نشرت صحيفة "سلايت" الفرنسية تقريرا حول سعي الولايات المتحدة الأمريكية للاستعانة بشركات صناعة السينما في
هوليود، للدعاية لمواقفها في مواجهة
تنظيم الدولة.
وأوضح التقرير أن بعض الرسائل الإلكترونية المسربة لموقع ويكيليكس من شركة "سوني بيكتشرز للصناعات الترفيهية" تظهر أن إدارة أوباما عرضت على أحد منتجي السينما العمل على بث رسالة لفنانين مسلمين ضد تنظيم الدولة، الذي "ينشر الرعب في العراق وسوريا".
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم حربي العراق وأفغانستان، تركت هوة عميقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالمين العربي والإسلامي، ولهذا تسعى الإدارة الأمريكية لاستمالة الرأي العام في الشرق الأوسط، من خلال تبني خطاب جذاب. ولتحقيق هذا الغرض، استنجدت بمختصين في كتابة الروايات وسيناريوهات
الأفلام، لصياغة التاريخ الأمريكي بما يلائم رغباتها.
وأشارت الصحيفة إلى أن موقع ويكيليكس نشر في 16 نيسان/ أبريل الماضي نسخة معدلة من أرشيف شركة "سوني" الذي تمت قرصنته من حواسيب الشركة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. وأضافت أن هذه الوثائق تشير إلى أن "مديري هذه الشركة ليسوا على علاقة جيدة بالرئيس باراك أوباما، ولكنهم على كل حال مستعدون، على غرار بقية شركات هوليود، لمساعدة الحكومة في حربها ضد أعداء الولايات المتحدة".
وأضافت أن "هذه الدبلوماسية الشعبية والدعاية الحكومية التي تمت إعادة تلميعها لإعطاء انطباع بأنها تشجع على الحوار بين الحضارات، كانت قوية إلى حدود سنة 1999، تاريخ قيام الرئيس بيل كلنتون بإدماج وكالة الاتصال الخارجي الأمريكية مع وزارة الخارجية، ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتثبت أهمية مواصلة العمل على استمالة الرأي العام العالمي.
ولاحظت الصحيفة أن زعماء الدبلوماسية الأمريكية على اختلافهم ارتكبوا أخطاء كثيرة خلال السنوات الماضية، وخاصة السيدة شارلوت بيرز في حملتها التي خاضتها تحت شعار "مبادرة المبادئ المشتركة"، التي وصفت بأنها فاشلة وغير مهنية، ولهذا فإن المسيرة السياسية لموظفي وزارة الخارجية الأمريكية عادة ما تبلغ نهايتها في فترة قصيرة.
وأضافت أن الإدارة الأمريكية حرصت على تعيين شخصيات متنوعة في هذا المنصب، على غرار إيفيلن ليبرمان التي كانت أول من شغل منصب مساعدة الخارجية المكلفة بالدبلوماسية الشعبية والشؤون العامة بين سنتي 1999 و2001، وعملت قبل ذلك إلى جانب هيلاري كلينتون، وكارين هيوز التي شغلت هذا المنصب بين سنتي 2005 و2007، وكانت قبل ذلك تعمل صحفية، وتارا سوننشاين التي عملت أستاذة جامعية قبل الالتحاق بوزارة الخارجية بين 2012 و2013.
ولاحظت الصحيفة أن سبعة من أصل تسعة من زعماء الدبلوماسية الأمريكية كانوا من النساء، ما يعزز "نظرية الجاذبية" التي تعتمدها الولايات المتحدة، ولكنها استدركت بالقول إن هذه النظرية تم دحضها مؤخرا عبر تعيين رجل في منصب نائب وزير الخارجية.
وقالت إن ريتشارد ستينغل كان في البداية يعمل صحفيا، ثم أصبح رئيس تحرير "مجلة التايم" في سنة 2006، ثم غادر هذه المجلة في سنة 2013، ليصبح مسؤولا عن الدبلوماسية الشعبية للرئيس أوباما. وبعد أن اشتهر هذا الرجل بصياغة كتاب حول مسيرة الزعيم نيلسون منديلا صدر في سنة 1995، أصبح اليوم مكلفا بتلميع صورة الولايات المتحدة التي "تعرضت للتشويه في العالم العربي على يد تنظيم الدولة، بالتعاون مع آلة
الدعاية التابعة للكرملين".
وأفادت الصحيفة بأن ريتشارد ستينغل، الذي لا يتمتع بالقدرات التواصلية التي يملكها أوباما، تخلى عن سياسة سابقيه الذين ركزوا على الحوار بين الحضارات وتمويل القنوات الدعائية على غرار قناة الحرة، وقرر التوجه نحو الحلفاء التاريخيين لواشنطن: صناع السينما في مدينة هوليود في الساحل الغربي.
وذكرت أن ريتشارد ستينغل تبادل سلسلة من الرسائل الإلكترونية مع مايكل بلينتون بين 26 آب/ أغسطس و15 أيلول/ سبتمبر. وأضافت أن هذا الأخير لا يمثل فقط رئيس شركة سوني بيكتشرز، بل يشغل أيضا منصبا في "هيئة العلاقات الخارجية"، وهي مكتب دراسات متخصص في السياسة الخارجية. وبحسب الصحيفة، تفيد الرسائل المسربة بأن الرجلين متفقان على التعاون لحقيق مصالح مشتركة.
ونشرت الصحيفة مقتطفات من هذه الرسائل، حيث يقول ريتشارد ستينغل في إحداها: "عندي فكرة غير مألوفة أريد أن أطرحها معك، إنهم يطلبون مني العمل على بث رسائل معادية لتنظيم الدولة، ربما نستطيع إنتاج عمل فني تحت شعار "نحن العالم الإسلامي"، بمشاركة فنانين مسلمين من جميع أنحاء العالم".
وبحسب الصحيفة، فقد رد مايكل بلينتون بالقول إنه يقترح الاعتماد على المغني البريطاني يوسف إسلام، الذي كان يدعى كات ستيفنز قبل أن يعتنق الإسلام، وهو أمر وافق عليه نائب وزير الخارجية الأمريكي.
كما أضافت الصحيفة أنه من غير المعلوم إلى حد الآن إذا كان هذا المغني البريطاني قد تم الاتصال به أو وافق على العرض، ورأت أنه من الواضح أن الدبلوماسية الأمريكية تريد تسويق صورة معينة عن "المسلم الجيد"، المواطن المسالم الذي يقف إلى جانب الأنظمة الحاكمة، ويفضل الدعوة لحوار الحضارات على تبني الرسائل التي يبثها تنظيم الدولة.
كما نشرت الصحيفة رسالة أخرى كتبها نائب وزير الخارجية الأمريكية، يقول فيها لرئيس "سوني بيكتشرز" إن "الولايات المتحدة تواجه تحدي دحض الخطاب الذي ينشره تنظيم الدولة في الشرق الأوسط، وتنشره روسيا في أوروبا، وفي كلتا الحالتين هنالك ملايين الناس الذين وقعوا تحت تأثير الدعاية البعيدة عن الحقيقة، وهذا شيء لا يمكن لوزارة الخارجية العمل عليه إلا بمساعدة مديري وسائل الإعلام وصناعة السينما".
وأضافت أن مايكل بلينتون ذكر أن العمل سيتم بمشاركة جيمس ميردوخ، ابن إمبراطور الإعلام في العالم روبرت ميردوخ ورئيس شركة " 21st century"، ودرو جاف وديفيد جولدهيل وآندي بيرد من شركة "ديزني"، وفيل كنت من شركة "تيرنر".
وذكرت الصحيفة أن فكرة الاستعانة بصناعة السينما في هوليود ليست جديدة، حيث تمت الاستعانة بها في الحرب ضد ألمانيا النازية في سنة 1939. وخلال فترة الحرب الباردة استعمل الرئيس ريتشارد نيكسون السينما للترويج لرسالته ضد "إمبراطورية الشر". كما تعاون الجيش الأمريكي مع شركات الإنتاج في تصوير عدة أفلام.
وفي الختام، رأت الصحيفة أن هذه الرسائل المتبادلة بين ستينغل ولينتون لم تأت بشيء جديد، ولكنها تشير بشكل غير قابل للتفنيد إلى تواطؤ شركات الصناعات الترفيهية في هوليود مع رجال السياسة في واشنطن، من أجل كسب الحرب الدعائية، والترويج للسياسات الأمريكية، حسب التقرير.