سياسة عربية

لماذا تعتبر المقاومة في غزة خط الدفاع الأول عن مصر؟

عناصر من الجيش المصري أمام معبر رفح- جيتي
تعد شبه جزيرة سيناء بوابة مصر الشرقية وأقدم ممر بين قارات العالم القديم، وشهد سقوط وقيام دول وحضارات عبر التاريخ، وعلى الضفة الأخرى يوجد قطاع غزة وينظر إليه على أنه خط الدفاع الأول عن سيناء، وبات حجر عثرة بين دولة الاحتلال ومصر.

يقول خبراء وسياسيون إنه منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات عام 2006، فقد أصبح القطاع حاضنة شعبية لحركات المقاومة والتحرر الفلسطيني، وخط الدفاع الأول عن مصر ضد أطماع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي أجبرتها المقاومة الشعبية على تسليم القطاع.

‌تشير التقارير الصحفية العربية والدولية إلى أن الهجوم المفاجئ الذي نفذته حركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال في غلاف قطاع غزة دمر إحدى الأساطير المرتبطة بإسرائيل في ساعات قليلة.

‌وتسعى الحكومة المصرية على مدى عقد من الزمن في إنفاق مئات المليارات من الجنيهات لتنمية شمال سيناء وتحسين حياة سكانها من خلال استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد، وتدشين مئات المشاريع على اعتبار أن التنمية والإعمار خط الدفاع الأول عن سيناء.

من يسيطر على فلسطين يسيطر على سيناء
تعد سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، وبالتالي فإن فلسطين تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر، لخصها المفكر والجغرافي المصري الشهير جمال حمدان في كتابه "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا" في قوله: "إن الدفاع عن فلسطين هو قضية أمن قومي مصري بالأساس الأول، وإن ‏من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير ويهدد الوادي".

إزاء الدعم العسكري والمادي المفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية لدولة الاحتلال وتحريك بوارجها وسفنها الحربية العملاقة إلى شواطئ فلسطين لحماية إسرائيل من تداعيات أي تطور لعملية الإبادة التي تشنها على قطاع غزة، فإنه يظل القطاع وحيدا محاصرا لا يستطيع العرب إدخال أي مساعدات إغاثية أو وقود إليه دون إذن مسبق من "تل أبيب" ما يعكس تواطؤ أو فشل عربي كبير.

‌مبارك يختزل السبب وراء صمت العرب
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا من مؤتمر صحفي للرئيس المصري الراحل حسني مبارك، في تسعينيات القرن الماضي، يختزل حقيقة الدعم الأمريكي لـ "إسرائيل" وسبب عدم قدرة العرب على مساندة الفلسطينيين.

وفي إجابته على سؤال أحد الصحفيين بشأن مساندة الدول العربية للفلسطينيين لعودة القدس،  قال ساخرا: "عاوز مساندة الدول العربية مع الفلسطينيين ضد أمريكا وإسرائيل.. تعالى قابلني (وهو مصطلح مصري شعبي يعني أنه من المستحيل حدوثه)".

وأضاف مبارك: "ياراجل.. لا معلش أنا بتكلم بصراحة.. أمريكا بتدي إسرائيل كل شيء من مساعدات لإنشاء الصواريخ إلخ، عايزين إسرائيل تكون هي الأقوى.. وهم يريدون إسرائيل تكون هي البلد المهيمنة على المنطقة كلها؛ لذلك إضعاف مصر مهم جدا.. هو هذا الهدف".

واستدرك ضاحكا: "العرب كلهم.. العرب كلهم عايزين مساندة أمريكا.. خليك مع الله".




أطماع "إسرائيل" تحجبها المقاومة
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، عبد الله الأشعل، المشارك في مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل ومفاوضات استعادة طابا، تحدث إلى "عربي21" عن حقيقة أطماع العدو في مصر، مؤكدا أن "أطماع إسرائيل في سيناء قائمة، وقطاع غزة هو حجر عثرة أمام تحقيقها، بالتالي فإن المقاومة الفلسطينية هي خط الدفاع عن سيناء ومصر".

وبشأن موقف العرب من دعم المقاومة في فلسطين، أوضح  أن "أمريكا أعدت للأمر عدته منذ عقود وتمكنت من القرار العربي، والعواصم العربية لا تستطيع اتخاذ قرار جماعي دون المرور على أمريكا، للأسف الشديد تم ربط مستقبل الحكام العرب بالقرار الأمريكي والموقف من إسرائيل، لا نملك جميعا فتح أو تأمين العبور من معبر رفح للجانب الفلسطيني، ولا يمر مريض أو مصاب دون إرسال اسمه هناك".

واعتبر أن "المعارك الحاسمة في تاريخ العالم الإسلامي كانت على الضفة الأخرى من شبه جزيرة سيناء، وهناك تم صد الأعداء سواء التتار أو الصليبيين وهزيمة الروم وغيرهم، فأرض فلسطين هي خط الدفاع الأول والحصين لمصر ومن مصلحة مصر أن يظل قويا صامدا وبانهياره تصبح هدفا سهلا للأعداء".

ووصف الدبلوماسي المصري عدم تقديم دعم حقيقي للمقاومة بأنه "فشل كبير بسبب عدم قدرتهم جميعا على تحريك عبوة وقود إلى قطاع غزة دون إذن من إسرائيل، هناك رغبة لتقديم الدعم والمساعدة والمساندة لدى البعض، والبعض الآخر يرى في ما يحدث مصلحة ولكن ليس مصر".

في الـ 30 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خرج عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق في مقابلة تلفزيونية قائلا: "إن الكثير ممن أتواصل معهم من جهات أجنبية للمساعدة يقولون إنهم يتكلمون مع جهات عربية، وبينهم من السلطة الفلسطينية، يشجعون على إخراج حماس من المشهد، ولكن لا يستطيعون الحديث عن هذا أمام الجمهور لأنه يرفضه".

خنق المقاومة ومحاصرتها
عند الحديث عن المقاومة في غزة من الضروري إدراك الآتي، يقول رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، الدكتور عمرو عادل، كان الشمال الشرقي هو نقطة الغزو لمصر على مر تاريخها لذلك فأمن مصر مرتبط عضويا بأمن الشام كلها، النظام المصري الحالي غير مكترث بأمن مصر القومي وجزيرتا تيران وصنافير بعد بيعهما للسعودية خدمة للكيان الصهيوني، وسد النهضة إثباتات لا تقبل الجدل حول تخلي النظام عن أمن مصر".

وأضاف لـ"عربي21": "النظام المصري الحالي يعادي المقاومة منذ تفريغ الشريط الحدودي وإغلاق الأنفاق، النظام المصري يتمنى سقوط المقاومة في غزة لأنها نموذج مدمر على الاحتلال والاستبداد وامتداد هذا النموذج المقاوم  قادر على تدمير النظم الاستبدادية"

لكن عادل الضابط السابق بالجيش المصري، يفرق بين موقف الشعوب في غالبها وبين النظم الحاكمة، فالشعوب التي تئن تحت الفقر والاستبداد ترى في غزة ومقاوميها نموذجا ملهما أما الأنظمة فتراها خطرا محدقا، أما الغرب فيحارب معركته وليس فقط معركة الكيان ولا يهتم بسقوطه الأخلاقي ولا حتى سقوط مؤسسات النظام العالمي فهي معركة وجود بالنسبة له.

واختتم السياسي المصري حديثه بالقول: "من هذه المقدمات يصبح من الطبيعي أن النظم الحاكمة تقدم الدعم للكيان وتحاصر المقاومة وتتمنى هزيمتها، وقد انتكس كل النظام العالمي والعربي أخلاقيا وإنسانيا منذ زمن طويل، فقط أحداث غزة كاشفة وليست منشئة، ولذلك فإن سقوط المقاومة في غزة هو أمل النظام الغربي والعربي ونجاحها بداية صفحة جديدة في التاريخ".