ملفات وتقارير

معهد واشنطن: القدس واللاجئون تحديان للأردن .. كيف يواجههما؟

الأردن يمثل أكثر الحلفاء العرب موثوقية بالنسبة لأمريكا (أرشيفية) - أ ف ب
ناقش معهد "واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" التحديات التي تواجهها الأردن، في ظل المتغيرات الإقليمية الحالية والتدخل العسكري الروسي في سوريا، موضحا أن أكبر تحديين حاليين للأردن، هما: القدس والوصاية الهاشمية عليها، واللاجئون السوريون.

وقال الباحث ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن، إن التدخل العسكري الروسي في سوريا قد يترتب عليه آثار خطيرة بالنسبة للأردن، بالإضافة لإيوائها أكثر من مليون لاجئ سوري حاليا، مشيرا إلى أن نشر القوات الروسية سيسبب ضغطا كبيرا، خاصة إذا انتقل القتال إلى جنوب سوريا.

من جانب آخر، تشكل التطوّرات في القدس مصدر إزعاج للأردن، لكنّها تبقى في مصافّ المخاوف من الدرجة الثانية، مقارنة بأزمة اللاجئين الآخذة في التفاقم على الأرجح، بحسب الباحث، الذي أشار إلى مبادرة تشريعية في الكونغرس الأمريكي قد تساعد على تخفيف المخاطر الأمنية المباشرة التي تعترض الأردن، إلا أنها لن تقلّص من تدفّق اللاجئين أو تعزل الأردن عن التهديدات المستقبلية الناجمة عن نشر القوات الروسية.

القدس

وأشار الباحث في ورقة تقدير الموقف إلى معاهدة "وادي عربة" للسلام بين الأردن وإسرائيل، التي تقر صراحة بـ"دور المملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدّسة للمسلمين في القدس"، وهو دور ينعكس في الإدارة المستمرة للمسجد الأقصى والحرم الشريف من قِبَل وزارة الأوقاف الأردنية، التي تُشرف على الأوقاف الدينية في المملكة.

وتابع الباحث بأن المسؤولين الأردنيين يعملون مع المسؤولين الإسرائيليين لتخفيف حدة الوضع أثناء فترات التوتر، كتلك التي كانت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، عندما أدّى مقتل إسرائيلي وفلسطيني إلى إغلاق الحرم القدسي الشريف أمام المصلّين، ما أدى للقاء الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عمان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ووفقا للتقارير وافق رئيس الوزراء على منع اليهود من الصعود إلى المسجد الأقصى.

واستمرّ هذا الوضع ما يقرب من عام، إلى أن زار وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أريئيل في أيلول/ سبتمبر الحرم القدسي الشريف، ما أثار احتجاجات فلسطينية عنيفة، أدّت بدورها إلى إصابة عشرات الفلسطينيين بجروح من قبل الشرطة الإسرائيلية، وإلى وقوع سلسلة من الهجمات التي استهدفت الإسرائيليين.

وأشار الباحث إلى أن هذه الأحداث شكّلت سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين إسرائيل والأردن، حيث ألقى الإسرائيليون اللوم على وزارة الأوقاف لعدم توفيرها الأمن المناسب في الحرم القدسي، في حين أدان الأردنيون نتنياهو لمخالفته الوعد الذي قطعه للعاهل الأردني عام 2014، بالإضافة لاتهام الأردن "القوات الخاصّة التابعة لـ"جيش الاحتلال الإسرائيلي" باقتحام باحات المسجد الأقصى"، ومحاولتها "تغيير الوضع القائم" في القدس.

ومنذ ذلك الحين، تقدّم الأردن بقرار إلى مجلس الأمن الدولي يدين إسرائيل، وقد قيل إنّ الملك يرفض تلقّي المكالمات الهاتفية من رئيس الوزراء، بينما دعا 45 نائبا في البرلمان الأردني المؤلّف من 130 عضوا الحكومة إلى سحب السفير الأردني من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي من عمان ومراجعة معاهدة سلام "وادي عربة"، بداية تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

استمرار التحديات التي يواجهها اللاجئون

وفي الوقت ذاته، بحسب الباحث شينكر، يشكل اللاجئون السوريون مصدرا محتملا لانعدام الاستقرار في المملكة، في وقت تقول فيه عمان إنها تؤوي إنّها 1,4 مليون سوري، نحو 700 ألف منهم مسجّلون لدى "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" ("المفوضية"). 

ووفقا لإحصاءات "المفوضية"، يقيم أقل من 120,000 من هؤلاء السوريين في مخيمات اللاجئين في المملكة، وترزح نسبة 86 بالمئة من اللاجئين المقيمين خارج هذه المخيّمات تحت خطّ الفقر. والأسوأ من ذلك هو أنّ الدعم المالي الدولي للاجئين في الأردن -وغيره من الدول المضيفة- غير كاف، ففي عام 2014، ناشدت الأمم المتحدة تأمين مبلغ 4,5 مليار دولار من التبرّعات لتوفير الغذاء الضروري وغيره من المساعدات للاجئين السوريين المستضعفين في جميع أنحاء المنطقة، بينما لم تتمكّن من تحقيق سوى 37 في المئة من مجمل هدفها التمويلي، تاركة الأردن يواجه عجزا بقيمة 724 مليون دولار، وفقا لـ"المفوضية لشؤون اللاجئين"، ما دفع "برنامج الأغذية العالمي" هذا العام لتقليص إعاناته الغذائية الشهرية الضئيلة أصلا، التي تصل قيمتها إلى سبعة دولارات، التي يستفيد منها آلاف السوريين في المملكة.

وفي الأسابيع الأخيرة، تسبب هذا الوضح في نزوح يومي لحوالي 150 لاجئا سوريا -أو 3,000 نازح شهريا- يختارون العودة إلى بلادهم الواقعة في أتون الحرب بدلا من البقاء في الأردن

ووفقا لتقارير صحفية أخيرة، أشار إليها الباحث، يقاوم الأردن الضغوط الأمريكية، رافضا دخول آلاف اللاجئين السوريين الوافدين من السويداء، وذلك بسبب المخاوف المتعلّقة بالأمن، كما يُقال. ونظرا إلى أنّ معظم اللاجئين السوريين يفرّ هربا من نظام الأسد، من شبه المؤكّد أنّ العمليات العسكرية الروسية القوية العشوائية، على ما يبدو، والداعمة للنظام السوري، سوف تفاقم المشكلة، وسط قلق خاص بالنسبة إلى عمان من احتمال أن تؤدي حملة روسية في الجنوب السوري إلى إشعال فتيل هجرة جماعية نحو الحدود الأردنية.

الأردن وأمريكا

وأشار الباحث إلى أن الكونغرس الأمريكي اتخذ في الأسابيع الأخيرة عددا من الخطوات لمساعدة الأردن على الصمود في وجه العاصفة بشكل أفضل، ومنها على سبيل المثال تمرير قرار مجلس النواب رقم 907، المعروف باسم "قانون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والأردن" لعام 2015، وذلك في شهر أيلول/ سبتمبر المنصرم. 

ونظرا لأن الأردن يحظى بدعم نادر من الحزبين الأمريكيين في الكونغرس، بحسب الباحث، فمن المرجح أن يمرر مجلس الشيوخ بسهولة مشروع القانون الذي يرفع وضع الأردن في "قانون مراقبة تصدير الأسلحة" إلى مصاف وضع "حلف شمال الأطلسي" وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل ونيوزيلندا، ما يتيح جملة عدد من الأمور، ومنها: تبسيطَ عملية شراء الأسلحة، وفتح آفاق جديدة للتعاون الدفاعي الثنائي، والحدّ من المتطلّبات البيروقراطية وشروط الإبلاغ التي تصرّ عليها وزارة الدفاع الأمريكية، والمتعلّقة بإجراء التدريبات مع الأردن.

وبالترادف مع هذه المبادرة التشريعية الأمريكية، تطلب عمان من الكونغرس والإدارة الأمريكية تقديم المزيد من المساعدات العسكرية للسنة المالية 2016/ 2017، لتشمل مروحيات من طراز "بلاك هوك" ومناظير متطوّرة للرؤية الليلية، وربّما أيضا عددا من الطائرات المسلّحة دون طيار، ما يساعد المملكة على التعامل مع التهديدات الإرهابية والأمنية الناشئة على الحدود، بحسب شينكر.

وأوضح الباحث أنه "إذا وافقت الإدارة الأمريكية على هذا الطلب، فإنّها سترفع خط الأساس الحالي للمساعدات الاقتصادية والعسكرية وضمانات القروض التي تؤمّنها واشنطن للمملكة، إلى أكثر من مليار دولار سنويا"، مشيرا إلى أن "سعر المروحية الواحدة من طراز بلاك هوك يبلغ 17 مليون دولار، وهي إذا ليست رخيصة"، موضحا أنه من المستبعد أن يعارض الكونغرس والإدارة هذا الطلب، أمام التهديد القادم من سوريا، بحسب قوله.

الخلاصة

وأشار الباحث إلى أن الانتفاضة في القدس، التي أصبحت تشكل إحراجا للملك عبد الله، قد تؤدي إلى إثارة السخط الشعبي في النهاية على اتفاقية عربية، ما يطال أيضا العصب التاريخي لدى الهاشميين، الذين تولّوا حتى عام 1925 إدارة المواقع الإسلامية المقدّسة في مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة، مشيرا إلى أن المحادثة الهاتفية في 17 أيلول/ سبتمبر بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي ناقشا فيها "التصعيد الإسرائيلي" في القدس، قوبلت من جانب عمان بازدراء كبير.

ومع ذلك، استدرك الباحث أن التطوّرات في القدس تعدّ قضية ثانوية نسبيا بالنسبة إلى الأردن إذا ما قورنت بأزمة اللاجئين السوريين، التي قد تزداد سوءا في ظل التدخل العسكري الروسي.

واعتبر الباحث أن التشريعات الأردنية الجديدة أمام البرلمان تشير إلى أن الملك أصبح الآن مرتاحا لتحييد جماعة "الإخوان المسلمين"، أقوى أقطاب المعارضة السياسية الداخلية للعاهل الأردني، إلا أن الخطر الذي يشكّله تنظيم الدولة بأيديولوجيته من وراء الحدود -إن لم يكن خطر الجهاديين أنفسهم- لا يزال مصدر قلق كبير، لا سيما في ظلّ التحديات الاقتصادية التي يفرضها اللاجئون.

وأوضح شينكر أن سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي تنتهجها إدارة أوباما -التي تسمح للروس والإيرانيين بالغوص في المستنقع السوري- لن تفعل شيئا يُذكر لحماية الأردن إذا ازداد الوضع تدهورا، داعيا، بالإضافة إلى تمرير "قانون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والأردن" وتأمين المعدات العسكرية الإضافية، إلى زيادة واشنطن دعمها الإنساني للمملكة للمساعدة في التخفيف من عبء أزمة اللاجئين طويلة الأمد.

واختتم الكاتب بقوله إن "الأهم من ذلك هو أن تتغلب واشنطن على تردّدها، قبل تحرّك روسيا المتوقّع نحو الجنوب السوري، فتبدأ بإنشاء تحالف، وتلتزم علنا بإنشاء ودعم منطقة آمنة لإيواء اللاجئين في جنوب سوريا"، بالإضافة لتعزيز الولايات المتحدة استقرار الأردن من خلال تقديم المساعدة للاجئين الحاليين في المملكة، والحدّ من احتمالات تدفق موجة هائلة أخرى من المهاجرين، فالمساعدات الأمنية وحدها، على الرغم من قيمتها الملحوظة، قد لا تكون كافية للحفاظ على أكثر شركاء واشنطن العرب موثوقية، بحسب تعبير شينكر.