توقع الكاتب الأمريكي جوشوا كيتنغ، أن تترك هجمات
الحوثيين على السفن
المتجهة لموانئ الاحتلال الإسرائيلي آثارا دائمة على
التجارة العالمية.
وأضاف في مقال في موقع "
فكرتورو"، الذي
ترجمته "عربي21"، أن جرأة الحوثيين تُقدّم لمحة عن اضطرابات أكبر في
المستقبل.
وقال الكاتب إن الحوثيين في اليمن يهاجمون السفن
في البحر الأحمر منذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث إنهم يقومون بإطلاق طائرات بدون
طيار وصواريخ وفي بعض الحالات يقتحمون السفن ويستولون عليها.
وذكر الكاتب أن معظم شركات الشحن العالمية، بما
في ذلك شركات "ميرسك سيلاند" الدنماركية
و"هاباج-لويد" الألمانية و"كوسكو" الصينية، قد أوقفت عمليات
الشحن عبر البحر الأحمر. وقررت شركة النفط "بريتش بتروليوم" - ثالت
أكبر شركة نفط خاصَّة في العالم - التخلي عن مسار البحر الأحمر الذي كان يمر عبره
يوميًا ما يصل إلى 7 ملايين برميل من النفط.
مضيق حرج للنفط
أشار الكاتب إلى أن حوالي 12 بالمئة من التجارة
العالمية و10 بالمئة من التجارة البحرية للنفط تمر عبر البحر الأحمر، ويحتوي هذا
الممر المائي على نقطتين حرجتين: في الشمال قناة السويس المصرية وفي الجنوب مضيق
باب المندب أو "بوابة الدموع" بين اليمن وجيبوتي، حيث تقع الهجمات.
وأضاف الكاتب أن هذين المسارين يعتبران من أكثر
مسارات التجارة ازدحامًا على الكوكب، وأي انقطاع فيهما سيؤثّر على النقل البحري.
وقد سبق أن توقف هذا المسار في سنة 2021 عندما جنحت سفينة الحاويات "إيفر غيفن" في قناة السويس ما أدى إلى عرقلة حركة المرور لمدة أسبوع. ومع ذلك،
فإن الانقطاع الحالي لديه القدرة على أن يستمر لفترة أطول بكثير وأن يكون له عواقب
أكثر خطورة.
في المقابل، ستكون بعض البلدان أكثر عرضة لهذه
التأثيرات السلبية بشكل مباشر، مثل الحكومة المصرية التي تجني إيرادات تزيد على الـ9
مليارات دولار سنويًا من رسوم العبور في قناة السويس وهي لا تزال تعاني من ضائقة
مالية. مع ذلك، فإنها ستعاني البلدان الأخرى أيضًا من آثار متتالية بالنظر إلى شبكة
التجارة العالمية المعقّدة التي تعتمد على النقل البحري.
بالإضافة إلى ذلك، تزامن هذا الانقطاع مع فترة
تعتمد فيها اقتصادات أوروبا على النفط والغاز المحمول بحرًا لتجنّب الاعتماد على
خطوط الأنابيب الروسية. وفي الوقت نفسه، زادت روسيا من صادراتها النفطية إلى الهند
والصين وأسواق أخرى في آسيا، وجزء كبير من هذا النفط يمر أيضًا عبر البحر الأحمر.
وبالفعل، فإنها لم تتأخر الهجمات في التأثير على الأسواق حيث ارتفعت أسعار النفط والغاز،
بعد أن شهدت تراجعا منذ شهرين بسبب انكماش الطلب لدى المستهلكين الرئيسيين مثل
الصين.
التكلفة العالية
للتأمين
وأوضح الكاتب أنه بالنسبة لشركات النقل البحري،
فإن المشكلة ليست فقط المخاطر التي تتعرض لها السفن والبضائع والطواقم، وإنما
أيضًا التكلفة العالية لتأمين هذه المخاطر. فقد ارتفعت أقساط مخاطر الحرب التي
تطلبها شركات التأمين لنقل السفن في البحر الأحمر 7 مرات. وإذا ارتفعت الأقساط
أكثر، فإنها ستجعل النقل البحري في البحر الأحمر باهظ الثمن للغاية.
كما أن باب المندب ليس المضيق الوحيد الذي
يتعرّض لضغوط في النقل البحري العالمي، فقناة بنما تعمل حاليا بقدرة منخفضة بسبب
انخفاض مستويات المياه الناجم عن الجفاف التاريخي، ما يحد من عدد السفن التي يمكن
أن تمر عبرها. والمحلّلون قلقون من أن يؤدي الاضطراب في الشرق الأوسط إلى التأثير على
مضيق هرمز. وبالنظر إلى أهميته كطريق لنقل النفط، فإنه يمكن أن يكون لهذا تأثير أكبر
بكثير على أسعار الطاقة.
وهناك جزر سيشل التي يبلغ
عدد سكانها مائة ألف نسمة، مقابل غياب الصين والسعودية.
وأورد الكاتب أن العديد من شركات النقل البحري
العالمية تقود الدعوات إلى الحكومات العالمية لاتخاذ إجراءات ضد الحوثيين.
وبالفعل، أعلنت الولايات المتحدة عن إنشاء مهمة بحرية متعددة الجنسيات تسمى
"تحالف حارس الازدهار" لحماية النقل البحري في المنطقة. ولكن حجم هذه
المهمة أو كيفية عملها لا يزال غير واضح.
ومن غير المتوقّع أن يتم تمرير السفن التجاريّة
من المنطقة برفقة السفن العسكرية كما كان الحال في الحرب العالمية الثانية. ونظرًا
لأن كلا من السفن التجارية والعسكرية أصبحت عملاقة في الحجم، فمن المستحيل تشكيل
مثل هذه القوافل. مع ذلك، فإنه يمكن للسفن البحرية أن تقوم بدوريات في المضيق.
وأشار الكاتب إلى بعض العيوب الواضحة في
التحالف، فهو يضم عددًا من الدول الأوروبية بالإضافة إلى البحرين وجزر سيشل
الصغيرة ذات الكثافة السكانية البالغة 100 ألف نسمة، ولكن ليس الصين. وتملك الصين
قاعدةً عسكريّة بالقرب من جيبوتي وهي تعتمد بشكل كبير على استيراد النفط من الشرق
الأوسط وتصدير السلع الاستهلاكية عن طريق البحر إلى أوروبا. ورغم تعرّض سفن تحمل
علم هونغ كونغ للهجوم، إلا أن البحريّة الصينية مترددة في التدخل في الهجمات.
وبيّن الكاتب أن التوتر الجيوسياسي بين الولايات
المتحدة والصين مرتفع للغاية في الوقت الحالي. لذلك، فإنه لا يُتوقع أن تنضم الصين إلى
هذا التحالف. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي تُقاتل الحوثيين منذ
سنوات، فإن عدم مشاركتها في التحالف يثير الدهشة. مع ذلك، دعا القادة السعوديون،
الذين اتخذوا مؤخرًا خطوات للابتعاد عن الصراع الدامي والمكلف في اليمن واستضافوا
عدة جولات من المحادثات مع الحوثيين، الولايات المتحدة إلى توخي الحذر في ردها على
الهجمات على السفن.
ومن المرجح أن القادة السعوديين ما زالوا غاضبين
من رد فعل الولايات المتحدة الضعيف على الهجمات الحوثية والإيرانية على منشآت
النفط السعودية والإماراتية في السنوات الأخيرة، لذلك فقد يُفضّل السعوديون الحياد.
وأياً كانت الطريقة التي سيتم بها حل المشكلة في
البحر الأحمر، فقد يكون لها تداعيات دائمة على الصعيد العالمي. فالتجارة العالمية
لا تزال تعتمد على النقل البحري بنسبة 80 بالمئة تقريبًا. وقد أظهر تعطيل شحنات الحبوب
عبر البحر الأسود نتيجة للحصار البحري الذي فرضته روسيا على أوكرانيا وعمليات
الحوثيين في البحر الأحمر، كيف يمكن للصراعات المسلّحة أن تعطل هذه التجارة في
السنوات الأخيرة. ومن المحتمل أن يجد الحوثيون صعوبة في الرد على تدخل أمريكي
حقيقي، لكن جرأتهم واستراتيجياتهم قد تُقدّم أيضًا لمحة عن اضطرابات أكبر في
المستقبل.