لا تزال قضية الكشف عن أكبر شبكة للاتجار بالفتيات السوريات، وإجبارهن على ممارسة
الدعارة، تتفاعل في
لبنان، في ظل تساؤلات عن الأسماء الكبيرة، وربما الأطراف الوازنة التي تقف وراء الشبكة، التي تم الكشف عنها في أشهر مرتعين للدعارة في منطقة المعاملتين بمدينة جونية شمالي بيروت، الـ"شيز موريس" و"سيلفر".
وكانت شعبة المعلومات في قوى الداخلي أعلنت أن مفرزة استقصاء جبل لبنان في وحدة الدرك الإقليمي تمكنت من كشف هويّة مجموعة أشخاص يؤلفون أخطر شبكة للاتجار بالبشر في لبنان، وتوقيفهم في جونيه، وتحرير 75 فتاة، معظمهن من الجنسية السورية، وقد تعرّضن للضرب والتعذيب النفسي والجسدي، وأجبرن على ممارسة الدعارة تحت تأثير التهديد.
وأبدى مراقبون استغرابهم من عدم تمكن قوى الأمن اللبنانية من الوصول إلى الشبكة مبكرا قبل أن تتفاقم، رغم عملها بشكل شبه علني، ورغم وجود "الوكرين" في مناطق سكنية مأهولة، وفي ظل الإجراءات الأمنية المكثفة في الآونة الأخيرة.
والى جانب ما يعدّه الكثيرون غموضا يشوب قضية
الاتجار بالبشر في لبنان، تتصدر مسألة دور حزب الله في كشف شبكة الاتجار بالفتيات السوريات واستغلالهن في الدعارة.
ويروج حزب الله لرواية مفادها أن جهازه الأمني هو الذي فضح هذه الشبكة، وقدم ما يمتلكه من إحداثيات إلى قوى الأمن، التي بادرت من جهتها في عمليات المداهمة والتوقيفات.
وتقول مصادر الحزب، بحسب ما نقلته مصادر متطابقة لوسائل إعلام لبنانية، أن أربع فتيات هربن من شبكة الاتجار بالبشر في جونية إلى الضاحية الجنوبية؛ لاعتقادهن أنهن سيكنّ بمأمن من نفوذ رؤوس العصابة المشغلة، الذين أوهموا الضحايا بقدرتهم على الوصول إليهم في أي مكان، وهن طلبن من سائق أجرة إيصالهن إلى المنطقة.
وبعد وصوله إلى الليلكي في الضاحية، "اتصل السائق باللجنة الأمنية التابعة للحزب، التي حققت مع الفتيات؛ للتأكد من (أي) خلفية أمنية في الموضوع، ومع انتفاء هذا البعد، وحصر المسألة في الشق الأخلاقي، تواصل الحزب مع استقصاء جبل لبنان، فتسلمت دورية أمنية الفتيات". ونتيجة التحقيقات معهن، حصلت عمليات الدهم لوكري العصابة. وفق رواية الحزب.
لكن هذه الرواية تخالفها روايات أخرى انتشرت في وسائل الإعلام اللبنانية، تشير إلى تعرض الفتيات في الضاحية، بعد هروبهن من جونيه، لتحرش جنسي، دفع بالأهالي للطلب من اللجنة الأمنية بحزب الله للتدخل، باعتباره المسيطر أمنيا على الضاحية، حيث قامت عناصر الحزب بالمداهمة، ومن ثم إخطار القوى الأمنية.
وما يزيد تعقيدات القضية هو الكشف عن معرفة مسبقة لجهاز الأمن العام بالوكرين ومداهمة قوّة لهذين الموقعين في 10 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، بحسب جريدة الأخبار المقربة من حزب الله.
واستمع المحققون حينها، بحسب الصحيفة، إلى إفادة أكثر من 14 فتاة، سُئلن عن عملهن في بيع الهوى، فذكرن تفاصيل قليلة ثم تُرِكن، كأنّ شيئا لم يكن. وعملية الدهم هذه حصلت خلال الفترة نفسها التي أفادت فيها الفتيات المحررات بأنهن كنّ يعذّبن خلالها، فيما برزت تساؤلات عن عدم اتخاذ أي تدبير بحق مشغلي الفتيات، أقله بتهمة الترويج للدعارة.
ظاهرة الاتجار بالبشر في لبنان
وحول ما تتعرض له عشرات الفتيات السوريات في لبنان، قالت عضو لجنة مناهضة العنف والتعذيب للمرأة في لبنان، لورا صفير، لـ"عربي21": "ما تم كشفه عن شبكة الاتجار بالبشر أمر خطير ومؤسف، وهو محل إدانة واستنكار من الجميع، لا سيما من الهيئات والمنظمات الحقوقية".
ولفتت إلى أن "التخوف من ظاهرة الاتجار بالبشر كان قائما، لكنه لم يكن متوقعا أن يأتي بهذا الحجم والقسوة"، مشيرة إلى أنها نتيجة "الحروب والنزاعات، حيث تعد
النساء الأكثر تعرضا للخطر والتهديد في النزاعات المسلحة، على اعتبار أنهن الكائن الأضعف في معادلة الحروب".
وأشارت صفير إلى أن "عوامل عدة، إلى جانب الحرب الدائرة في سوريا، رسمت مشهدية ما حصل لعشرات الفتيات السوريات، بدءا من امتهان لآدميتهن، ومن ثم إجبارهن على ممارسة الدعارة وبعبودية لمشغليهن"، مضيفة: "الفقر، وتفكك الأسرة، والجهل، والعنف المجتمعي، كلها أسباب تسهم في تعزيز فرص نجاح الاتجار بالبشر".
ورأت صفير أن حالة الفوضى في لبنان والترهل الحكومي والمؤسساتي "شكلت غطاء لزعماء عصابة الاتجار بالبشر؛ للاستمرار في عملهم فترة طويلة من دون حسيب أو رقيب، في ظل العجز الحكومي، وعدم التئام مجلس النواب لإقرار القوانين المتعلقة بحماية المرأة في ظل النزاعات المسلحة الدائرة في محيط لبنان، وعدم تطبيق القرار 1325 المتعلق بحماية النساء وتأمين العمل والاستقرار لهن".
وطالبت صفير "المسؤولين اللبنانيين بتحمل مسؤولياتهم؛ لمنع تكرار هذه الأمور، وملاحقة المرتكبين، والاقتصاص منهم".
وحول أوضاع الفتيات اللواتي تم الإفراج عنهن من سطوة عصابة الاتجار، أكدت صفير أن "جميع المؤسسات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة تتشاور للمضي في مبادرة تجاه الفتيات اللواتي تعرضن للتعذيب، ودراسة الخيارات المناسبة لدمجهن في الحياة الطبيعية بعد مرحلة الأسر والقهر".
من جهته، شدد النائب عن كتلة المستقبل عاطف مجدلاني، في تصريحات لـ"عربي21"، على أن "على القضاء إنزال أقصى العقوبات بحق المتورطين، ليس المباشرين فحسب، بل من يقف وراءهم أيضا وعمل على تغطية جرائمهم، فلا يجوز أن تنتهك حقوق الإنسان، لا سيما النساء، في القرن الواحد والعشرين، كما حصل لدى هذه العصابة".
وأقر مجدلاني بأن المشكلات العديدة التي يمر بها لبنان تساعد على نشوء مثل هكذا شبكات"، داعيا "القوى الأمنية إلى العمل على ملاحقة المرتكبين قبل أن يتمكنوا من إنشاء عصاباتهم".
وعما يحكى عن دور لحزب الله في القضية، قال: "لا نريد الخوض في سجالات سياسية، القوى الأمنية هي التي عملت على كشف العصابة، فقد رصدت وداهمت أوكار العصابة، وعملت على تحرير الفتيات".
واعتبر مجدلاني أن وجود هكذا شبكات يعد ظاهرة منتشرة في كل بلاد العالم المتحضر، خاصة فيما يتعلق بأمور الدعارة والجنس، لكنه عبّر عن تخوفه من "وجود شبكات أخرى غير مكتشفة لغاية الآن، على غرار الشبكة التي تم تفكيكها".