كتاب عربي 21

جيوش الكشافة

1300x600
أتفادى الخوض في الشأن السياسي العربي بنصيحة من طبيب نفساني، وآخر مختص في الأمراض الباطنة، لأنني أعاني سلفا من ارتفاع ضغط الدم الشرياني "ومش ناقص"، ولأن الخوض في ذلك الشأن يتطلب قدرا من الكياسة، طلبا للسلامة.

والكياسة هنا يفصلها خيط رفيع عن "التياسة"، كذاك الذي يفصل بين الكبرياء والكِبر والتواضع والضعة، ولكن أمورا معينة تفوت على من يحترفون الكتابة السياسية، تجعلني اكتسب ذهنية "بايظة، بايظة"، وأخوض في مياه ساخنة، متجاهلا الحكمة الشعبية السودانية "المي الحار مو لعب قعوي" والقعوي هو الضفدع في العامية السودانية، وليس من مصلحته أن يمارس اللعب والنط في الماء الحار/ الساخن.

جبهة النصرة تمكنت بعد معارك محدودة جدا، من طرد قوات النظام الأسدي في سوريا من هضبة الجولان، وبالتأكيد فإن جبهة النصرة لا تملك طائرات ميغ وسوخوي وأنتنوف، ولا دبابات تي 72، فكيف حققت نصرا سهلا؟ بسيطة: نظام الممانعة والصمود والتصدي أصيب بالصدأ، ولم تكن لديه اي تحصينات أو قوات كافية للتصدي لأي عبور إسرائيلي، وربما لديه كل ذلك، ولكن جيشه مثل معظم الجيوش العربية مدرب فقط على ضرب المواطنين "أعداء الوحدة الوطنية"، اي حماية النظام من الغضب الشعبي وليس العدو الخارجي.

وماذا فعل جيش النشامى والماجدات في العراق أمام هجمات داعش؟ هرب أفراده من رتبة جنرال إلى الجندي العادي، ويكاد جميع مقاتلي داعش أن يكونوا مدنيين لم يدخلوا يوما مدرسة حربية لدارسة الاستراتيجية والتكتيك، وطرق الهجوم والدفاع، بينما اشترى الجيش العراقي خلال السنوات العشر الماضية أسلحة بما يربو على ثلاثين مليار دولار أخضر، وعندما صاح الجنرالات: أمي أبي أدركاني وهربوا حفاة، تركوا وراءهم الدبابات والمجنزرات والصواريخ المضادة للدروع والطائرات، فوقع جماعة داعش في حيص بيص، لأن كل معرفتهم بالتسليح الثقيل، كانت نظرية، ولكن كان لابد مما ليس منه بد، فجربوا تشغيل كل تلك الآليات وخلال أيام معدودة تعلموا طرق استخدامها، وكانت النتيجة المزيد من فضائح الهروب الجماعي لنشامى جيش نوري المالكي، الذي خسارة فيه حتى مصير نوري السعيد، ولم يعرف التاريخ الحديث غنائم حربية كتلك التي وقعت في أيدي الداعشيين، فلا الحلفاء غنموا من ألمانيا النازية سوى بضع بنادق، ولا اليابانيون غنموا من الدول التي احتلوها في شرق آسيا خلال الحرب العالمية الثانية سوى البشر/ الأسرى.

ثم انظر كيف انهار الجيش اليمني أمام الحوثيين، رغم كل جعجعات اللواء الأحمر والجنرال البمبي، والحوثيون مليشيا، بينما الجيش يتألف من محترفين (نظريا على الأقل)، وعندما فتح سقوط كامل صعدة وعمران شهية الحوثيين، قالوا: ولماذا لا نرفع سقف طموحنا ونستولي على الحكم، فزحفوا صوب العاصمة صنعاء، وسرعان ما انهار اللواء المدرع رقم كذا، وتلى ذلك سقوط ألوية كثيرة، فلجأت الحكومة إلى وسيط دولي لا يملك تفويضا حقيقيا من اي جهة دولية ليستجدي الحوثيين: ربنا يسترها معكم، تعالوا نتفق على بعض الأمور، فكان رد الحوثيين: شروطنا كذا وكذا، وإما أن تقبلها الحكومة وإما أن تبحث عن بلد آخر تحكمه، (وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا).

من حق القراء أن يتساءلوا: ما الجديد الذي أتيت به، ونحن مثلك نتابع الأحداث وسمعنا ورأينا كل رويته أعلاه يا "أبو العرّيف"؟ الجديد يا جماعة، أن قواتكم المسلحة التي تسمعون ببسالتها عبر وسائل الإعلام، فرق كشافة، ولكن بشرائط وتيجان على الأكتاف والقبعات، وأفرادها، وعلى نحو خاص قياداتها تحظى برواتب ومزايا خدمة بلا نظير في أجهزة الحكم في أي من دولكم، بينما جماعة الكشافة أناس بسطاء يقومون ببعض الأنشطة (بصراحة ثقافتي الكشفية ضعيفة)، بلا مقابل مادي، والنياشين والبلاوي الملونة التي على صدور الضباط إما اكتسبوها بفتح النار على خصوم الحكومة من المواطنين، أو بـ"السمع والطاعة العمياء".

والمضحك والمحزن في آن، هو أن جميع الدول العربية في "حالة حرب" مع إسرائيل، فابشري بطول سلامة يا إسرائيل!