كتاب عربي 21

الإعلام بين اغتصاب الطفولة وصناعة الإرهاب

محمد هنيد
1300x600
1300x600
لم يلق التقرير السنوي الذي قدمه "مندوب حماية الطفولة" في تونس حول الطفولة المهددة اهتمام "إعلام العار الوطني"، الذي تتحكم فيه اللوبيات الراعية لمصالح الشركات الاستعمارية، ولا "إعلام المخابرات البوليسي" العامل تحت أوامر الدولة الأمنية القمعية، التي لا تزال تتحكم عبر النقابات الإرهابية المسلحة في جزء كبير من الحيز الوطني المرئي منه والخفي. يصمت هذا الإعلام عن أمّ الجرائم في حق مستقبل الوطن من أبناء تونس وبناتها، وهو ما جعله يستحق بجدارة منقطعة النظير تسمية "إعلام العصابات". 

التقرير مرعبٌ، حول مئات الاعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال في المحيط العائلي والمدرسي، التي ناهزت سنة 2014 ثلاث مائة حالة. لكن الجميع يعلم أن هذه النسبة ليست إلا قطرة من بحر؛ بسبب خاصية المجتمع المحافظ، وبسبب خوف الأطفال من التبليغ عن المعتدين لطبيعة الثقافة التربوية العقيمة في مجتمع لم يُربّ الأطفال فيه منذ الصغر على التحلي بالشجاعة في التبليغ عن كل ما يخص جسدهم في علاقتهم بالآخرين، وبسبب غياب التربية الجنسية عند الطفل في المدرسة وفي المنزل. 

الإعلام التونسي والعربي لم يُخلق لتحصين المجتمع وتحصين الفئات الأضعف فيه من الأخطار الكثيرة المحدقة به؛ بل تحول في السنوات الأخيرة إلى مساهم فعال في كل الجرائم التي ترتكب ضد الطبقات المسحوقة من أبناء هذا الشعب. لا تقتصر جرائم "إعلام العصابات" التونسي مثلا على تزييف الواقع ومساندة الطغاة وتبرير القمع الذي مارسه نظام الوكيلين "بورقيبة" و"بن علي" طيلة أكثر من نصف قرن من الزمان ومنعا البلاد من تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية، بل هي جرائم تتجاوز اليوم في خطورتها واقع المجتمع، لتهدد بصدق مستقبل أجيال بكاملها. ضرب منظومة القيم الوطنية، وتهديد مرتكزات الهوية العربية المسلمة للدولة، ومحاربة اللغة العربية بشكل مستفز، هي الأركان الأساسية للمشروع الاستئصالي لإعلام العصابات التونسي، بل إنه تحول اليوم إلى منبر لنشر الدعارة، وبث كل السموم الأخلاقية والجنسية التي تهدد النسيج الاجتماعي والبنية القيمية للدولة والمجتمع، كل ذلك تحت رداء الحداثة المزيف. 

الجرائم الجنسية قديمة قدم الإنسان، لكنها انتشرت في المنطقة العربية بصورة مخيفة مع انتشار أدوات التواصل وسهولة الوصول إلى المواقع الإباحية لكل أفراد المجتمع، الذي لم يُحصن ضد هذا الوباء القادم من وراء البحار. أما الخصوصية التونسية فتتمثل في جملة من العناصر تكشف مجتمعة عن خطة محكمة لخلق قابلية داخل المجتمع لكل مظاهر الانحلال والدعارة والتفسخ.  فالصورة التي تروج لتونس منذ الخمسينات هي أنها رائدة الحداثة وتحرر المرأة وانفتاح المجتمع وهي أوهام تكشفت بعد الربيع العربي وثورة 17 ديسمبر 2010 عن أكثر المجتمعات العربية انحلالا، وقد تحول إلى وجهة للسياحة الجنسية العربية والأجنبية. 

هذا النشاط الجنسي المغلف بغلاف السياحة، لا يتطرق لعدد المنحرفين الجنسيين ـ منهم وزراء أوروبيون ونجوم صحفيون... ـ الذين يزورون تونس سنويا من أجل إشباع غرائزهم من أجساد أبناء الفقراء والمحتاجين، وهي ظاهرة تكاد تختص بها تونس والمغرب ومصر من بين الدول العربية الأخرى. هذا بقطع النظر عن السياحة الجنسية التقليدية التي تقدم خدمات نوعية للسياح العرب أو للسياح الأجانب في الشقق المفروشة وهو ما سماه أحد المراقبين "بجهاد النكاح الداخلي". 

خبر آخر لافت يكشف حجم الجرائم الجنسية الرمزية التي تواجه الطفل التونسي حتى في قلب المؤسسة التربوية حيث قامت "معلمة" بمعاقبة تلميذ في المرحلة الابتدائية بنزع سرواله إلى ما دون ركبتيه أمام زملائه؛ مما سبب له صدمة نفسية دفعت والداه إلى عرضه على طبيب نفسي. الخبر واجهته وزارة "التربية الوطنية" ـ بقيادة وزير لم يتردد في اتهام أهل الجنوب بالتخلف والجهل ـ بالإنكار وباتهام التلميذ بالكذب والتضليل، في حين نعلم جميعا حجم الجرائم التي ترتكب في تونس خلف أسوار المدارس دون حسيب أو رقيب. 

الأخطر في كل ما ذكرنا ليست الجرائم في حد ذاتها، رغم وحشيتها الكبيرة، بل ما تخلقه من أرضية ملائمة للتطرف والنزوع إلى العنف والدفع بالشباب إلى تبني الأطروحات الفكرية المتطرفة والمرتبطة وثيق الارتباط بجماعات العنف المنظم. الإعلام التونسي والعربي شريك فعلي في صناعة الإرهاب الذي يدعي محاربته في حين أنه يقتات عليه ولا يمكنه أن يعيش بدونه لأنه شرط من شروط وجوده المركزية. 

الاستفزاز اليومي لمشاعر المواطنين المحافظين والمتدينين وحرب الإشاعات التي تتقنها الصحف الصفراء و"منابر إعلام العار" كما يسميه الشباب التونسي، هي الخبز اليومي لمرفَق عموميّ وخاص كان لزاما عليه أن يكون مسخّرا في خدمة القضايا الوطنية وفي تحقيق شعارات الثورة التونسية. هذه الثورة المباركة كانت فرصة تاريخية لتتحرر الأصوات والأقلام  التونسية والعربية من ربقة الاستبداد ومن نخاسي الرأي والكلمة الحرة؛ لكنّ الظاهر هو أن الإعلام العربي هو الاستبداد نفسه، لأنه التعبير الرمزي عن سلطة الحاكم والحارس الأمين لمعابد الطغاة والعصا السحرية القادرة على إحياء الدولة العميقة من رماد وإعادتها إلى السطح كما فعلت في مصر وتونس. 

لن تتحقق ثورة فعلية على الأرض العربية دون أن يتحرر قطاع الإعلام من قيود المال السياسي، ومن الارتهان لرأس المال وللقوى الدولية، فيتحول من كلب حراسة في معابد الطغاة إلى صوت للحرية ولكرامة الإنسان.    
التعليقات (1)
عماربوجناح
الخميس، 07-05-2015 07:23 م
في كل مرة يضع الدكتور هنيد اصبعه. على. الداء.لو كان عندنا اعلام لكانت هذه الكوارث الشغل الشاغل ولكن وكأن لحم الحمير غيب الجميع وخاصة الحقوقي والإسلامي. ولا حول ولاقوة إلا بالله