شهد قطاع
غزة في الفترة الأخيرة صورة إعلامية مكثفة لحالة التشارك بين حركتي
حماس والجهاد الإسلامي، وذلك بخروج مسيرات مشتركة للحركتين في المحافظات الجنوبية، كما عقدت سلسلة ندوات ولقاءات موحدة بين قيادات سياسية وعسكرية من التنظيمين
الفلسطينيين، وخرجت منهما مواقف متشابهة في ملفات معقدة داخلية وخارجية.
تقارب حماس والجهاد طبيعي، كونهما حركتي مقاومة ذواتي إطار إسلامي، كما أن مواقفهم السياسية حتى اللحظة متقاربة، مع بعض الاختلافات في التفاصيل هنا أو هناك، ولقد شهدت العلاقة مراحل تطوير، زادت بعد تعاظم التنسيق العسكري والأمني الذي وصل لإنشاء غرف عسكرية مشتركة، والتواصل الدائم على مدار الساعة.
ويبدو أن قيادة الحركتين على المستوى السياسي والعسكري أنضج من قواعدهما، فهناك حالة اندماج وتنسيق وتواصل وود في الأطر العليا والدوائر الضيقة، إلا أن عناصر كليهما ما زالت تتمايز كحركتين متنافستين لا متكاملتين، ويصدر عن بعض العناصر من الطرفين بعض المجاكرات والخشونة اللفظية المزعجة، ويظهر ذلك جليا في مواقع التواصل الاجتماعي.
اليوم زاد التقارب، وبدا أوضح من ذي قبل، ومن وجهة نظري، هناك أسباب عديدة، أهمها نجاح حماس في السيطرة على غزة وتقديم نموذج داعم للمقاومة، وفتح مجالات لعمل حركة
الجهاد الإسلامي، ودعمها وتهيئة البيئة لتحركها دون تضيق، بعكس ما حدث في الضفة الغربية، كما أن العلاقات الشخصية لدى القيادات تلعب دورا مهما أيضا في التقارب، وإيجاد لغة مشتركة ومتفهمة.
وهناك صداقات واضحة تجمع بين رموز حماس الجهاد، حتى وصل الحال ليلتقط القياديان الزهار والهندي صورة سلفي في أحد اللقاءات الجماهيرية المشتركة.
بالإضافة لاستشعار الحركتين بالخطر ذاته، خطر الاقتلاع من قبل إقليم يعادي أي توجه مقاوم، خصوصا إذا ما كان ذا صبغة إسلامية، بالإضافة لازدياد العمل العسكري المشترك الذي برز في العصف المأكول، وهناك إرادة حقيقية لدى القسام والسرايا على تعزيزه وتقويته وتكامله في المراحل المقبلة.
التحالف السياسي الآن شبه موجود، إلا أن تعقيد الواقع والتشابك الإقليمي، وحالة الانقسام والخصوصية الفلسطينية ستحول دون بلورته كيانا سياسيا متكاملا، كما أن لحماس رؤية سياسية داخلية تختلف عن الجهاد الإسلامي الذي يفضل عدم التصادم مع فتح من جهة، وعدم الدخول في السلطة من جهة أخرى بحجة اتفاقية أوسلو، أما حماس فهي ترى أن السلطة مرحلة مهمة لقيادة المشروع الوطني نحو التحرير.
ومع هذا، قد يكون للجهاد وحماس طموح مشترك للعب دور مؤثر في النظام الفلسطيني، لهذا، هناك سعي موحد من قبلهم لإصلاح منظمة التحرير، والتمثيل في المجلس الوطني، والدخول في اللجنة التنفيذية للمشاركة بفاعلية بصياغة البرنامج والسياسات الوطنية، وإن حدث هذا قد يبرز عملا أكثر انسجاما بينهما.
كما أن حماس والجهاد لا يريدان عزل نفسيهما عن العمل الوطني، لهذا إذا ما كان هناك تيارات يسارية وعلمانية مستعدة لبناء جبهة وطنية للمقاومة لا أظنهما سيمانعان.
لا أعتقد أن يتحول التقارب والتنسيق لدمج الحركتين في كيان واحد، فهما جسمان مختلفان بالكلية إداريا وتراثيا، وأي توحد لن يجني الثمار أو يحقق أيا من الأهداف، فلن يؤدي الغرض، كما أن التراكمية التاريخية تحول دون ذلك. وأي محاولة ستجد ألف عامل إفشال أقلها تسمية الكيان الجديد، بالإضافة لتوزيع الكوادر، وإقرار نظام داخلي والإرث الثقافي ، كما أن الدمج لن يحقق المراد، وتوابعه السلبية كبيرة، من عدم الانسجام وعدم الرضا والطمع بتقاسم المناصب.
لهذا، سيستمر التنسيق والتكامل والعمل المشترك والحفاظ على هويتي الحركتين، دون دخول في سيناريوهات عقيمة.