ملفات وتقارير

الإعلام المصري يسعى لتلميع صورة السيسي "الإنسان"

السيسي يتجاهل مئات المصريات المنتهكات في سجونه بعد الانقلاب ـ أرشيفية
لا تترك السطات المصرية فرصة، إلا وتحاول رسم صورة زاهية للرئيس المصري بعد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، بتصدير صورة لـ"السيسي الإنسان"، إلى الشعب المصري، في محاولة لزيادة شعبيته بين عوام المصريين، عبر صورة إعلامية "مصنوعة" مخابراتيا.

ولترويج هذه الصورة، يعتمد الإعلام المصري، بالدرجة الأولى، على إبراز عطف السيسي على نساء مصريات محرومات من أبسط حقوقهن في الحياة الكريمة، فيتدخل السيسي، باعتباره رئيس الدولة، برغم مشاغله، استجابة لاحتياجاتهن، وتحقيقا لمطالبهن.

إنها قصة تكررت كثيرا، وبالتفاصيل نفسها تقريبا، سواء مع الحاجة كريمة، أم الحاجة "نجيبة"، أم الحاجة صيصة، أم زينب المكفوفة، أم ليلى المتشردة، أم "أم أشرف" التي أهانها الإخوان!

وكلها يأتي ذكرها في وسائل الإعلام المصرية، من وقت لآخر، في وقت تذكر فيه مصادر حقوقية أن أكثر من 235 امرأة مصرية، تم اعتقالهن على أيدي قوات الأمن، ومورست بحقهن شتى وسائل التنكيل والعذاب، في سجون السيسي، دون أن يلقي لهن السيسي بالا، أو أن يهتم ذلك الإعلام بتوجيه إشارة إليهن، ولعل أبرزهن "الحاجة سامية شنن" المدانة بالإعدام في القضية المعروفة بـ"أحداث كرداسة"!

قصة الحاجة "كريمة"

أحدث قصة تناولها الإعلام المصري لعطف السيسي على نساء مصر الفقيرات ظهرت قبل أيام.. هي قصة "الحاجة كريمة".

وقد أوردت تفاصيلها صحيفة "اليوم السابع"، الصادرة الجمعة 24 نيسان/ أبريل 2015، فقالت: "في لفتة إنسانية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، استجاب الرئيس لما نشرته جريدة "اليوم السابع" الخميس حول الحاجة "كريمة"، التي طالبت بترميم البيت الذى تعيش فيه مع أسرتها بقرية عرب العطيات في محافظة أسيوط، الذى أوشك على الانهيار..

فأمر السيسي باتخاذ اللازم لتوفير منزل للحاجة كريمة التي تعول 6 من الأبناء، حيث تعيش في بيت بلا سقف، ومغطى بأوراق الكرتون".

إيداع "ليلى" دار المسنات

انتشرت مأساة "ليلى" على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الأحد 19 نيسان/ أبريل 2015، فهي سيدة مسنة مريضة بالشلل، وتسكن في كشك خشبي صغير بالشارع بجوار سور المستشفى الأميري بالإسكندرية منذ 5 سنوات، وكانت تعمل بالخياطة في أكبر أتيليه لفساتين العرائس بالإسكندرية، وكانت تمتلك منزل من ميراث والدها، لكن تمت إزالته، فلم تجد مأوى لها سوى الشارع، فافترشت الأرض بجوار سور المستشفى، واعتمدت على مساعدات المارة.

وقالت وسائل إعلام (الاثنين 19 نيسان/ أبريل 2015): "في استجابة سريعة من الرئيس السيسي، وتلبية لمطالب المواطنين، وجه الرئيس، وزارة الشؤون الاجتماعية، ومحافظ الإسكندرية، هاني المسيري، بسرعة إيداع السيدة ليلى صالح أحمد (50 سنة) بأحد دور السيدات المسنات، وتقديم كافة الخدمات الصحية والرعاية الكاملة لها، وأن تتكلف الشؤون الاجتماعية بكامل تكاليف إقامتها وعلاجها".

حلم "نجيبة" يحققه السيسي

قبل الحادثة السابقة بعشرة أيام فقط، وتحديدا يوم الخميس 9 نيسان/ أبريل الجاري، أبرز الإعلام المصري قصة "الحاجة نجيبة"، التي قيل إن السيسي استجاب لها، وحقق حلمها، الذي لم يحققه كل من مبارك ومرسي، بترميم منزلها الآيل للسقوط، في محافظة المنيا.

وتحت عنوان "حلم نجيبة يتحقق على يد السيسي بعد تجاهل مبارك ومرسي"، قالت المصري اليوم (10 نيسان/ أبريل 2015): "لم تكن الحاجة نجيبة أحمد خلف، التي تبلغ من العمر 75 عاما، تتخيل أن يستجيب الرئيس عبدالفتاح السيسي لمناشدتها التي أطلقتها عبر "فيس بوك"، عن طريق أحد أبناء منطقتها، بترميم منزلها الذى تعيش فيه مع ابنتها، وحفيديها، ويوشك على الانهيار، بمركز سمالوط بالمنيا، الذى تبلغ مساحته 35 مترا، خاصة أنها ناشدت من قبل الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي، دون جدوى".
 
واختارت الأهرام أن تقول: "في استجابة سريعة من الرئيس عبد الفتاح السيسي لمناشدة إحدى السيدات المصريات بترميم منزلها الذي أوشك على الانهيار، كلف الرئيس الأجهزة التنفيذية بمحافظة المنيا بالبدء في ترميم المنزل، حيث تم نقل أسرة "الحاجة نجيبة" صاحبة المنزل إلى منزل آخر لحين الانتهاء من أعمال الترميم".

ومن جهتها، عرضت فضائية "المحور" عبر برنامجها "90 دقيقة" حالة الحاجة نجيبة، التي قالت خلال التقرير: "البيت هيقع علينا، وعاوزين الرئيس يبني البيت، وأنا انتخبته 3 مرات".

وبعد ساعات من استجابة السيسي، حلت الحاجة نجيبة في ضيافة برنامج "يحدث في مصر" مع الإعلامي شريف عامر، أكدت فيه أنها تدعو للرئيس من قلبها بأن يوفقه في قيادة مصر، قائلة: "الله يطول عمره، ويخليه".

مقابلة الحاجة "صيصة"


تعود قصة الحاجة صيصة إلى حصولها على لقب الأم المثالية في محافظة الأقصر، إذ تنكرت في ملابس الرجال لمدة 42 عاما للعمل، وتربية ابنتها.

وفي يوم السبت 21 آذار/ مارس الماضي، وجه السيسي تحية إلى أمهات الشهداء المُكرمات، وللأم المثالية المعيلة من محافظة الأقصر: صيصة حسانين، التي اضطرتها ظروف الحياة إلى التنكر في زي الرجال لمدة أربعين عاما، مقدرا تضحيتها وإنكارها لذاتها من أجل تربية أبنائها.

وقال مسؤولون في الرئاسة المصرية إن الرئيس عبد الفتاح السيسي طلب مقابلة الحاجة صيصة، مؤكدين تلقيها اتصالا من الرئاسة للحضور لمقابلة الرئيس.

ومن جهتها، قالت الحاجة صيصة -خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "90 دقيقة" على شاشة "المحور"- إنها حجزت الأتوبيس لمقابلة الرئيس.

وتعليقا على تكريمها من السيسي، قالت: "السيسي زي العسل.. وربنا يستره، ويبارك فيه". وأضافت -خلال مداخلة مع برنامج "الحياة اليوم" مع لبنى عسل، على قناة "الحياة"- إن ظروف الحياة اضطرتها إلى التنكر في زي الرجال لمدة أربعين عاما.

وطلبت من الإعلامي أحمد شوبير السعي لتوفير شقة لها من خلال وزارة التضامن الاجتماعي، وهو ما أثار دهشته لأنها كانت منذ أيام في لقاء مع الرئيس لتكريمها ولم تطلب منه شيئا، واكتفت بالدعاء له.

استقبال "زينب" المكفوفة

يوم الاثنين 28 تموز/ يوليو 2014، عرض التليفزيون المصري فيديو استقبال السيسي بمقر الرئاسة بمصر الجديدة، لسيدة تدعى "زينب" في التسعين من عمرها، كانت تبرعت بقرطها الذهبي لصالح صندوق "تحيا مصر".

و"زينب" امرأة كفيفة من قرية منية سندوب، التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، تبرعت قبل نحو أسبوع من اللقاء بقرطها الذهبي، لصالح صندوق "تحيا مصر" بعد أن رأت "السيسي" في المنام، على حد قولها!

وبعد رفض البنك أخذ القرط الذهبي، لأنه لا يتعامل إلا مع النقود، ذهبت، وباعت الحلق، وعادت لتتبرع بثمنه للصندوق، وفق صحف.

واحتفى السيسي في لقائه بـ"زينب"، وقال لها: "هتحجي على حسابي"، طالبا منها خلال اللقاء أن تدعو عند "سيدنا النبي" لمصر.

ووصفت صحيفة الأهرام لقاء السيسي والحاجة زينب بأنه "مشهد مدهش، ومثير للعجب في قصر الرئاسة"، مشيرة إلى أن مشهد كسر بروتوكولات الحكم وطقوس المقابلات الرسمية، أثار مشاعر متناقضة، ما بين من يحبون مصر، ويضحون من أجلها بالغالي والنفيس، وبين من يبخلون عليها، ويمنعون عنها أي شيء، مع أنهم يحوزون كل شيء، وأن كل ما يملكونه من خير مصر وأبنائها، بحسب "الأهرام".

ونقلت الصحف عن الحاجة زينب قولها إنها عاصرت الملك فاروق والرؤساء جمال عبدالناصر والسادات ومبارك ومرسي، إلا أنها لم تر منهم من يعشق تراب مصر أكثر من السيسي!

تكريم "أم أشرف"

 يوم الخميس 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، نشرت الصحف المصرية تقريرا حول قيام "الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة والنائب الأول لرئيس الوزراء"، بتكريم السيدة "أم أشرف" التي تعرضت للاعتداء من قبل أحد أنصار الرئيس محمد مرسي أمام أكاديمية الشرطة يوم الاثنين 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، إبان عقد أولى جلسات محاكمته و14 آخرين من تنظيم وأنصار الإخوان.

جاء الخبر على فضائية "صدى البلد" من خلال برنامج "نظرة" الذي يقدمه الإعلامي حمدي رزق، المعروف بصلاته الوثيقة بأجهزة الأمن والمخابرات المصرية.

235 امرأة بسجون السيسي حتى سبتمبر

وتأتي محاولة رسم صورة إنسانية للسيسي، وتكرار مشاهد تكريمه واستقباله لنساء بسيطات، في وقت كشف فيه مرصد "ويكي ثورة"، في أيلول/ سبتمبر 2014، أن أكثر من 235 امرأة مصرية، تم اعتقالن على أيدي قوات الأمن، ومورست بحقهن شتى وسائل التنكيل، وهو رقم تضاعف بعد ذلك، بشكل كبير، وحتى الآن.

وأشار المرصد إلى أن بعض المفرج عنهن كشفن عن حالات اغتصاب وتحرش وتعذيب وكشوف عذرية.. إلخ، داخل السجون، وفي أثناء الاعتقال، ما دفع مؤسسات النديم وحرية الفكر والتعبير ومركز قضايا المرأة، إلى تقديم بلاغات للنائب العام حول ما تشهده السجون من عنف ممنهج، وإيذاء لفظي وجسدي ضد السجينات والمحتجزات في ظل عدم اتخاذ إجراءات التحقيق من قبل الحكومة ضد تلك الانتهاكات، وعدم قيامها بحماية المعتقلات.

 وأورد المرصد عشرات الشهادات الموثقة لسيدات وفتيات تعرضن لانتهاكات وتنكيل وتعذيب وكشوف عذرية، وحتى اغتصاب.. إلخ، منهن الناشطة آيات حمادة، عضو جبهة طريق الثورة "ثوار"، و"دهب" أو "سيدة الكلابشات"، والطالبة جهاد الخياط، التي تم اعتقالها من داخل المترو بسبب شارة رابعة، وندى أشرف، التي تعرضت للاغتصاب الكامل من ضابط شرطة، داخل مدرعة أمام جامعة الأزهر.

وغير ذلك من عشرات الحالات، لانتهاك حقوق مصريات كثيرات، قال مراقبون إن عددهن بسجون السيسي، أكبر من عدد النساء في "السجون الإسرائيلية"، لكن السيسي لا يحفل بهن، ولا يبدي تجاههن، أي شعور بالشفقة أو الرحمة، لمجرد أنهن معارضات لنظامه!