ملفات وتقارير

معهد واشنطن: ماذا سيترتب على حرب تركيا على حزب العمال؟

اندلع الصراع بين تركيا والأكراد قبل شهر تقريبا عندما قتل الأكراد ضابطين تركيين (أرشيفية) - أ ف ب
نشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ورقة بحثية ناقش بها تبعات العملية العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني، مشيرا إلى الآثار السياسية والإقليمية للعملية.

وقال الباحث سونر جاغابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في المعهد، إن فرص إجراء الانتخابات المبكرة في البلاد ازدادت بعد الانهيار الأخير في محادثات تشكيل حكومة انتقالية بين "حزب العدالة والتنمية"، و"حزب الشعب الجمهوري"، معتبرا أن هذه من المناورات السياسية لأنقرة تجاه "حزب العمال الكردستاني".

تاريخ الصراع

وحول خلفيات الصراع، قال الكاتب إن الولايات المتحدة والناتو وأنقرة يعتبرون "حزب العمال الكردستاني" منظمة إرهابية، خاضت ضدها تركيا حربا لأربعة عقود قبل بدء مفاوضات سلام عام 2012، مع مؤسس الحزب عبد الله أوجلان، صاحب الشخصية الجذابة ذات النفوذ الهائل في الحزب والحركة القومية الكردية.

وكانت أنقرة تأمل أن تنزع محادثات السلام مع الحزب فتيل الصراع، وتنهي التوتر مع فرع الحزب في سوريا: "حزب الاتحاد الديمقراطي"، الذي برز مؤخرا عبر قتاله ضد تنظيم الدولة في سوريا، خصوصا في الحملة الدولية ضد التنظيم في كوباني.

وتابع الباحث بقوله "في 20 تموز/  يوليو، أثار هجومان قاتلان ردّ فعل تركي، فقد أودى تفجير انتحاري تبناه تنظيم الدولة، واستهدف بلدة سوروج الكردية في تركيا، التي تقع على الحدود مع كوباني، بحياة 32 شخصأ، مما سرّع قرار أنقرة بالسماح للولايات المتحدة باستخدام القواعد التركية لشنّ غارات ضدّ أهداف تنظيم الدولة في سوريا، بعد أكثر من عام من المفاوضات حول هذه المسألة".

وتابع "وفي اليوم نفسه، قتل "حزب العمال الكردستاني" ضابطأ عسكريأ وأصاب جنديين في محافظة أديامان جنوب شرق البلاد، وجاء الاعتداء بعد يومين من مقتل ضابطَي شرطة في بلدة تقع قرب سروج وتُدعى جيلان بينار"، مشيرا إلى أن الحزب اعتبر أن الضباط كانوا متواطئين في الهجوم الذي شنه تنظيم الدولة في سوروج.

 وردّأ على ذلك، شنّت أنقرة سلسلة من الهجمات في 24 تموز/ يوليو استهدفت الحزب، فقصفت قواعده على طول جبال قنديل داخل منطقة حكومة إقليم كردستان في العراق، بينما ردّ "حزب العمال الكردستاني" عبر زيادة هجماته، الأمر الذي أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 21 من ضباط الأمن التركي منذ ذلك الحين.

واستدرك الباحث بقوله أنه "على الرغم من تنامي أعمال العنف، لا يبدو أنّ تركيا سوف تدخل مرحلة كارثية من سفك الدماء، على غرار ما حصل في التسعينيات، عندما أودى الصراع بحياة المئات شهريا"، مشيرا إلى أن البلاد تشهد فترة من الصراع المضبوط، حيث لا يسعى الحزب ولا الحكومة إلى التصعيد نحو حرب شاملة.

الدوافع

واعتبرت الورقة البحثية للمعهد أن هدف أنقرة الرئيسي من العملية العسكرية هو إضعاب الحزب، في حين أكد بعض المحللين أن الحزب استفاد من محادثات السلام ليؤسس دولة سرية جنوب شرق تركيا، يكملها الاعتماد على المحاكم ومكاتب الضرائب ويديرها الأكراد و"الجماعة"، مما يشكل البنية التحتية الأولية لحكم ذاتي كردي محتمل في المستقبل، بينما يعتقد الرئيس التركي رجب أردوغان أن الضربات المحدودة قد تضغط على الجماعة للعودة للمفاوضات، كما حصل في الماضي.

أما دوافع الحزب لضبط العنف، فهي تنبع من تعزيز موقعه العسكري في قلب الحركة القومية الكردية في تركيا، إذ إن الجناح السياسي للحركة "حزب الشعوب الديمقراطي" قطع شوطا سياسيا كبيرا، عبر دمج مختلف العناصر الليبرالية واليسارية، مما أدى لازدياد الدعم الذي يحظى به "حزب الشعوب الديمقراطي" بأكثر من الضعف، ليرتفع من 6.5 في المائة من الأصوات في انتخابات عام 2011 إلى أكثر من 13 في المائة في الانتخابات البرلمانية في حزيران/ يونيو 2015، وقد تُرجم هذا الازدياد إلى 80 مقعدأ من أصل 550 في المجلس التشريعي التركي، مما منح "حزب ديمقراطية الشعوب" ثالث أكبر كتلة، وأقامه قوة سلمية لا يُستهان بها في السياسة التركية.

أما الآن، يهدف "حزب العمال الكردستاني" من خلال اعتماده على أعمال العنف مجددا إلى سحب البساط من تحت "حزب الشعوب الديمقراطي" وقائده ذو الشخصية الجاذبة صلاح الدين ديمرتاش.

الفائزون والخاسرون

واعتبر الباحث أن الفائزين من بقاء القتال محدودا وانتهاء الصراع قريبا، هما كل من أردوغان وأوجلان.

فمن ناحية، سيظهر أردوغان بمظهر "الرجل القوي" الذي هزم "حزب العمال الكردستاني"، مما سيساعد "حزب العدالة والتنمية"، إذا أجريت انتخابات مبكرة كما هو محتمل، بسبب فشل المحادثات مع "حزب الشعب الجمهوري"، من أجل تشكيل حكومة ائتلافية.

ومن ناحية أوجلان، فهو لم يتحدث علنا ضد القتال حتى الآن، وليس هناك شك أنها ستنتهي إذا ما دعا لوقفها في المدى القريب، إذ إن من شأن ذلك أن يعيد إحكام قبضة أوجلان على الحركة الكردية، ويثبت للأكراد أنه الوحيد القادر على تحقيق السلام، وقد يحاور أردوغان في المفاوضات.

أما الخطر الذي يحيط بأوجلان، فهو إمكانية خروج أعمال العنف عن السيطرة في الأشهر المقبلة، إذ إن العديد سيرفضون قبوله مجددا بأي دور في محادثات السلام المستقبلية، كما أن ذلك سيؤدي لانخفاض أسهم "حزب العدالة والتنمية"، إذا تحول القتال لحرب شاملة، بحسب الورقة.

ولذلك، يتوقع الباحث أن يدعو أوجلان لوضع حد لأعمال العنف بأقرب وقت ممكن، وقبل تشرين الثاني/ نوفمبر، موعد الانتخابات النيابية المبكرة المحتمل، مما قد يشكل حجر عثرة في طريق "حزب العدالة والتنمية"، في استطلاعات الرأي المؤدية إلى انتخابات مبكرة، بحسب الورقة.

أين هي أمريكا؟

أما أمريكا، فقد توقع الباحث أنها ستواصل الدفاع عن حق تركيا بحماية نفسها من اعتداءات "حزب العمال الكردستاني"، كما سترسم خطا فاصلا بين الهجمات التي تستهدف "الجماعة"، وتلك التي تستهدف "حزب الاتحاد الديمقراطي"، المقاتل النشط ضد تنظيم الدولة.

ومع سرور واشنطن من انضمام تركيا لحملتها رسميا، عبر انطلاق طائرات أمريكية من قاعدة إنجرليك التركية في 12 آب/ أغسطس، فإن ذلك لا يعني أنها ستتخلى تماما عن "حزب الاتحاد الديمقراطي" مقابل الدعم التركي، مما سيدعو واشنطن للضغط على أنقرة لكي لا تستهدف "حزب الاتحاد الديمقراطي"، مما قد يؤدي لتصدعات بين "حزب العمال الكردستاني"، و"حزب الاتحاد الديمقراطي"، مما سترحب به كل من أنقرة وواشنطن، بحسب ما اختتم الكاتب ورقته.