يؤكد سياسيون وخبراء ومحللون أنه لا يبدو أن لـ"إسرائيل استراتيجة خروج
واضحة"، ما يعني أن الوضع سيكون أقرب لمواجهة مسلحة دموية طويلة الأمد في
غزة.
وبحسب تقرير لوكالة "رويترز" فإنه
بدون "استراتيجية خروج" يواجه
الاحتلال الإسرائيلي خطر مواجهة طويلة الأمد في غزة.
ونقلت الوكالة عن مصادر أن العدوان على غزة "سيؤدي لتفريخ مزيد من المقاتلين لحركة
حماس"، وأن
"إسرائيل" قد تواجه عمليات مسلحة مثلما
حدث في العراق وأفغانستان.
ونقلت "رويترز" عن مسؤولين أمريكيين
وعربا ودبلوماسيين ومحللين قولهم إن "إسرائيل" تدخل في مخاطرة تنطوي على
مواجهة مسلحة ودموية طويلة الأمد إذا ألحقت الهزيمة بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)
واحتلت قطاع غزة دون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدما نحو إقامة دولة فلسطينية
في فترة ما بعد
الحرب.
وذكر مسؤولان أمريكيان وأربعة مسؤولين من
المنطقة وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات أن كل الأفكار التي طرحتها "تل
أبيب" والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في قطاع
غزة لم تحظ بتأييد على نطاق واسع بما يثير المخاوف من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قد
ينزلق إلى عملية أمنية طويلة الأمد.
وبينما تحكم "إسرائيل" سيطرتها
تقريبا على شمال قطاع غزة، يرى بعض المسؤولين في واشنطن وعواصم عربية أنها تتجاهل الدروس
المستفادة من الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان عندما تلت الانتصارات العسكرية السريعة
عمليات عنف مسلحة لسنوات طويلة.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إن الحكومة التي
تديرها حماس في قطاع غزة إذا تمت الإطاحة بها ودُمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد
يؤدي ذلك لدفع السكان الغاضبين للتطرف مما يغذي انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية
في شوارع القطاع الضيقة.
وبحسب "رويترز" فإن "إسرائيل"
والولايات المتحدة ودول عربية تتفق على ضرورة الإطاحة بحماس بعد هجوم السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر، مما أسفر عن مقتل حوالي 1200 واحتجاز حوالي 240. لكن لا يوجد توافق
كبير على بديل يحل محلها.
السلطة الفلسطينية
وقالت دول عربية وحلفاء لها في الغرب إن
السلطة الفلسطينية هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في قطاع غزة البالغ عدد سكانه حوالي
2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة فتح
بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاما)، لحق بها الضرر الشديد بسبب خسارتها السيطرة على
قطاع غزة لصالح حماس في صراع عام 2007 وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية
في الضفة الغربية واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية قطاع غزة. وذكر
أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على حماس وضمان عدم عودة
الإرهاب. وأصر مسؤولون إسرائيليون بعد تصريحات نتنياهو على أن "إسرائيل"
لا تنوي احتلال قطاع غزة.
وقال محمد دحلان، الذي كان المسؤول الأمني
عن قطاع غزة حتى فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع لصالح حماس واقتُرح اسمه
لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك، إن "إسرائيل" مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد
سيطرتها على القطاع من شأنه أن ينهي الصراع.
وأضاف دحلان من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش
الآن أن "إسرائيل هي قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال".
وأضاف أن قادة حماس ومقاتليها لن يستسلموا
بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام.
وقال دبلوماسيون ومسؤولون عرب إن الإمارات
تؤيد تولي دحلان إدارة قطاع غزة في فترة ما بعد الحرب. لكنه قال إنه لا يوجد أحد، ولا
حتى هو نفسه، سيرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة دون وجود مسار سياسي واضح في الأفق.
وأشار دحلان إلى غياب التصور لمستقبل غزة
عند كل من "إسرائيل" وأمريكا والمجتمع الدولي، داعيا "إسرائيل"
إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية بشأن حل الدولتين.
وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن نتنياهو،
الأربعاء، من أن احتلال قطاع غزة سيكون "خطأ كبيرا". ويقول دبلوماسيون إن
الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي خريطة طريق واضحة المعالم من "إسرائيل"
بشأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على حماس.
ويضغط المسؤولون الأمريكيون على "إسرائيل" من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض
خطة لكيفية تحقيقها.
ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلبات
للتعليق على خطتها لما بعد الحرب في غزة.
وبينما يشدد بعض المسؤولين الأمريكيين على
حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد
القتلى والمصابين المدنيين قد يؤدي إلى دفع مزيد من الفلسطينيين صوب التطرف ويدفع
مقاتلين جددا إلى أحضان حماس أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقا لمصدر
مطلع على عملية صنع السياسات الأمريكية.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة أجرت "رويترز"
مقابلات معهم إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلا جديدا من المسلحين.
وذكر أبو محمد (37 عاما)، وهو موظف حكومي
في مخيم جباليا للاجئين، أنه يفضل الموت على الاحتلال الإسرائيلي.
وقال لـ"رويترز" رافضا الكشف
عن اسمه بالكامل خوفا من الانتقام "أنا لست (عضوا في) حماس لكن في أيام الحرب
كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل... قد يحتل الإسرائيليون
غزة، لكنهم لن يشعروا أبدا بالأمان، ولا ليوم واحد".
محادثات بقيادة أمريكا
قال مسؤولان أمريكيان طلبا عدم ذكر اسميهما
إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء مثل
مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر عن خطة لما بعد الحرب في قطاع غزة لا تزال في
مراحل مبدئية للغاية.
وذكر مسؤول أمريكي كبير: "بالتأكيد
لم نصل بعد لمرحلة بذل أي جهد للترويج لتلك الرؤية لشركائنا في المنطقة الذين في النهاية
سيضطرون للتعايش معها و/أو تنفيذها".
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب
"برؤية" لحل الدولتين، الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية،
لم يقدم هو أو كبار مستشاريه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك ولم يقترحوا حتى استئناف
المحادثات.
ويرى بعض الخبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات
هو أمر بعيد المنال، لأسباب من بينها على وجه الخصوص الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين
بعد الخسائر التي تعرضت لها في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وكذلك الحالة المعنوية
للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في قطاع غزة.
وقال جوناثان بانيكوف المسؤول الكبير السابق
في المخابرات الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ويعمل حاليا في مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية
"من المآسي العديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس أنه هدم بقوة القضية الفلسطينية
من أجل دولة مستقلة ذات سيادة وأصابها بانتكاسة".
ووفقا لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قرارا
بشأن مبادرة أكثر اعتدالا يمكن أن تشمل مسارا لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف.
ويدرك مستشارو بايدن أن شهية نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، التي ترفض
فكرة إقامة دولة فلسطينية، لاستئناف المحادثات لا تذكر.
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيسا
العام المقبل، قد يتردد في التسبب في نفور الناخبين المؤيدين لـ"إسرائيل"
بأن يُرى وكأنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
وأوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن
في خطاب ألقاه في طوكيو خطوط واشنطن الحمراء فيما يتعلق بقطاع غزة، قائلا إن الإدارة
تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع أو أي تقليص لمساحته أو احتلاله أو فرض
إسرائيل لحصار عليه. وقال أيضا إن القطاع لا يمكن أن يصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مرارا أن واشنطن ترغب في رؤية
السلطة الفلسطينية "بعد إحيائها" تدير قطاع غزة في نهاية المطاف بشكل موحد
مع الضفة الغربية.
وتضاءلت مصداقية السلطة الفلسطينية في عهد
عباس، الذي يديرها منذ عام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين
المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن هذه الآليات
تحتاج إلى تغيير. وصرح بعض الدبلوماسيين بأن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية
قد يكون ممكنا مع بقاء عباس في منصب شرفي. وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن هناك خطوة
أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دورا رئيسيا في توزيع المساعدات في فترة
ما بعد الحرب في قطاع غزة لإحياء شرعيتها.
وردا على سؤال عن هذه المناقشات، قال مسؤول
كبير في السلطة الفلسطينية إن عودة السلطة إلى قطاع غزة هي السيناريو الوحيد المقبول
ويُناقش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى. ورفض التعليق على اقتراح تولي دحلان
أو غيره قيادة حكومة فلسطينية.
وقال بعض من كبار المسؤولين الفلسطينيين،
ومن بينهم رئيس الوزراء محمد اشتية، إن السلطة الفلسطينية لن تعود إلى حكم قطاع غزة
على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول
الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في قطاع غزة لمدة
عامين تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية.
لكن الدبلوماسيين قالوا إن هناك مقاومة
من حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية، خوفا من الانجرار إلى ما تعتبره مستنقع
غزة.
وتخشى قوى في المنطقة من أن تضطر أي قوات
عربية تنتشر في قطاع غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين ولا ترغب أي دولة عربية
في وضع جيشها في هذا الموقف.
لا اتفاق على القيادة
رغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد
من الفلسطينيين، لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر و"إسرائيل"
لكن رغم عمله بشكل وثيق مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة،
قال مصدر أمريكي إن واشنطن سيكون لديها بعض التحفظات على عودته إلى السلطة. فهناك عداء
طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار
حماس أيضا.
وقاد دحلان موجة من الاعتقالات والقمع ضد
كبار قادة حماس في عام 1996 بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد "إسرائيل".
وقال مسؤول إماراتي إن أبوظبي ستدعم أي
ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع أطراف الصراع وتدعمها الأمم المتحدة لاستعادة
الاستقرار وتحقيق حل الدولتين.
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة فتح
المسجون في إسرائيل منذ عام 2002 بتهمة القتل، بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين،
لكن البعض في واشنطن يعتبره اقتراحا غير عملي لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق
سراح شخص تتهمه بأن "يديه ملطختان بالدماء".
وقال مسؤول أمريكي إن اختيار زعيم لغزة
سيكون معقدا لأن كل طرف في المنطقة لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة. وستدعم الولايات
المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني وحلفائها في المنطقة
بالإضافة إلى "إسرائيل".
وذكر جوست آر.هلترمان مدير برنامج الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية أن "من الواضح أن هناك حاجة ماسة
إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر شائك للغاية".
وقال إن الدول العربية سترفض بالقطع أي
مرشح لا تفضله، وعلى الأرجح ستفوز حماس، التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من
أجل الاستقلال الفلسطيني، في أي انتخابات.
وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع
إلى الضفة الغربية المحتلة وإلى الخارج.
ويقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب، إنه لم
يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء الشرق الأوسط منذ الغزو
الأمريكي للعراق في عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية، يقول
مستشاروه إنه ليس لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع،
ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها في المنطقة المصالح الأمنية الأمريكية.
وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن
القومي في البيت الأبيض للصحفيين هذا الشهر: "لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات
عسكرية أمريكية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل".