ملفات وتقارير

عمّ يبحث محمود عباس الطائر بين القاهرة وعمّان؟

الرئيس الفلسطيني محمود عباس - أرشيفية
لم يختلف كثيرا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن العالم الإندلسي عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني، مخترع فكرة الطيران الجوي، الذي بحث من خلال محاولته استخدام جناحين في محاولة منه للطيران، بالقرب من قصر الرصافة فكانت أعظم إنجازاته محاولة الطيران هذه، هذا بخصوص عباس الإندلسي.

أما عباس الرئيس أو عباس الطائر، الذي بدأ الطيران مبكرا ما بين القاهرة وعمان، وقوفا برام الله، باحثا ومناقشا فكرة استقالته من السلطة الوطنية الفلسطينية، أو استمراره في مهام الرئاسة رغم انتهاء ولايته دستوريا في 9 كانون الثاني/ يناير 2009، وذلك بسبب ظروف العدوان الإسرائيلي على غزة، إلا أن الحرب انتهت وجاء عدوان ثان وثالث، وما زال عباس رئيسا. 
 
ما بين الإندونيسي والفلسطيني، ثمة اختلاف في المضمون لا الجوهر، فعباس الأول حاول الطيران من باب التجربة، إلا أن الثاني يحاول الطيران من أجل الحفاظ على التجربة، ممثلة ببقائه في رئاسة السلطة، بل وتوسيع نفوذه.
 
الطائر يريدُ عشا من ضغوط عربية 

وكشف أمين مقبول، أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، لـ"عربي21"، أن الرئيس الفلسطيني عباس ناقش مع رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي خلال لقائهما الأسبوع الفائت في القاهرة قرار استقالته. 
 
وقال مقبول إن الرئيس ناقش أيضا أزمة المجلس الوطني، وكافة الملفات العالقة على الساحة الفلسطينية فيما "نصح" السيسي الرئيس بعدم الاستقالة والابتعاد عن المشهد السياسي في هذه الفترة الحساسة من تاريخ القضية الفلسطينية.
 
وشدد مقبول على أن تأجيل اجتماع المجلس الوطني هو سيد الموقف حتى إشعار آخر ريثما تتضح الظروف والأجواء المناسبة لانعقاده، مضيفا أن عباس اعترض على طلب اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تأجيل انعقاد المجلس، مؤكدا أن الرئيس يرغب بعقد جلسة المجلس الوطني في موعدها المقرر.
 
وشكك مراقبون بنيّة عباس الاستقالة والابتعاد عن المشهد، وذهبوا إلى أنه يبحث عن ضغوط عربية للبقاء في رئاسة السلطة، هو الذي طالما سخّر الظروف والمناسبات لتكريس اسمه في الرئاسة.
 
ماذا يريد عباس؟ 

ويرى المحلل السياسي ياسر الزعاترة أن الجلبة التي قام بها محمود عباس "ليس إرهاصات استقالة، وهو لا يفكر في الاستقالة، بل ما يريده هو تكريس سيطرته المطلقة على منظمة التحرير بعد أن أصابها بعض العطب من خلال اختراقات أحدثها محمد دحلان، وسيفعل مثل ذلك داخل حركة فتح أيضا، والتي يتمتع فيها دحلان أيضا باختراقات معتبرة". 
 
وأضاف الزعاترة لـ "عربي21" إن "زيارته للقاهرة تضمنت شكاوى من إفساح الإعلام المصري لدحلان بأن يهاجمه، كما أنها قبل ذلك محاولة لاستمالة السيسي الذي كان ولا يزال يفضل محمد دحلان، من دون أن يقطع مع عباس بوصفه القائد المعترف به دوليا". 
 
ويتابع الزعاترة حديثه قائلا: "المهم في كل هذه الجلبة، وذلك الصراع مع دحلان هو أنه صراع شخصي، ولا صلة بينه وبين القضية الفلسطينية، فقد حوّل عباس حركة فتح إلى حزب سلطة تحت الاحتلال، وهو يقود السلطة والحزب، ومنظمة التحرير في هذه اللعبة مجرد ديكور لا أكثر". 
 
وأكد الزعاترة أن "القضية في حالة تيه مع عباس، وفي ظل حشر حماس في مشاكل قطاع غزة واستهدافها في الضفة، ولن يخرج القضية من هذا التيه سوى انتفاضة شعبية شاملة"
 
انفتاح جديد بعد برود العلاقة بين عمان ورام الله 

الطائر عباس كما يفضل أن يلقبه ناشطون فلسطينيون، سَخّر كل طاقته في الفترة الحالية أي قبل انعقاد جلسة اجتماع المجلس الوطني، لتعزيز العلاقة بينه وبين القاهرة، إضافة إلى الأردن.
 
وأكدت مصادر مقربة من رئاسة السلطة تحدثت لـ"عربي21"، وجود انفتاح جديد في العلاقة بين عمان ورام الله، بعد برود فعلي دام لأشهر عديدة، منذ التوجه الفلسطيني الرسمي عبر المملكة إلى مجلس الأمن لطرح مشروع الدولة وإنهاء الاحتلال. 
 
وتقدر تلك المصادر أن ذلك بدأ منذ حديث مسؤول ملف المفاوضات، صائب عريقات، عن أن السلطة ماضية في التوجه إلى مجلس الأمن، ولكن من دون تنسيق مع عمّان. الأردن اعتبر تصرف عريقات "غير لائق ومهين، خاصة أنه يرى في نفسه "شريكا رئيسيا في رسم الخطوات التي تسير عليها السلطة"، فيما اتجهت الأخيرة نحو أوروبا لتعديل الصياغات. 
 
وأخيرا، وصف رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، أن ما تمارسه السلطة هو "حرد سياسي"، منتقدا "نكوص رام الله عن مراجعة عمان عند تقديم مشروع الدولة الفلسطينية".
 
 وبالمتابعة، فإن عباس لم يعد يزور الأردن كثيرا بعدما كان ضيفا دائما على القصر الملكي، بل كان اللقاء معه بندا ثابتا على أجندة الاجتماعات الدورية، بمعدل مرة كل شهر على الأقل، والآن يمر عبرها للسفر إلى الخارج فقط، أي كـ"ترانزيت"، على حد وصف الكاتب الأردني فهد الخيطان. 
 
إلا أن عباس تدارك الحرد الذي كان يمارسه بحق عمان، وعالج القضية خلال الفترة الماضية، من خلال عدة زيارات ومشاورات مع الملك الأردني عبد الله الثاني، مناقشا القضايا المختلفة، ومن بينها استقالته، بالإضافة إلى زيارات رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد لله إلى عمان، مؤكدا قوة العلاقة ما بين الطرفين، فيما أشارت معلومات صحفية، أن النظام الأردني أبلغ عباس بأن استقالته في الوقت الحالي قد تكون سيئة لملف القضية الفلسطينية.
 
عمان والقاهرة معنيتان بالطائر 

وأكد الكاتب السياسي عامر السبايلة، أن عمان والقاهرة معنيتان بعدم استقالة عباس، ليس حبا به، لكن خوفا من سيناريوهات الفوضى، التي يمكن أن تشكلها هذه الخطوة، خصوصا أنها ترتبط بأجندة عباس الخاصة".
 
وتابع السبايلة حديثه لـ"عربي21" قائلا: "فيما لو افترضنا أن عباس يريد ترتيب موضوع وشكل القيادة الفلسطينية القادمة، حيث لو خرج من الرئاسة يضمن خروجه بطريقة آمنة، فبالتالي هناك ترتيبات كثيرة يجب القيام بها الآن، على مستوى القاهرة وعمان وإسرائيل".
 
 وأكمل السبايلة "والجزء الثاني فإن عباس يريد ويحاول إعادة تشكيل المجلس الوطني، بحيث يضمن مرور أي قرار قد يتعب هو بترتيبه".
 
الطائر عباس ابن محمود يبحث بطرق مختلفة، طريقة مبتكرة لاستمراره في الرئاسة، في ظل اقتحامات متتالية لقوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة، ومحاصرة المصلى القبلي المسقوف، والاعتداء على المعتكفين بداخله.