استقر سعر صرف الجنيه
المصري أمام الدولار عند مستوى 55 جنيها للدولار في السوق الموازي، بعد أن ارتفع بشكل مفاجئ وقوي، خلال اليومين الماضيين بنسبة 25 في المئة على الأقل، دون وصول أي تدفقات دولارية لمعالجة أزمة نقص العملة أو الإعلان عن الوصول إلى أي اتفاقيات مالية تبرر هذا الصعود.
وأثار هبوط سعر الدولار في السوق السوداء منذ قرار المركزي المصري برفع الفائدة 2 في المئة تساؤلات حول أسباب هذا الصعود القوي للجنيه أو التعافي بمعنى أدق خاصة أن الفرق بين السعر الرسمي والسوق السوداء لا يزال كبيرا ويبلغ نحو 80 في المئة بدلا من 130 في المئة قبل أيام ولا يزال عند نحو 31 جنيها في البنوك المحلية.
وكانت بعثة صندوق النقد الدولي قد أنهت زيارتها إلى القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، التي امتدت نحو 15 يوما شهدت مباحثات شاقة وصعبة وطويلة لاستئناف حزمة المساعدات البالغة 3 مليارات دولار وزيادتها إلى 6 مليارات بسبب احتواء تداعي الحرب على قطاع غزة.
وبات يجب على مصر دفع خدمة دين من أقساط وفوائد حوالي 42.3 مليار دولار خلال العام 2024، فيما يقدر حجم الدين الخارجي بنحو 165 مليار دولار، واحتياطي نقدي لا يتجاوز 35.2 مليار دولار، إلى جانب متوسط عجز في الميزان التجاري يقدر بنحو 38 مليار دولار.
انفراجة على الهواء
أعرب البعض عن اعتقادهم أن هذا التعافي السريع للجنيه المصري مؤقت، وليس مستداما، لأنه لا يوجد ما يدعمه في ظل غياب أي معلومات حقيقية عن تحقيق أي تقدم في أي مسار أو إعلان تم الحديث عنه؛ فيما أصبح الإعلام المحلي هو الذي يقود دفة الأخبار وكلها مجرد وعود إعلامية وتكهنات وشائعات لم تؤكدها الحكومة ولم تنفها.
ودللوا على حديثهم بترك أحد أكبر
الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد لمجموعة من الإعلاميين والصحفيين الموالين للنظام من خلال إطلاق تصريحات ووعود دون أي حيثيات أو معلومات حول الأسباب الحقيقية لما يجري في سوق العملة، في ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية، وتراجع موارد البلاد الدولارية، وتقييم كبرى المؤسسات المالية للاقتصاد المصري بشكل سلبي.
وبرز الحديث عن انفراجة دولارية، دون مقدمات، والترويج لأخبار تتعلق بصفقة ضخمة تصل إلى 22 مليار دولار من خلال بيع منتجع "راس الحكمة" في الساحل الشمالي لمستثمرين إماراتيين، وهو حديث لا دليل عليه من أي طرف.
وفي السياق نفسه، تساءل الإعلامي عمرو أديب، إذا كانت هناك انفراجة في الدولار فهناك بضائع مكدسة في الموانئ بحاجة إلى 7 أو 8 مليارات دولار، غير الأقساط، غير أشياء كثيرة أرى، هل لدى الحكومة القدرة على تبريد السوق؟
وحذّر أديب من أن "كبار تجار العملة سوف يقاومون هذا النزول في قيمة الدولار من خلال شراء كميات كبيرة بالسعر المتدني، ولن يقبلوا باستمرار الوضع كثيرا"، على حد قوله، في مؤشر على فقدان الحكومة زمام الأمور ووجود لاعبين كبار يتحكمون في اقتصاد البلاد.
إلى ذلك، سخر البعض على وسائل التواصل الاجتماعي من مسارعة بعض الإعلاميين للحديث عن صدق توقعاتهم وتنبؤاتهم بهبوط سعر الدولار والتي يحصلون عليها من جهات أمنية تدير المشهد الإعلامي، وقالوا "ليس هكذا يدار اقتصاد الدول إلا في دولة الموز".
سعر مزيف دون قاعدة بيانات حقيقية
في تعليقه على ما يجري في السوق الموازي للعملة في مصر، يقول الخبير الاقتصادي، محمد رزق: "لا يمكن تسمية ما يحدث بأنه تعاف للجنيه المصري، ولكنه سعر وهمي، شكلته الآلة الإعلامية وبالاشتراك مع القبضة الأمنية وليس له أسس اقتصادية".
وأضاف رزق، في حديثه لـ"عربي21": "لو افترضنا قبول الحكومة المصرية لتعويم مدار لسعر صرف العملات الأجنبية كشرط أساسي لصندوق النقد للسير في إجراءات القرض، فلا بد من أن تحصل بعثة الصندوق التي زارت القاهرة مؤخرا لإجراء المراجعات السابقة على موافقة مجلس إدارة البنك في واشنطن".
وتابع: "لذا ما نراه اليوم في سوق العملات الأجنبية هو عبارة عن توقعات تم تسريبها من خلال وسائل الإعلام ويبقى السؤال الأهم دون إجابة، كيف توفر مصر عملات أجنبية لسداد أقساط القروض الأجنبية وفوائدها بالإضافة إلى العملات الأجنبية لتغطية فاتورة الواردات؟".
وأعرب عن اعتقاده أن "إجابة هذا السؤال وحدها هي التي سوف تحدد سعر صرف الدولار المدار، وإذا نجحت الحكومة في الحصول على قروض أو قل حصيلة من العملات الأجنبية لسداد التزاماتها، كيف يستمر دوران الاقتصاد المصري وهناك عجز كبير في موارد العملات الأجنبية؟".
تراجع الطلب وسيطرة الإشاعات
استبعد الخبير الاقتصادي والمحلل المالي بواشنطن، شريف عثمان، أن يكون هناك تلاعب في السوق السوداء، قائلا: "ما يجري هو تراجع الطلب على الدولار، لكن لا أحد يعلم أسباب هذا الصعود، ولا أعتقد أن يكون ما جرى تلاعبا لأن السوق السوداء تخضع للعرض والطلب، وربما بسبب وجود إشاعات عن تدفقات نقدية، أو أن الحكومة توقفت عن شراء الدولار بعد جمع المبالغ المطلوبة، أو أن تجارا كبارا توقفوا مؤقتا عن الشراء.. لا أحد لديه إجابة واضحة".
وأضاف عثمان، في حديثه لـ"عربي21": "لا نعلم هل هناك تدفقات نقدية جديدة قادمة أم لا، وهل تم الاتفاق على مصادر جديدة أم لا، ما يقال رسميا إنه لا جديد تحت الشمس حتى الآن، وكل ما هناك هو مجرد إشاعات مثل مشروع رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط، وما مدى دقة هذا الكلام، لم تكشف الحكومة أو المستثمرون الإماراتيون عن أي معلومة".
واختتم حديثه بالقول: "أتصور أن يكون سبب هذا الهبوط هو توقف الحكومة عن الشراء، والسوق السوداء ليست لديها معايير حاكمة غير العرض والطلب ونحتاج إلى بضعة أيام للتأكد من حقيقته واستمرارية هذا الصعود الكبير للجنيه أمام الدولار هل هي عوامل نفسية أم عوامل أخرى".
وكشف متعاملون في السوق الموازي لـ"عربي21" بأن "أجهزة الأمن المصرية تشن حملة مداهمات واعتقالات لتجار العملة، من أجل ترهيب الناس من التردد عليهم"، في إشارة إلى "عزم السلطات لتقليل الفجوة بين السوق الرسمي والموازي بشكل مؤقت لتمرير بعض القرارات".