حينما قدم وزراء حكومة التوافق لقطاع
غزة في زيارة عملية هي الأولى من نوعها، استبشرت قطاعات الشعب
الفلسطيني المختلفة واعتبر هذا بصيص أمل لإنهاء الملفات العالقة وطي صفحة الانقسام، إلا أن الحكومة والوزراء فاجأوا شعبنا باستمرار عملية الإقصاء والتعامل الانتقائي للملفات، وتعاملت الحكومة بفئوية مستفزة، فأرادت إنهاء ملف المستنكفين وإعادتهم للعمل دون أي تطمين للجهاز المسيطر على قطاع غزة، وفي ظل انعدام الثقة بعد التجارب المريرة مع إدارة رامي الحمد الله للملف اتخذت نقابة الموظفين خطوات احتجاجية مقدرة ومستساغة تجاه إجراءات الوزراء المبهمة وغير الواضحة والتي تخلق بيئة توتيرية، إن كان في الوزارات أم في القطاعات المختلفة.
المطلوب من حكومة الوفاق لفرض سيطرتها وقبولها ولتحظى بثقة سكان قطاع غزة حل ثلاث مشاكل مستعصية تعتبر أولوية الهم في قطاع غزة. الأولى، دمج الموظفين وإنقاذ الجهاز البيروقراطي وطمأنة 50 ألف موظف ومنحهم حقوقهم ورواتبهم، والثانية، رفع الحصار أو التخفيف منه، والثالثة تحريك عجلة الاعمار، دون البدء بهذه الإشكاليات فأي دور للحكومة لن يكتمل وسينبئ عن سوء نية وطوية تجاه قطاع غزة وسكانه ومقاومته.
ورغم ذلك فإني أعتقد أن اتفاق الشاطئ لا زال متعثرا ولم يفشل نتيجة تراكمية سنوات الانقسام الطويلة والتي أدت لواقع معقد مليء بالتفاصيل، فالانقسام الجغرافي أثر على التطبيق، فما أفرزه الانقسام من واقعين مختلفين أحدهما في الضفة والآخر في غزة من جهاز إداري وسياسات وكوادر ومصالح وما إلى ذلك يحول دون الاستجابة الكاملة لما تم الاتفاق عليه.
كما أن معارضة
إسرائيل الواضحة والعنيدة للاتفاق، وممارسة ضغوطها على السلطة والرئيس "أبو مازن" لكي يحجم عن المضي قدما نحو توحيد السلطة لما تمثله المصالحة من قوة في مواجهة التعنت الإسرائيلي، يعتبر سببا من أسباب الجمود والتلكؤ.
وهذا أدى لوجود انسداد في الأفق، وقد يبقى الحال على ما هو عليه من رفض لدمج موظفي غزة وإبقاء حالة التردد والفراغ في غزة، ما يضطر قوى أخرى لملئه، فتتحول الحكومة لإطار شكلي في القطاع، ما سيضعف السلطة في فرض برنامجها وسياستها، على حد قوله.
أو قد نشهد تدخل دول عربية قوية، خصوصا السعودية، بعد النجاح النسبي لعاصفة الحزم، وقد تكرر تجربة اتفاق مكة بطريقة أكثر انضباطا والتزاما، أو التوجه للانتخابات وإن كانت حتى الانتخابات لن تغير في خريطة السيطرة والانقسام شيئا.
أخشى ما أخشاه لو استمر تعنت وفشل حكومة السيد رامي الحمد الله وتعنت الرئيس محمود عباس أن ينفرط عقد السلطة عبر تعزيز كيانية غزة باتفاقات منفردة. ويبدو أن الواقع الإقليمي والتشجيع الإسرائيلي قد يهيئ لهذا الأمر، لهذا فإن على السلطة أن تنتبه لترتيب البيت قبل الانزلاق لمنطقة تصبح أعقد من أن يمكن إنقاذها.