-خرجت من دمشق بعد اعتقالي من قبل النظام السوري لمدة ثلاثة أشهر تعرضت خلالها للتعذيب والضرب.
-ساعدني والد زوجتي لأفتح محلا للحلاقة في عين العرب
كوباني، لننتقل منها بعد هجوم تنظيم الدولة
-تعرضت للاستغلال حيث عملت في تركيا أعمالا شاقة لا يتجاوز أجرها اليومي 40 ليرة.
-السفارة الكندية رفضت طلب لجوئي للانضمام إلى أختي المقيمة هناك.
-في المحاولة الثالثة لركوب البحر انقلب قاربنا توفي ولديّ واحدا تلو الآخر، ولم أعثر على زوجتي.
-بقينا ثلاث ساعات نستنجد في عرض البحر قبل أن يتم إنقاذنا.
-أثناء وصولي إلى مشفى أزمير جاءت عائلة من مدينتي للاطمئان علي وهي تفكر بخوض غمار رحلتي نفسها.
-أما الآن وبعد
غرق عائلتي سأبقى في مدينتي وسأحاول الإسهام في إعمار ما دمرته الحرب ولن أفكر في السفر مرة أخرى.
"شكرا أيها البحر لأنك استقبلتني من دون جواز سفر أو تأشيرة دخول"، عبارة لطالما رددها سوريون بعدما خاضوا غمار البحر، وصولا إلى اليونان، في طريق رحلتهم إلى أوروبا، إلا أن زوجة "عبد الله الشنو" وطفليها "إيلان وغالب" لم يستطيعوا حتى لفظ كلمة بعد انقلاب المركب الذي كان يقلهم وغرقهم، ونجا رب الأسرة "عبد الله" الذي عاد أدراجه إلى مسقط رأسه عين العرب كوباني المدمرة بريف حلب، ليدفن بيده أفراد عائلته، ويبقى وحيدا، فهو ليس فقط لم يستطع الوصول إلى حلمه بحياة هنيئة في أوروبا بعد أن طردته الحرب من بلاده والاستغلال من أرباب العمل في تركيا، بل عاد محملا بأقسى ما قد يتحمله إنسان من المصائب والفواجع، ليقرر عدم السفر مرة أخرى والبقاء في مدينته والمساهمة في إعمار ما دمره.
"
عربي21" أجرى لقاء خاصا مع "عبد الله الشنو كردي" والد الطفل السوري الغريق "إيلان" الذي فجعت صورته العالم أجمع وكان الحوار التالي:
* بداية، دعنا نتعرف عليك وعلى عائلتك الفقيدة ؟
- اسمي "عبد الله الشنو"، أبلغ من العمر 40 عاما من مدينة كوباني "عين العرب"، كان لدي زوجة وطفلان، غالب يبلغ من العمر أربع سنوات ونصف، و"آلان" ويبلغ عامين ونصف.
* هلا حدثتنا عن حياتك قبل مجيئك إلى تركيا ؟
-سكنت في العاصمة دمشق، منذ سنوات طويلة، وكنت أعمل في مهنة الحلاقة، إلى أن اندلعت الثورة السورية في ربيع 2011، أحد المخبرين كتب عني تقريرا وكانت وشاية كاذبة، فأودعت في أحد سجون النظام السوري لمدة ثلاثة أشهر، وتعرضت للضرب والتعذيب إلى أن خرجت في نهاية 2011، قررت إثر الحادثة الخروج من دمشق والذهاب إلى عين العرب مسقط رأسي في بداية 2012، وكانت حالتي المادية يرثى لها، حيث قام والد زوجتي بمساعدتي وتكفل بمصاريف فتح محل الحلاقة الذي عملت فيه، وبعد عام ونصف دخلت المدينة في دائرة الصراع بين تنظيم الدولة من جهة وقوات التحالف والحماية الكردية من جهة أخرى، ما اضطرني إلى النزوح مجددا واللجوء إلى تركيا.
* لماذا قررت الذهاب إلى تركيا، وكيف كان وضعك فيها؟
-لم يعد بمقدوري العمل فقد نزح قسم كبير من الأهالي، جراء تدمير المدينة وتفاقم الأوضاع الإنسانية فيها، فخرجت وعائلتي وسافرت إلى إسطنبول بحثا عن العمل، حاول البحث عن عمل في مجال الحلاقة إلا أنه لم يكتب لي التوفيق في هذا المجال لاعتبارات الهجرة غير الشرعية فلم يكن لدينا أوراق ثبوتية، لذا قررت العمل بالخياطة، وكنت أتقاضى مرتبا قليلا لا يتجاوز 650 ليرة تركية، وكانت أجرة بيتي 400 ليرة، وبسبب هذه الظروف لم أستطع العيش بسبب الأعباء الكثيرة، فاضطررت إلى ترك العمل والبحث عن عمل آخر، وعملت بمجال الإنشاءات وهو عمل شاق بأجرة يومية لا تتجاوز الـ "40" ليرة تركية، وهذا كان لا يكفيني في قوت يومي، عدا عن الاستغلال الذي تعرضت له، ما جعلني أفكر في الهجرة.
* قبل الهجرة، ألم تفكر في التسجيل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللجئين في تركيا؟
- نعم سجلت بمفوضية الأمم المتحدة للاجئين السوريين، منذ عام ونصف تقريبا، إلا أنه لم يتم تسفيري إلى إحدى دول اللجوء، كما هو حال عشرات الآلاف ممن سجلوا هناك أيضا.
* وهل حاولت بطرق أخرى، غير الهجرة غير الشرعية؟
- نعم حاولت السفر إلى كندا من خلال تقديم طلب اللجوء إليها، باعتبار أن أختي مقيمة فيها، إلا أن الحكومة الكندية لم توافق، فبعد أكثر من عام على تقديم الطلب جاء الرد بالرفض القاطع.
* كيف قررت السفر بعدها، حدثنا بالتفصيل، ماذا حصل معك؟
- طلبت من أختي المقيمة في كندا تحمل مصاريف الهجرة، وتركت أولادي في إسطنبول وذهبت إلى محافظة إدرنة ودفعت لأحد المهربين مبلغ 500 يورو، كي يهربني إلى بلغاريا، ومنها إلى ألمانيا، إلا أن المهرب كان محتالا، وتركني قبل أن أقطع الحدود، وعدت إلى إسطنبول للعمل في مجال الإنشاءات، لتبوء المحاولة الأولى بالفشل.
بعدها انتقلت وعائلتي إلى مدينة أزمير الساحلية، الإثنين بتاريخ 25 آب/أغسطس الماضي، واتفقت مع مهرب سوري يقلني إلى جزيرة تابعة لليونان عبر
قارب سريع، كان الاتفاق وصول القارب خلال ساعة إلى إحدى الجزر مقابل دفع 8000 يورو لكل أفراد عائلتي، وتكون الطريقة بوضع المبلغ لدى مكتب تأمين تابع لأحد فنادق أزمير، ولدى وصولي وعائلتي إلى اليونان اتصلت بالمكتب كي يعطي المبلغ للمهرب. إلا أنه بعد انطلاق القارب من شاطىء بودروم بـ 10 دقائق، حدث عطل في محرك القارب، وتم الاتصال بخفر السواحل التركي الذي انتشلنا وأعادنا إلى أزمير.
المحاولة الثانية كانت عبر قارب مطاطي "بلم" حيث كان يقل ما يقرب من 40 راكبا وانطلق بنا، إلا أن خفر السواحل التركي أجبرنا على العودة باعتبار أن القارب غير مطابق لمقاييس السفر عبر البحر، لأحاول للمرة الثالثة، قبل أيام وحصل ما حصل معي ومع عائلتي.
* فصل لنا حادثة الغرق المأساوية وتلك اللحظات المؤلمة التي عشتها ؟
- المحاولة الأخيرة كانت الرحلة عبر القارب نفسه، ففي الأربعاء الماضي 2 أيلول/سبتمبر، وبعد الساعة 12 ليلا، انطلق القارب المطاطي وعليه 12 راكبا من ضمنهم أنا وزوجتي وطفلاي، بعد أن سار القارب مدة أربع دقائق ونصف أتت موجة كبيرة اقتربت من القارب، عندها شعر السائق التركي أن القارب سيغرق فرمى بنفسه في البحر وترك القارب وركابه يلقون مصيرهم بأنفسهم، فأتت الموجة وضربت القارب بقوة لينقلب القارب بمن فيه، فهوى كل من في القارب في عرض البحر وحاولت إنقاذ ابني الكبير غالب الذي كان بقربي، إلا أنني لم استطع إنقاذه، فغرق في عمق البحر وعندما أيقنت أنه مات توجهت لأنقذ ابني إيلان ذو العامين والنصف، إلا أنه فارق الحياة أمامي، وحاولت البحث عن زوجتي، إلا أنني لم أجدها وبقيت ما يقرب من ثلاث ساعات في البحر أنادي وأصرخ بأعلى صوتي عسى تأتي سفينة للنجاة.
* كيف تم إنقاذك والباقين؟
- أحد الركاب الذي يجيد السباحة استطاع الوصول إلى شاطىء مدينة أزمير واتصل بأقرب نقطة لخفر السواحل التركي التي أنقذتني والباقين.
* من الناجون ومن الغرقى؟
- الناجون رجال ونساء وأطفال، تم إنقاذهم من قبل خفر السواحل، والغرقى هم زوجتي وأربعة أطفال، من ضمنهم ولداي، حيث تدافعتهم الأمواج لتلقي بهم إلى الشاطىء.
* كيف تمت عملية نقل ودفن جثامين عائتلك؟
- قامت الحكومة التركية بتأمين إيصال جثامين عائلتي إلى مدينتي كوباني في سوريا، حيث تم دفنهم في موكب مهيب حضرته شخصيات تركية رسمية.
* ماذا ستفعل بعد هذه الفاجعة الكبيرة التي ألمت بك؟
- لم يبق لي أي بارقة أمل بعد موت عائلتي، أما الآن وبعد ذهاب عائلتي سأبقى في كوباني وأحاول أن أبني وأفراد المدينة ما دمرته الحرب ولن أفكر بالسفر مرة أخرى لأوروبا حتى لو تم تسفيري عن طريق الأمم المتحدة، فقد كنت أرغب في السفر من أجل عائلتي، وقد رفضت أيضا الجنسيتين التركية والكندية اللتين عرضتا علي.
* برأيك هل ستستمر أزمة تدفق اللاجئين السوريين عبر البحر أم ستتوقف؟
- ستستمر أزمة تدفق اللاجئين كون الوضع في سوريا من سيئ إلى أسوأ، سيحاول السوريون العبور نحو أوروبا حتى لو قامت السلطات الأوروبية باتخاذ تدابير صارمة، فأثناء وصولي إلى مشفى أزمير وتماثلي للشفاء، أتت عائلة كي تطمئن على حالي وكانت قادمة من كوباني، فعندما سألتهم لماذا أتيتم إلى هنا، قالوا إننا أتينا وأطفالنا كي نسافر تهريبا إلى اليونان، فقلت لهم ألم تاخذوا عبرة من قصتي فأجابوني، السفر ومجابهة الموت أفضل من البقاء في كوباني التي لا توجد فيها فسحة للأمل.
* ماذا تتمنى للسوريين؟
- أتمنى أولا وأخيرا أن تتوقف الحرب الظالمة على الشعب السوري، كي ينعم من تبقى منهم بالسعادة والاستقرار، وأتمنى من دول أوروبا أن تهتز مشاعرها لحوادث موت وغرق الأطفال والنساء الذين يبحثون عن حياة آمنة، وتسهل مرورهم.