سياسة عربية

السيسي يبدأ اللعب على المكشوف لإحكام السيطرة على الإعلام

اكتشف السيسي أن سيطرته على الإعلام ليست تامة- أرشيفية
مرت علاقة عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب، بالإعلام المصري بثلاث مراحل، الأولى بدأت قبل انقلاب تموز/ يوليو 2013 بنحو أربعة أشهر، حينما عقدت الأجهزة الأمنية العزم على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين بانقلاب عسكري خشن اعتمد في الأساس على التمهيد الجيد له عبر وسائل الإعلام.
 
وبعد عقد الصفقة في شباط/ فبراير 2013، لاحظ الجميع التغير الحاد والمفاجئ في نبرة الإعلام المصري الذي هاجم الإخوان بضراوة وحرض المواطنين على الثورة ضدهم، وفي المقابل صور الجيش، وخاصة السيسي، كمنقذ للبلاد.
 
أما المرحلة الثانية فبدأت بعد إعلان الانقلاب بدقائق قليلة، حينما تم إغلاق كل وسائل الإعلام التي لم تدعم الانقلاب بشكل كامل وغير مشروط، ولم يسمح سوى لوسائل الإعلام المملوكة لرجال الأعمال التابعين للنظام بالتواجد على الساحة مع تنفيذ ما يملى عليهم.
 
وبعد سنوات من التوجيه اليومي المباشر للإعلاميين، اكتشف السيسي أن سيطرته على الإعلام ليست تامة، حيث أبدى قائد الانقلاب في العديد من المناسبات ضيقه ونفاذ صبره تجاه تجاوزات وانتقاد الإعلام لسياساته، ليقرر بعدها الانتقال للمرحلة الثالثة.
 
سيطرة مطلقة

وبعد أن كان الجيش يتحكم في وسائل الإعلام من خلف الستار، انتقل السيسي إلى السعي نحو السيطرة التامة والكاملة على الإعلام، حتى يحصل على دعم مطلق كما كان يحدث في فترة الستينيات من القرن الماضي، حينما صرح بأن عبد الناصر كان محظوظا بإعلامه.
 
ويقول الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، وحيد عبد المجيد، في تصريحات صحفية، إن السيسي يريد تطبيق النموذج الكوري الشمالي أو الروسي في التعامل مع الإعلام، وعدم السماح بوجود أي متنفس مؤثر للمعارضين للتعبير عن آرائهم من خلاله تجنبا لغلطة الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وبدأت المرحلة الجديدة بإنشاء كيانات إعلامية مملوكة مباشرة للأجهزة الأمنية، لتمثل رأس الحربة في المنظومة الجديدة، على أن تكون هذه القنوات محدودة العدد لكنها ذات إمكانيات هائلة.
 
وكانت باكورة هذه الكيانات الجديدة، مجموعة قنوات "دي إم سي" المملوكة للمخابرات، والتي يرأسها لواء المخابرات السابق ورجل الأعمال الغامض "ياسر سليم".
 
وظهر "ياسر سليم" على الساحة بشكل مفاجئ، وبدأ بتأسيس شركة "دي ميديا" المالكة لقنوات "دي إم سي" وموقع "دوت مصر" ومحطة الإذاعة "الراديو 9090"، كما يسيطر على صحيفة "اليوم السابع" بعد حصوله على حقوقه التسويقية.
 
وأعلنت "دي إم سي" التعاقد مع أكبر الإعلاميين والفنانين المصريين والعرب لينضموا إلى مجموعة قنواته السياسية والترفيهية المتوقع انطلاقها في نهاية العام الجاري.
 
تقليل العدد لتشديد الرقابة

كما تعتمد خطة السيسي على السماح بوجود مجموعة من القنوات الجديدة الناتجة عن دمج القنوات القائمة، يملكها عدد محدود من رجال الأعمال، يسهل السيطرة عليهم وتوجيههم، بل ومعاقبتهم إذا اقتضى الأمر.
 
وبدأت هذه الخطوة بدمج شبكتي "النهار" و"سي بي سي"، واستحواذ رجل الأعمال الشاب أحمد أبو هشيمة، الوثيق الصلة بالمخابرات، على العديد من القنوات منها "أون تي في"، كما بدأت قنوات "دريم" و"الحياة" في تقليص قنواتها وأعداد العاملين بها بشكل كبير، تمهيدا لدمجها في كيان واحد، يستحوذ عليه أحمد أبو هشيمة، صديق ياسر سليم ضابط المخابرات السابق، بحسب تقارير صحفية.
 
وكشفت تقارير صحفية أن "دي إم سي" ستكون النافذة الوحيدة التي يظهر عليها جميع المسؤولين التنفيذيين والأمنيين، كما ستحصل على حقوق حصرية لنقل الفعاليات المختلفة، لتصبح بمرور الوقت مصدر المعلومات الرئيسي للمصريين.
 
وبالتوازي مع تلك الخطوات، تم التخلص من وجوه إعلامية قديمة أصبحت مزعجة للنظام، منها يسري فودة، ومحمود سعد، وريم ماجد، وتوفيق عكاشة، وليليان داوود، ومن المتوقع أن يلحقهم قريبا يوسف الحسيني، وإبراهيم عيسى، ولميس الحديدي، ووائل الإبراشي، لتحل محلهم شخصيات جديدة غير محروقة.
 
"أنا لواء مخابرات"
 
وقال مصدر مطلع بموقع "دوت مصر"، تحدث لـ "عربي21" شريطة عدم ذكر اسمه، إن الموقع كان مملوكا في بداياته للإماراتيين، ولكن بعد سلسلة متواصلة من المضايقات الأمنية، قرروا التخلص منه وباعوه لمستثمرين مصريين.
 
وقال الصحفي المفصول من الموقع، إن العاملين في "دوت مصر" فوجئوا بالمالك الجديد للموقع يعرف نفسه بشكل صادم قائلا: "أنا اللواء "ياسر سليم" من المخابرات العامة"، وهو ما يعكس عدم اكتراث النظام بالكشف عن سيطرة الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام بشكل فج.
 
ومنذ الجلسة الأولى له مع العاملين بالموقع، هدد سليم العاملين جميعا بأن من يخالف تعليماته سيتعرض للإيذاء، كما قام في اليوم ذاته بفصل رئيس التحرير خالد البري بشكل مفاجئ بعدما أبدى معارضة لتنفيذ التعليمات دون مناقشة.
 
وفي شهر تموز/ يوليو الماضي باع "ياسر سليم" موقع "دوت مصر" لصديقه المقرب رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، وبعدها بأيام تم فصل 85 صحفيا من الموقع بشكل مفاجئ، بحجة ضغط النفقات، دون منحهم مستحقاتهم.
 
لكن الموقع أعلن الأحد الماضي عن حاجته لتعيين مجموعة جديدة من الصحفيين شريطة أن يكونوا حديثي التخرج وبدون خبرة، حتى يكونوا أكثر التزاما وطاعة لأوامر مسؤولي الموقع، على حد قول المصدر.