التعليقات (1)
انا العاصي التائب يارب
الثلاثاء، 07-07-2015 06:45 ص
الله الله جمعت فاوعيت وادميت قلبي علي ذنوبي وابصر قلبي الرجاء اللهم اغفر وارحم وانت خير الراحمين سيدي الكاتب لما تبصرت حولي لم اجد من لاياخذاجر علي صنعته الدكتور المهندس الكل الكل الا شيخ مسجدي لم يردني خائب ابدا ولم ياخذ اجر ابدا مثلك تكتب فيتعلم منك الناس كيف التامل والاتعاظ والنهوض بعد العثرات والرجوع عن الموبقات بفضل رب وهب لنا من الصادقين امثالكم وان كنت لا اعرفك