كتاب عربي 21

حكم السيسي.. 100 يوم في السجن

1300x600
في مثل هذه الأيام قبل عامين كان المئات من شباب الثورة يتظاهرون في ميدان التحرير لعمل كشف حساب للرئيس المعزول محمد مرسي بعد 100 يوم من توليه المسؤولية، الآن لا يستطيع أحد أن يحاسب السيسي على ما فعله وما لم يفعله في المئة يوم، الآن يحضر شباب الثورة جلسات محاكمتهم على كراس متحركة، الآن لا يستطيع أحد أن يصل إلى ميدان التحرير.

لن تجد إعلاما يخصص حلقات كاملة لإحصاء ما فشل الرئيس في تحقيقه خلال المئة يوم الأولى، لن تجد ضيوفا تبرز العروق من رقابهم وهم يتحدثون عن أهداف الثورة التي لن تتحقق، وبالتأكيد لن تجد أحدا يتهمه بالتسبب في أزمة الكهرباء بسبب تصديرها إلى الإمارات، ستجد حلقات تتحدث عن إنجازات الرئيس الأسطورية، ستجد ضيوفا مبتسمين وهم يتحدثون عن نجاحه في مواجهة المؤامرات وصموده في وجه أوباما وأردوغان، وبالتأكيد ستجد من يتهم الإخوان بتدبير أزمة الكهرباء لإحراج الرئيس.

مئة يوم مرت من حكم السيسي والمحصلة آلاف المظلومين في السجون، والمئات من جرائم الخطف والسطو المسلح والقتل في وضح النهار التي ما كانت لتحدث في وجود شرطة مهنية تحمي الناس لا حاكمهم وحده، وعشرات المشكلات التي لا يطالبه أحد بحلها لانشغاله بحربه على الإرهاب التي حقق فيها نجاحات كبيرة، وحتى المشروع القومي الذي تبناه مهدد بالفشل لأنه أسنده لغير أهله ناسيا أنه ترك وزارة الدفاع "افتراضا".

نعيش الآن حالة جنون كاملة، لا شيء يخضع لمعايير المنطق في ظل خضوع المنطق نفسه لمعايير الشيء!

***

بعد 100 يوم من حكم السيسي نحن خارج التاريخ، نعيش مرحلة تجاوزتها الشعوب المتحضرة قبل أكثر من قرن، نعيش مرحلة ما قبل المدنية، ما قبل الحضارة، ما قبل العدل.

 تقول ما لا يرضي الدولة فتقبض عليك الشرطة بقائمة اتهامات جاهزة، تعرضك على النيابة فتحيلك إلى المحكمة دون أن تسمع أقوالك، تقف أمام القاضي فيحكم عليك بالسجن قبل أن يتكلم دفاعك، تحاول أن تعرض مظلمتك في الإعلام فتجده مؤمما وماسحا لحذاء السلطة، تتوجه للناس فيستغربون صدور حكم بالسجن ضدك ويلومون على القاضي.. لأنه لم يحكم بإعدامك.

يدخل أحمد دومة قاعة محاكمته على كرسي متحرك، هذا الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين يبدو عمره كألف سنة مما تعدون، على وجهه آلاف الأسئلة، لماذا أنا هنا وكل متهمي قتل المتظاهرين وموقعة الجمل ونهب أموال الدولة بالخارج؟ لماذا تكرهنا الدولة وتحبهم؟ هل لأنهم شرفاء أم لأن السلطة فاسدة مثلهم؟

ترسل زوجة دومة رسالة للرئيس، تناشد فيه عاطفة الأب وتطلب منه التدخل لإنقاذه لأنه لم يسرق ولم يقتل ولم يخون، تنتظر نورهان استجابة لكنها لم تأت وغالبا لن تأتي، دومة جرمه كبير للأسف، هو شارك في أحداث مجلس الوزراء التي اعتبرت الدولة من مات فيها من شهداء الثورة، ومتهم بحرق المجمع العلمي، ولأن الدولة حاسبت من حرق عبارة السلام 98 ومسرح بني سويف ومجلس الشورى فالدور الآن أصاب المتهم بحرق المجمع العلمي.

في دولة لم تحاسب حتى الآن من أحرقوا القاهرة ومن قتلوا شجرة الدر ولا تعرف إن كان عبد الناصر مات مقتولا أم لا ولم تعرف إن كان عبد الحكيم عامر انتحر أم تم نحره، يجب أن يموت أحمد دومة لأنه متهم بحرق مبنى لولا احتراقه ما عرف الناس اسمه.

على سرير متحرك يحضر محمد سلطان جلسات محاكمته متأثرا بإضراب عن الطعام بدأه قبل 9 شهور اعتراضا على طول فترة حبسه احتياطيا، لكن محمد تهمته خطيرة وخروجه من السجن فيه خطورة كبيرة على الأمن، تهمته أنه ابن قيادي إخواني اسمه صلاح سلطان، وهي تهمة لو تعلمون عظيمة في بلد يوَرّث فيه السجن لأبناء السجناء كما يُورّث العمل في النيابة والشرطة والقضاء لأبناء العاملين.

في دولة فقد كثير من أهلها نخوتهم لا أظن أن كثيرين سيندمون أو يحزنون إن مات محمد سلطان غدا متأثرا بإضرابه، وغالبا ستتمنى التعليقات على الخبر أن يموت بقية المضربين بنفس الطريقة.

يا الله، ما هذه الغربة وما هذا القهر، ولماذا يعادي الجميع شبابا لم يطلبوا سلطة ولم يأمروا بمعصية وكل ما طلبوه عيش وحرية وكرامة وعدالة؟ ولماذا تريدون طرد آل الثورة من قريتكم لمجرد أنهم أناس يحلمون؟ وإذا كان أهل السلطة يعادونهم حفاظا على سلطتهم، فلماذا يعاديهم من يعيشون كأموات؟
لا تحتار كثيرا في البحث عن إجابة، فمن عذبوا أتباع النبي هم العبيد الذي جاءت رسالته لتحررهم.