سياسة عربية

في يوم التنصيب.. كيف خالف السيسي الدستور المصري؟

تنصيب السيسي يعد إيذانا بالانتقال النهائي للحكومة والبرلمان من القاهرة
يؤدي اليوم رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية، رئيسا للبلاد، لفترة رئاسية ثالثة، أمام مجلس النواب في مقره الجديد بالعاصمة الإدارية، فيما رصد مراقبون مخالفات دستورية وبروتوكولية، تضع أداءه القسم أمام إشكالات دستورية وعوار قانوني.

وفجر أستاذ الإعلام السياسي، الدكتور ناصر فرغل، الجدل بعد أن نشر عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنه ووفقا للدستور فإن العاصمة المصرية هي القاهرة، بحسب المادة (122)، وأنها المقر الرسمي للبرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب والشيوخ) وفقا للمادة (114)، وأنه لا يجوز حلف اليمين خارج هذا المكان، إلا في الظروف الاستثنائية.

وأوضح، أن حلف السيسي، اليمين الدستورية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة مخالفة للدستور، خاصة أنها لا تتبع القاهرة إداريا، وتتبع وفق القرار الجمهوري رقم (57) الصادر في شباط/ فبراير 2016، لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.


وأشار إلى أنه حين جرى استحداث محافظة حلوان جنوب القاهرة في اقتطاع من العاصمة، عام 2008، بعهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد بدأت حدودها بعد مقر المحكمة الدستورية العليا تفاديا للوقوع في عوار دستوري.

"بدعة التنصيب وانتقادات"
وأكد مراقبون، أن "حفل التنصيب" سابقة لم تحدث بمصر منذ انتهاء عصر الملكية عام 1952، إلا مع وجود رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي، منتقدي حالة الإسراف الحكومي في ظل معاناة شعب يرزح نحو ثلثيه بالفقر، وسط أزمات اقتصادية تضرب البلاد.

وتنتهي الولاية الثانية للسيسي، في 2 نيسان/ أبريل 2024، لتبدأ الولاية الجديدة والثالثة باليوم التالي، فيما تنص المادة (144)، من الدستور على أن يحلف رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، قبل أن يتولى مهام منصبه.
‌ 
"وداعا عاصمة المعز"
وأعلن رئيس شركة العاصمة، خالد عباس، أن حفل تنصيب السيسي سيكون بمثابة افتتاح المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية، وألمح إلى أن ذلك يعد إيذانا بالانتقال النهائي للحكومة والبرلمان من القاهرة، ومباشرة السيسي عمله من العاصمة الجديدة، ومغادرة قاهرة المعز، لأول مرة منذ اتخاذ الفاتح عمرو بن العاص لتلك البقعة من البلاد عاصمة لولاية مصر، بدلا من مدينة الإسكندرية.



وتعد القاهرة أكبر مدن مصر والعالم العربي من حيث تعداد السكان، فيما تحتل المركز الثاني أفريقيّا والـ17 عالميّا، بعدد سكان أكثر من 22 مليون نسمة، وشهدت أرضها أحداث التاريخ منذ فجر التاريخ.

وفي المقابل، تقام العاصمة الإدارية الجديدة على نحو 230 ألف فدان، وتضم الحي الحكومي حيث مقار الوزارات والهيئات، بجانب الحي الرئاسي والذي يشمل القصر الرئاسي ومقر المخابرات العامة، بالإضافة إلى أحياء المال والأعمال، والفنون والثقافة، هذا إلى جانب مقر الجيش، "الأوكتاغون" الأكبر في العالم.

وأعاد نشطاء نشر إحدى أقوال الكاتب المصري الراحل ‏أحمد خالد توفيق، والتي تشير للواقع الحالي، حيث قال: "سيتركون العاصمة القديمة لتحترق بأهلها وتندثر ظلما وفقرا ومرضا، وسيذهبون إلى عاصمتهم الجديدة حتى لا تتأذى أعينهم بكل ذلك الدمار".

"مفهوم الغلبة"
وفي تعليقه حول ما أثير من مخالفات في حفل تنصيب السيسي، للقانون والدستور والبروتوكول، قال السياسي والمحامي المصري عمرو عبد الهادي، إن "السيسي لا يعترف من الأساس بأي دستور، ولا بمفهوم الدولة، ولا المعارضة، ولا الوزراء، ولا مؤسسات الحكم".

عبد الهادي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "مفهوم السيسي، الوحيد، هو الغلبة، وأن من يصل الحكم هو نصف إله"، وأوضح أن السيسي "منذ الوهلة الأولى يخالف الدستور والقانون، حيث إن دستور 2012، لم ينص على تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا للحكم، ولكن السيسي، عزل الرئيس الراحل محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، وعين شخصا- رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور- لم يذكره الدستور في حالة العزل".

وأضاف: "وحينما قام بتعديل الدستور عام 2014، لم يحترمه، وباع الأرض والعرض، وخالفه حين اعتقل الآلاف وقتل المئات وأعدمهم"، مشيرا إلى أن "دستور السيسي، الوحيد، هو أية أقوال مأثورة تساعده في البقاء".

وألمح المعارض المصري، إلى أنه "حين نقل مجلس النواب - إلى العاصمة الإدارية الجديدة - أيضا، خالف الدستور".

وشبه السيسي، بأنه "يسير بخطاباته على نهج ملكة فرنسا قبل الثورة الفرنسية ماري أنطوانيت، حين قال: (ملعقة سكر واحدة على الكنافة)، تماما كما قالت هي: (ليأكلوا البسكويت بدلا من الخبز)"، مضيفا أنه "حين يُفتضح يحول خطبه إلى خطب معمر القذافي، ليضحك من حوله ويثير الجدل".

وختم عبد الهادي: "منذ 2013، لا توجد دولة، فهل يحترم السيسي دستورا؟".

"هكذا الديكتاتورية"

وفي رؤيته، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري أحمد حسن بكر، إن "الأنظمة الديكتاتورية لا تؤمن بدستور، ولا تحترم قانونا، ودوما ترى نفسها الدستور والقانون معا".

بكر، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "منذ أن ظهر السيسي، بالساحة السياسية أعقاب ثورة 25 يناير 2011، تم تعطيل الدستور، وتفصيل بعض مواده لتمكنه من الحكم المطلق، وتُركز كافة السلطات بيده، وتجعله الحاكم بأمره".

وتابع: "ولأنه يتوهم نفسه موسى كليم الله، وسليمان الحكيم، وطبيب الفلاسفة الذي يسأله رؤساء مخابرات العالم عن حلول لقضاياهم الأمنية المستعصية؛ لذا، فإنه لن يستجيب لدستور، ولن يلتزم بقانون".

وأشار إلى أن السيسي جاء عبر انتخابات باطلة، قائلا: "هو يعلم قبل غيره أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لو أجريت بدولة قانون ودستور فهي باطلة جملة وتفصيلا".

وأكد أن "الإجراءات التي سبقت الانتخابات بمنع المرشحين من الحصول على التوكيلات الشعبية، وإرهابهم، والاعتداء على أنصارهم، وتوظيف مؤسسات ومرافق الدولة لدعم المرشح الرئيس، واختيار مرشحين كـ“ديكور" منافس، ما يطعن بشرعية الانتخابات، وما ترتب عليها من نتائج".

"استفزازي وغير دستوري"
ويواصل بكر، قائلا: "السيسي، لا يرى نفسه رئيسا منتخبا، بل إمبراطورا، حاكما بأمره، لذا فلا يعنيه مخالفة الدستور بمراسم حفل القسم الدستوري لبدء فترة حكم رئاسية جديدة".

وبين أنه "تجاهل المادتين (122، و144) من الدستور، حيث تنص الأولى على أن القاهرة عاصمة الدولة، والثانية تنص على أنها مقر البرلمان، حيث يقسم الرئيس المنتخب القسم الدستوري"، ملمحا إلى أنه "بكل الأحوال فإن من اعتاد على مخالفة الدستور، لن يلتفت لمخالفات بروتوكولية يوم تنصيب اخترعه".

وأشار الكاتب الصحفي المصري إلى أن "الشعب جائع والرئيس مبذر"، موضحا أن "الحال الآن، شعب يعيش تحت خط الفقر بسبب سياسات اقتصادية ديكتاتورية فاشلة، ورئيس مصاب بجنون العظمة، يرى نفسه ملكا متوجا، وإمبراطورا مسيطرا، لا تعنيه أموال الشعب، فالشعب وما يملك ملك يمينه يفعل بهما ما يشاء دون رقيب، أو حسيب".

ويعتقد أن "حفل التنصيب هذا سيؤجج مشاعر غضب الملايين، الذين لا يجدون ما يكفيهم من طعام وشراب، وكذا الملايين الذين قاطعوا مهزلة الانتخابات الرئاسية".