حقوق وحريات

اختفاء مئات الأطباء الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية

ذكر الموقع أن الأطباء كان لهم دور حاسم في غزة حتى قبل الحرب- الأناضول
نشر موقع "إنترسبت" تقريرًا، يسلط الضوء على اعتقال واختفاء الأطباء الفلسطينيين من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، في غزة، مشيرًا إلى أن مئات الأطباء في غزة استشهدوا جرّاء قصف المستشفيات، وأن الأطقم الطبية تعرضت للاعتقال والتعذيب الجسدي، كما يؤكد أن العديد من الأطباء لا يزالون محتجزين في أماكن غير معلومة، ولا يزالون يعانون من ظروف قاسية في السجن. 

وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه قد مرّ شهران منذ أن سمع أسيد السر عن ابن عمه، خالد السر، الجراح في مستشفى ناصر في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة.

فقبل أواخر شهر آذار/ مارس، كانا على اتصال منتظم بقدر ما تسمح به البنية التحتية للاتصالات الممزقة. وأنشأ السر مجموعة واتساب للتطبيب عن بعد؛ حيث قام هو وأسيد، وهو جراح مقيم في الولايات المتحدة، بتجنيد أطباء من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا لتقديم المشورة لزملائهم المنهكين في غزة.

وبحسب أسيد، فإن خالد السر كان يشاركهم حالات مثل إصابة عجوز عمرها 70 سنة بطلق ناري في رأسها، ويطلب المساعدة في كيفية التعامل معها. 

وأشار الموقع إلى أن السر كان بمثابة وعاء للمعرفة الطبية الجماعية للدردشة الجماعية، ووفقًا لأسيد فإنه أراد دائمًا المساعدة، وكان يحب دائمًا استخدام يديه لإصلاح مشكلة ما وإحداث تأثير فوري.

وفي شباط/ فبراير، اقتحم جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر، حيث ترك الهجوم المستشفى فارغًا، ولم يعد أحد موجودا في مراكز الرعاية الصحية المدمرة.

ومع ذلك، فقد حافظ خالد السر على بعض التفاؤل، وكان آخر منشور له على منصة التواصل الاجتماعي "إنستغرام" في منتصف شهر آذار/ مارس، وهو مقطع فيديو قصير يظهر الجزء الخارجي من المستشفى من اليوم السابق، مع تعليق برسالة انتصار:

"أخيراً!! بعد أكثر من شهر من انقطاع الكهرباء عن مستشفى ناصر، تمكن طاقمنا من إصلاح المولد الكهربائي وإيصال الكهرباء مرة أخرى إلى مستشفى ناصر. نحاول خلال الأسبوعين الماضيين تنظيف أقسام المستشفى وتجهيزها لإعادة فتح المستشفى من جديد".

وبعد ستة أيام، في 24 آذار/ مارس، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفى مرة أخرى، فيما يعتقد أقارب خالد السر أنه تم أسره مع من تبقى من طاقم المستشفى المتضائل. 

وأفاد الموقع، بأنه في وقت مبكر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، ظهرت تقارير عن اعتقال الأطباء واختفائهم في شمال غزة، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي احتجز ما لا يقل عن 214 من العاملين الطبيين في غزة.

وفي أوائل شهر أيار/ مايو، تصدّرت عناوين الأخبار اعتقال وتعذيب الطاقم الطبي من غزة، عندما أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وفاة عدنان البرش، وهو جراح معروف ورئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء.

 وقال مسؤولون إنه توفي في نيسان/ أبريل، أثناء وجوده في سجن عوفر، وهو مركز اعتقال إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الصحة، تلالينغ موفوكينغ، فإن قضية الدكتور عدنان تثير مخاوف جدية من أنه توفي بعد التعذيب على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وأن وفاته تتطلب إجراء تحقيق دولي مستقل.

وأكد الموقع أن البرش هو واحد من بين 493 عاملاً طبيًا فلسطينيًا على الأقل استشهدوا في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، واستهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بشكل منهجي المستشفيات من شمال القطاع إلى جنوبه، بزعم أن "حماس" تعمل في هذه المرافق.

ونفى الطاقم الطبي في مستشفيات غزة هذا الادعاء مرارًا وتكرارًا. فيما شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلية هذا الأسبوع هجمات جديدة على مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة في الشمال، ووردت تقارير، يومي الأربعاء والخميس، عن احتجاز الطواقم الطبية من مستشفى العودة.

وبينما كانت القوات البرية تشقّ طريقها إلى جنوب غزة بحلول نهاية العام، تصاعدت الهجمات على المستشفيات في مدينة خانيونس الجنوبية، وفي شباط/ فبراير، عندما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يحاصر مستشفى ناصر، وكان السر هو الجراح العام الوحيد هناك.

ووصف أحمد المغربي، وهو جراح التجميل الذي عمل سابقًا في مستشفى ناصر، السر بأنه "طبيب متفانٍ للغاية".

ونقل الموقع عن المغربي، أنه بدأ بالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي لأنه أراد أن يظهر للعالم ما يجري على الأرض بعد أن رأى أطفالًا ونساءً ممزقين. 

وكانت آخر مرة رأى فيها السر في شباط/ فبراير؛ ويتذكر المغربي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي حاصر المستشفى لثلاثة أسابيع؛ ولم يتمكنوا من الانتقال من مبنى إلى آخر، أو إلقاء نظرة من خلال النوافذ لأن القناصة قد يطلقون النار عليهم. 

وغادر المغربي المستشفى في منتصف شباط/ فبراير، أثناء الغزو الأول؛ وقد تم إجلاؤهم في منتصف الليل، وأقام جيش الاحتلال الإسرائيلي نقطة تفتيش ليست بعيدة عن بوابة المستشفى، واعتقلوا ممرض المغربي، الذي تم احتجازه لمدة شهرين.

أما بالنسبة للسّر، فوفقًا لأسيد فإن ابن عمه غادر بعد وقت قصير من الإخلاء في شباط/ فبراير للذهاب إلى رفح للاطمئنان على والديه، لكنه عاد إلى مستشفى ناصر للمساعدة في إعادة فتحه وعلاج المرضى.

وأضاف الموقع، أنه منذ الهجوم على المستشفى في أواخر آذار/ مارس، لم تكن هناك أي أخبار تقريبًا عن السر، وكانت المعلومات القليلة أكثر إثارة للقلق من الطمأنينة، فقد سجل السر الدخول إلى تطبيق الواتساب الخاص به في منتصف نيسان/ أبريل. وبحسب أسيد فإن آخر نشاط له على الإنترنت كان في 12 نيسان/ أبريل، وهو ما يؤكد أنهم صادروا هاتفه. 

ثم في 17 نيسان/ أبريل، نشرت قناة الميادين الإخبارية مقابلة مع فلسطيني عرف نفسه باسم أحمد أبو عقل، وقال إن دولة الاحتلال الإسرائيلي اعتقلته وأطلقت سراحه، ووفقاً للمغربي فإن أبو عقل كان ممرضًا في مستشفى ناصر.

وقال أبو عقل، الذي كان يرتدي قميصا وبنطالًا رماديين، وهو الزي المعتاد للمعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم، إن لديه رسالة من أطباء مستشفى ناصر المحتجزين.

وأكد أبو عقل أنهم يتعرضون يومياً للضرب والقتل والتعذيب، وأن هناك رسالة خاصة من الطبيب ناهد أبو طعيمة مدير الجراحة في مجمع ناصر الطبي، حيث إن وضعه صعب للغاية ويعاني في ظل ظروف مأساوية صعبة للغاية، وهو بحاجة إلى العلاج ويحتاج إلى أن يراه الصليب الأحمر ويطلق سراحه بشكل عاجل. 

وأضاف أبو عقل أن أحد زملائه كان اسمه خالد، وقد نتفوا لحيته بالكامل، ويعتقد أسيد أنه يقصد خالد السر.

وفي حين أن أبو عقل لم يذكر مكان احتجازه، حيث ربما لا يزال السر موجودًا، فإن أسيد يعتقد أنه من المحتمل أن يكون "سدي تيمان"، وهو قاعدة عسكرية ومركز اعتقال في صحراء النقب، وكانت هناك مزاعم عديدة عن سوء المعاملة والتعذيب ووفاة المعتقلين في "سدي تيمان". 

ونقل الموقع عن أسيد قوله: "من المفجع ألا تعرف شيئًا عن أحبائك. لا نعرف ما إذا كان على قيد الحياة أم لا. لا نعرف إذا كان بخير أم لا".

واستعرض الموقع شهادات الفلسطينيين المحظوظين ممّن أطلق سراحهم من السجن لمحات مروّعة عن ما يحدث داخل مراكز الاعتقال الإسرائيلية.

ففي كانون الأول/ ديسمبر، كان خالد حمودة، وهو جراح آخر، يعمل في مستشفى كمال عدوان في شمال غزة. وقبل ذلك بشهر، تم نقله من المستشفى الإندونيسي، حيث كان يمارس مهنته عادة.

وفي كمال عدوان، كان حمودة أيضًا مريضًا يتلقى العلاج من الإصابات التي أصيب بها في غارة جوية على منزل عائلته في بيت لاهيا حيث قُتلت زوجته وابنته وأبوه وشقيقه، من بين أقارب آخرين، في الهجوم.

وبعد حوالي 10 أيام من الغارة، أمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الطواقم الطبية، والمدنيين الذين لجأوا إلى مستشفى كمال عدوان بالمغادرة. وقال حمودة إنه تم إخبار إدارة المستشفى بأنه سيتمكن الناس من المغادرة والذهاب إلى مستشفى آخر دون أن يتم القبض عليهم، وهو ما لم يحدث؛ حيث تم احتجاز حمودة وبعض زملائه من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ونقل الموقع عن حمودة قوله: "عندما هاجموا المستشفى، طلبوا من جميع الرجال والشباب الذين تزيد أعمارهم على الـ15 سنة وتقل عن الـ55 سنة الاحتفاظ بهوياتهم والخروج من المستشفى". وتمت تغطية أعينهم وتقييد أيديهم وتم نقلهم إلى مكان آخر، رغم أن حمودة لم يكن متأكدًا من مكانه.

وأضاف الموقع أنه بعد وقت قصير من التقاطها، فقد بدأت الصور تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لعشرات المعتقلين الذين يحتجزهم الجنود الإسرائيليون في شمال غزة. 

وفي إحدى الصور، تقف مجموعة من الرجال عراة الصدر في المقدمة بينما يبدو أن جنديًا يلتقط صورتهم. ولم يمض وقت طويل قبل أن يتمكن الناس من التعرف على أحد الرجلين ويدعى حمودة.

وبحسب الموقع، فإن حمودة قال: "هذا هو اليوم الذي أخذونا فيه من مستشفى كمال عدوان وطلبوا منا أن ننظر إلى الكاميرا. إنه الدليل الوحيد على أنني قد أُخذت في هذا اليوم. ولم يعرف أحد ما حدث لنا حتى ذهبت هذه الصورة إلى وسائل الإعلام".

وأضاف حمودة أنه نُقل في النهاية إلى "سدي تيمان"، حيث أُجبر هو ومعتقلون آخرون على البقاء راكعين. وإذا لم يفعلوا ذلك، فقد تمت معاقبتهم. وقال عن أحد السجناء: "يطلبون منه الوقوف ويده فوق رأسه لمدة ثلاث أو أربع ساعات".

ويتذكر حمودة قائلا: "للأسف، عندما عرفوا أنني طبيب وجراح عام، عاملوني بشكل أسوأ. لقد هاجموني، وضربوني في ظهري ورأسي". مردفا بأن الجنود أرادوا معرفة ما إذا كان يعرف عن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، لكنه لا يعرف أي شيء.

وأشار الموقع إلى أنه التقى أيضًا أثناء احتجازه بشخص يعرفه من المجتمع الطبي: الدكتور عدنان البرش؛ وقال: "لقد أحضروا الدكتور عدنان حوالي الساعة الثانية أو الثالثة صباحًا. كان يُعامل معاملة فظيعة". 

وأضاف حمودة: "كان يتألم. قال لي: خالد، لقد ضربوني. لقد هاجموني بعنف". وبحسب حمودة، قال البرش أيضًا إنه أصيب بكسر في أحد الأضلاع. وتمكن حمودة من توفير الدواء وبعض المواد الغذائية للبرش، ولكن بعد يومين تم نقل الطبيب المصاب.

وأوضح الموقع، أنه رغم حالته وظروف السجن القاسية، فقد حمل البرش الأخبار لحمودة. ويتذكر حمودة ما قاله البرش له: "والدتك موجودة في مستشفى العودة، وهي بخير، لقد عالجتها". 

وأعرب حمودة عن امتنانه للرسالة: "هذه المعلومات كانت ثمينة جدًا جدًا بالنسبة لي لأنني لم أكن أعرف أي معلومات عن عائلتي وتحديدًا والدتي. لذلك احتضنته وقبلت رأسه وشكرته لأنه الأمل الوحيد أن أجدها عندما أخرج".

وبعد ثلاثة أسابيع، أطلق سراح حمودة. وقال إنه تم نقله مع معتقلين آخرين إلى معبر كرم أبو سالم الحدودي في الجنوب، ثم ذهبوا في النهاية إلى رفح. ولا يزال أطفاله الناجون ووالدته في الشمال، وسوف يستغرق الأمر شهرين قبل أن يتمكنوا من لم شملهم. ويعتبر نفسه محظوظًا لأنه أطلق سراحه.

ونقل الموقع قول حمودة: "كل زملائي الأطباء الذين اعتقلوا معي أو بعدي أو قبلي، أبقوهم هناك لمدة ثلاثة أو أربعة أو خمسة أشهر. ولا يزال البعض محتجزًا".

وذكر الموقع أن الأطباء كان لهم دور حاسم في غزة، حتى قبل الحرب، خاصة وسط حالات المد والجزر التي تفرضها دولة الاحتلال الإسرائيلي على الحدود والهجمات العسكرية.

وقال حمودة: "كل سنتين أو ثلاث سنوات، نُصبح محاصرين في حرب ما أو هجوم ما من جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ لذا فإن عملنا مهم للأشخاص الحاضرين هناك".

إلى ذلك، يعتقد حمودة أن تلبية ضرورة رعاية الناس هو السبب وراء تحول العاملين في مجال الرعاية الصحية إلى أهداف شائعة في هذه الحرب. وقال: "إنها ليست صدفة. إنهم يقصدون مهاجمة منازل الأشخاص الذين يمكنهم علاج الجرحى ويمكن أن يغيروا شيئًا ما في الوضع في الشمال".

وقد شاركه أسيد هذه المشاعر، وقال إن ابن عمه السر كان سيوافق على ذلك: "مع حجم القتل الذي يحدث منذ فترة، نحتاج دائمًا إلى جراحين لإصلاح الإصابات المؤلمة التي يتعرض لها الناس. وبالنسبة لي، كان الأمر بمثابة استجابة طبيعية لنشأتي في غزة، والرغبة في مساعدة المصابين وشفائهم".