تراجعت كميات
الغاز الطبيعي المصدرة من دولة الاحتلال
الإسرائيلي إلى
مصر
التي تواجه نقصا في إمدادات الغاز خلال الشهور القليلة الماضية بعد إيقاف تزويدها
بالغاز من الحقول الرئيسية لإنتاج الغاز في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط.
ومع احتدام الحرب في الأراضي المحتلة منذ انطلاق عملية "طوفان
الأقصى" قبل أيام، أوقفت شركة
شيفرون الأمريكية، المشغلة لخط أنابيب غاز شرق
المتوسط (إي.إم.جي) البحري بين إسرائيل ومصر، تصدير الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب
غاز شرق المتوسط البحري بين دولة الاحتلال ومصر، وقامت بتصدير الغاز في خط أنابيب
بديل عبر الأردن.
ويمتد خط الأنابيب لنحو 90 كيلومترا، ويربط بين مصر وحقل الغاز البحري
الإسرائيلي العملاق لوياثان الذي تديره شركة شيفرون، وينطلق من مدينة عسقلان شمال
قطاع غزة، إلى العريش بشمال سيناء في مصر حيث يتصل هناك بخط أنابيب بري.
وبررت "شيفرون" قرار تحويل الغاز إلى الأردن عبر خط الغاز العربي،
الثلاثاء، "بسبب مخاوف أمنية نتيجة الصراع العسكري"، بحسب مصدرين تحدثا
لوكالة رويترز.
يُشار إلى أن "شيفرون" تعمل منذ سنوات في إسرائيل بمجال
الإنتاج والتصدير للغاز الطبيعي، خاصة إلى مصر والأردن.
يأتي هذا القرار بعد يوم من تعليق سلطات الاحتلال الإنتاج في حقل غاز
تمار البحري الذي يقع على بعد 25 كيلومترا قبالة ساحل
فلسطين الجنوبي وستبحث عن
مصادر وقود بديلة لتلبية احتياجاتها، وهو الحقل الذي تملك شركة مبادلة للبترول
الإماراتية 22 بالمئة منه.
فيما أثارت هذه القرارات تساؤلات حول مدى تأثر مصر من تراجع حجم وارداتها
من الغاز الإسرائيلي، وإذا ما كان بفعل عملية طوفان الأقصى وقرارا مؤقتا لأسباب
أمنية، أم ورقة ضغط تستخدمها تل أبيب ضد القاهرة في معركتها مع المقاومة
الفلسطينية.
والاثنين الماضي، قالت شركة "شيفرون" المشغلة لحقل تمار
الإسرائيلي بالبحر المتوسط، إنها علقت عمليات إنتاج الغاز الطبيعي من الحقل
اعتبارا من الأحد وحتى إشعار آخر.
ربط أمن الطاقة المصري بأمن طاقة الاحتلال
من جانبه، يقول الباحث المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية، خالد
فؤاد، إن "القرارات على الجانب الإسرائيلي هي قرارات مشابهة لقرارات عام 2021
خلال عملية سيف القدس بعد اقتراب صواريخ المقاومة من منصات إنتاج الغاز، وهو يتكرر
الآن بسبب التخوفات الأمنية على سلامة العمل والإنتاج في حقل تمار البحري وفي
اليوم التالي تم إيقاف الإمدادات عبر خط غاز شرق المتوسط العريش عسقلان لأسباب
أمنية".
وبشأن تأثير توقف الإنتاج في حقل تمار، أوضح فؤاد، في تصريحات
لـ"عربي21" أن "التأثير سيكون على الجانبين مصر وإسرائيل؛ لأن حقل
تمار هو من أكبر حقول الغاز في إسرائيل والمصدر الرئيسي للاستهلاك المحلي، والجزء
المتبقي يذهب إلى مصر والأردن، ولكن الجزء الأكبر من الصادرات يأتي من حقل
ليفياثان للغاز قبالة سواحل حيفا؛ بالتالي سوف تضطر إسرائيل لزيادة الإنتاج في حقل
ليفياثان وتستهلك جزءا كبيرا منه في الاستهلاك المحلي وتواصل صادراتها بحجم أقل
حيث تراجعت نحو 20% بالفعل".
كانت مصر تأمل في أن تبدأ في عودة تصدير الغاز المسال مطلع تشرين أول/
أكتوبر الجاري، بحسب فؤاد مع اقتراب فصل الشتاء وتراجع الاستهلاك المحلي وتكوين
فرصة لتصدير الفائض من الغاز الإسرائيلي، لكن في الوقت الحالي لن تكون قادرة على
التصدير في الفترة المقبلة لحين استئناف إنتاج الغاز وتصديره من حقل تمار.
ورغم أن الباحث المتخصص يرى أن "تراجع الكميات المصدرة إلى مصر
وإيقاف تصديره عبر خط أنابيب عسقلان – العريش لا نعتبره ورقة ضغط على مصر، لأنها
متضررة من هذا الإجراء الاضطراري، إلا أنه يؤكد ما كررناه مرارا في 2018 مع بداية
صفقة الغاز بين البلدين وأصبحت مصر تعتمد إلى حد ما على الغاز الإسرائيلي، وهذه
مشكلة تظهر نتائجها في كل أزمة تهدد الأمن القومي الإسرائيلي نتيجة سياستها
الاحتلالية، بالتالي أصبح مصير الطاقة في مصر مرهونا باستقرار أمن الطاقة في الجانب
الآخر، وهذا خطأ في حسابات الأمن القومي المصري يجب تصحيحه".
مصر زبون إسرائيل الأكبر
وفي 24 آب/ أغسطس الماضي، عقدت مصر مع الكيان الإسرائيلي المحتل اتفاقية
جديدة لاستيراد مزيد من الغاز الطبيعي، من حقل "تمار" بالبحر المتوسط،
بنحو 3.5 مليارات متر مكعب سنويا لمدة 11 عاما تقريبا، بإجمالي 38.7 مليار متر
مكعب.
وتنضم هذه الاتفاقية إلى الاتفاقيات السابقة التي عقدت منذ 5 أعوام ونصف
حيث تواجه مصر تزايدا لافتا في الطلب على الغاز الطبيعي يقابله تراجع في الإنتاج
من حقولها المحلية وخاصة الأكبر والأشهر حقل "ظُهر"، وبلغت الكميات
المستوردة العام الماضي، 4.62 مليارات متر مكعب.
وتوقفت عمليات تسليم الغاز من مصر فعليا في صيف 2023، وسط ارتفاع الطلب
المحلي وأن محطتي الغاز الطبيعي المسال في "إدكو" و"دمياط" لم
يصدرا الوقود في حزيران /يونيو الماضي وحتى الآن، باستثناء شحنات محدودة في تموز/
يوليو الماضي.
وتبيع إسرائيل حاليا نحو 4.6 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا
إلى مصر، التي تصدر بعد ذلك جزءا منه إلى أوروبا من خلال منشآت إسالة الغاز
الطبيعي وتستخدم الجزء المتبقي للاستهلاك المحلي.
مخاوف أمنية وأضرار اقتصادية
بدوره، أرجع خبير شؤون النفط والطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، توقف ضخ
الغاز بعد أن "استلمت شركة شيفرون تعليمات من وزارة الطاقة الإسرائيلية
بإغلاق حقل تمار للغاز مؤقتا لأسباب أمنية بسبب قربه من مياه لبنان الإقليمية،
وليس كورقة ضغط سياسية أو اقتصادية".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": "بالنسبة لإسرائيل فهي بحاجة
إلى مصر لتصدير الغاز الإسرائيلي وليس العكس، وإسرائيل تحتاج مصر في موضوع غزة كما
أن الولايات المتحدة تطلب تعاون القاهرة في مسألة الممر الإنساني، ومصر تستطيع الاستغناء
عن غاز إسرائيل إذا لزم الأمر، وبالتالي من مصلحة إسرائيل تصدير الغاز إلى
مصر".
ولكن إسماعيل أكد أن "وقف ضخ الغاز من الحقول أو تحويل ضخ الغاز من
خط إلى آخر هو أحد تداعيات عملية طوفان الأقصى التي هزت أركان إسرائيل وتحوّلت إلى
أزمة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وإنسانية على مستوى دولي، وبالتالي فإن التأثير
سيكون على مستوى الدولتين، وهو تأثير اقتصادي يتمثل في الحرمان من عوائد تصدير
الغاز".
وفجر السبت الماضي، أطلقت حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في
غزة عملية "طوفان الأقصى"، ردا على "اعتداءات القوات والمستوطنين
الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد
الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".
في المقابل، أطلق الجيش الإسرائيلي ما أسماها عملية "السيوف
الحديدية"، ويواصل شنّ غارات مكثفة على مناطق عديدة في قطاع غزة، الذي يسكنه
أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من أوضاع معيشية متدهورة، جراء حصار إسرائيلي
متواصل منذ 2006.