استعرض مقال في صحيفة "الغارديان" للصحفية نيمو عمر، مسارات ونتائج العدوان الإسرائيلي على
غزة، وما هي إمكانات أن تخرج دولة
الاحتلال بنصر من القطاع.
وقالت عمر، إنه منذ أكثر من 80 يوما، يدور صراع دموي في إسرائيل وغزة، حيث وعدت الحكومة "بالانتقام القوي" ضد
حماس، وتعهدت بتدميرها تماما، حيث أطلق جيش الاحتلال العنان لواحدة من أعنف حملات القصف التقليدية في التاريخ، وفقا لأحد الخبراء.
واستشهد أكثر من 21,000 شخص، من بينهم ما يقرب من 8000 طفل، وفقا لوزارة الصحة في غزة، خلال شهرين ونصف منذ بدء القصف. وقد نزح مئات الآلاف من الأشخاص؛ وتحولت أحياء بأكملها إلى أنقاض.
ووصفت الأمم المتحدة الوضع الإنساني في غزة بأنه "مروع"، وقال برنامج الأغذية العالمي إن هناك "أزمة جوع كارثية"، كما أن مياه الشرب المأمونة نادرة للغاية، ما يزيد من خطر تفشي الأمراض.
لقد أدى عدد القتلى المدنيين في هذا الصراع إلى إعادة إطلاق الحوار العالمي حول الطريق إلى السلام في المنطقة، على الرغم من عدم وجود إجماع كبير حتى الآن.
وتابعت: "لقد تحدثت مع مراسلة صحيفة الغارديان الخارجية إيما غراهام هاريسون حول الوضع في إسرائيل والأراضي المحتلة قبل هجمات حماس، ونقاط التحول الكبرى في الحرب والخطوات التالية المحتملة".
ويبدو أن استراتيجية نتنياهو طويلة المدى لاحتواء حماس كانت ناجحة بالنسبة له، لقد تراجعت المخاوف بشأن الأوضاع في غزة إلى أسفل الأجندة الدولية.
وتقول إيما غراهام هاريسون: "على الرغم من تعرض القطاع للقصف والحصار بشكل منتظم، وكثيرا ما كان يوصف بأنه سجن في الهواء الطلق، إلا أنه كان هناك تركيز دولي أقل على القطاع الصغير"، وكانت الجهود المدعومة من الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع القوى الإقليمية تتمتع بنجاح متزايد.
وأضافت هاريسون: "اعتقدت إسرائيل أن حماس قد تم "خلع أنيابها نوعا ما" كتهديد لها، "ربما كان نتنياهو حريصا جدا على تصديق أن سياساته قد نجحت، وكانت حماس تركز أكثر على الجانب الاقتصادي من الأمور، وبالتالي فهي لم تعد تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل على الرغم من الميثاق الذي يدعو إلى تدميرها".
وقد يفسر هذا إلى حد ما سبب تجاهل حكومة نتنياهو لتحذيرات استخباراتية داخلية وخارجية كبيرة بشأن خطط حماس.
وبعد يومين من هجوم السابع من أكتوبر وإعلان نتنياهو عن حرب شاملة، فقد بدأ الحصار الكامل على غزة. ولم يُسمح بدخول الماء أو الطعام أو الوقود إلى القطاع. وفي غضون 10 أيام، زار العديد من زعماء العالم، بما في ذلك جو
بايدن، إسرائيل لإظهار دعمهم.
واستغرق الأمر شهرا ونصف الشهر للتفاوض على هدنة إنسانية للسماح بتبادل 105 أسرى "إسرائيليين" مقابل أكثر من 240 فلسطينيا كانوا محتجزين في السجون الإسرائيلية. لكن وقف إطلاق النار انهار بعد ثمانية أيام، واستؤنفت الضربات الجوية.
وذكرت الصحفية البريطانية نيمو عمر: "في البداية، كانت بعض الحكومات الغربية حازمة في دعمها لإسرائيل وكانت الولايات المتحدة، الحليف الأكثر أهمية لإسرائيل، ثابتة في دعمها للحملة الإسرائيلية في غزة، قائلة إن لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد حماس".
وبحسب هاريسون، فإن "أعداد الضحايا المدنيين والمستويات المروعة للمعاناة قد غيرت فحوى المحادثة. عندما بدأت الحرب، كان سكان غزة يتمتعون بمستوى معين من القدرة على الصمود.
وتضيف هاريسون: "إنهم يفرون الآن مرة أخرى، ولكن هذه المرة الناس يعانون من الجوع، ويعانون من صدمة شديدة، وهناك مستويات عالية من المرض".
وتابعت: "أعتقد أنك ترى هذا الواقع ينعكس حتى لدى أقرب حلفاء إسرائيل، حيث بدأ الرئيس بايدن مؤخرا بتصعيد انتقاداته لإسرائيل، محذرا من أنها بدأت تفقد الدعم بسبب القصف العشوائي على غزة".
وقد خفف حلفاء آخرون من دعمهم: فقد شدد إيمانويل ماكرون انتقاداته للاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، مطالبا السلطات الإسرائيلية "بتحديد أكثر دقة" لأهدافها في غزة.
وبحسب ما ورد، فقد رفض زعماء
الاتحاد الأوروبي طلبات نتنياهو للضغط على مصر لفتح حدودها أمام اللاجئين الفلسطينيين.
وعلى الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة، فقد قال نتنياهو مؤخرا إن الحرب "ليست قريبة من النهاية".
وتتلخص الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في تجريد حماس من السلاح من خلال إضعاف قدراتها حتى لا تتمكن من الهجوم مرة أخرى.
ورفض نتنياهو احتمال إدارة السلطة الفلسطينية لغزة، وهو اقتراح من بايدن، ورفض فكرة توسط قوات حفظ السلام الأجنبية في التوصل إلى اتفاق، وأصر على أنه يمكن الوثوق بالجيش الإسرائيلي فقط للتأكد من بقاء غزة منزوعة السلاح. الهدف العسكري الوحيد المعلن والواضح هو "تدمير حماس".
عن ذلك تقول هاريسون، إن هذا ليس "هدفا عسكريا يمكن تحقيقه لأن حماس منظمة أيديولوجية تعمل خارج غزة من الناحية العملية والسياسية".
وقال نتنياهو: "إن هناك احتمال أن يحتفظ الجيش الإسرائيلي بسيطرة أمنية غير محددة على غزة بعد انتهاء الحرب"، ما يشير إلى أن الخطة تهدف إلى إعادة تقديم شكل من أشكال الاحتلال الإسرائيلي الموسع للقطاع.
وقد حذر بايدن نتنياهو بشدة من ذلك.
وتابعت هاريسون: "ناقش المسؤولون الإسرائيليون أيضا إمكانية إنشاء منطقة عازلة في غزة، نظرا لأن غزة صغيرة جدا بالفعل، فإن مصادرة المزيد من الأراضي من أجل ذلك سيكون أمرا مثيرا للجدل إلى حد كبير".
وحذر بايدن الاحتلال من أن "الانتقام" ليس استراتيجية عسكرية قابلة للتطبيق، وهو يرى خطورة شن حرب كهذه، وهو يتذكر حرب إدارة بوش في أفغانستان.
وأردفت: "لقد استغرق الأمر ما يقرب من 20 عاما أصبحت فيها حركة طالبان أقوى وأقوى وأبطلت النصر العسكري الأمريكي الأصلي، ويرى بايدن بوضوح الخطر في حدوث شيء مماثل في هذا الصراع".
واستدركت: "منذ البداية، كان من الواضح أن الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي تحمل نتنياهو مسؤولية الهجوم".
و"رغم أن نتنياهو، الزعيم الأطول خدمة في تاريخ إسرائيل، يتمتع بسمعة كونه الناجي السياسي المطلق، فإن هذه الحرب الأخيرة تبدو كأنها بداية النهاية لوقته في السلطة".
وقال الكثيرون إن الأفكار المتعلقة بمستقبله السياسي أثرت على الطريقة التي أدار بها الحرب: "قدم نتنياهو نفسه على أنه الرجل القوي الذي سيحافظ على أمن إسرائيل، والسؤال الذي يدور في ذهنه هو: إذا تمكن من إدارة حرب دمرت حماس، فهل يستطيع أن يخلص نفسه من الجمهور الإسرائيلي ويتمسك بمنصبه بطريقة أو بأخرى؟".
وأدى حجم الأزمة في غزة إلى قيام المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة بإصدار بيانات صريحة بشكل غير عادي حول الصراع.
واكدت هاريسون، أن "قوة تصريحاتهم في إدانة الوضع في غزة هي انعكاس لكيفية كون هذا الوضع خطيرا بشكل خاص من حيث مستوى المعاناة الإنسانية، حتى في سياق عالم مليء بالعديد من الحروب الوحشية والمعقدة والرهيبة".
وبينت، أن "داخل إسرائيل لا يوجد ضغط شعبي يذكر للحد من الهجمات على غزة, إذ يرى معظم الناس أن الحرب حملة وجودية".
وعندما سألت إيما أحد جنود الاحتياط عن تحذيرات بايدن، والكوارث العسكرية في أفغانستان والعراق، والتي تغذيها جزئيا الخسائر في صفوف المدنيين بسبب حملات القصف الجوي، قال: "يمكن للجنود البريطانيين والأمريكيين العودة إلى ديارهم، وليس لدينا أي مكان آخر نذهب إليه".
ومع دخولنا عام 2024، فلا نهاية في الأفق، ومن المرجح أن يستمر هذا الصراع، تاركا في أعقابه سلسلة من الدمار والموت الذي لا يمكن تصوره.