الأمن
القومي للدولة الحديثة في عالم المتغيرات وفي ظلال العولمة، لا يُقبل معه وقوف
الدولة مكتوفة الأيدي عند حدودها البرية والبحرية، طالما أنه لم يعتدِ عليها أحد، فتصبح
الدولة -وفقاً لهذا التعريف القاصر- بجيشها وأجهزتها المعلوماتية والمخابراتية في
حالة من الاسترخاء أقرب ما يكون إلى الكارثة، في مقابل ما يحاك للبلاد من مؤامرات،
وإن كانت خارج القارة التي تنتمي إليها الدولة!..
بل يجب
على الأجهزة المعنية للدولة أن تصبح في حالة من اليقظة الدائمة لمواجهة كل ما يمس
البلاد من تهديدات سياسية أو عسكرية أو اجتماعية أو ثقافية، بل والتحرك الاستباقي
للحيلولة دون حدوث أي من هذه المخاطر!
إن
اتفقنا على خطأ التصور التقليدي في تعريف الأمن القومي للأوطان -والقضية لا تحتمل
الخلاف- وإن اتفقنا كذلك على مخالفته لأبسط المعايير السليمة وفقا للمستجدات التي
طرأت على المصطلح، متسقا مع المتغيرات التي أطاحت بجملة من المفاهيم التقليدية، فإننا
نعيد التعريف لمفهوم الأمن القومي في ظل العولمة التي أقحمت نفسها ودست أنفها
وتدخلت في شئون الدول بل وخصمت من سيادتها بأنه: مجموعة من الإجراءات والتدابير
التي تتخذها الدولة لحماية أرضها وشعبها من أي اعتداءات داخلية أو خارجية حالية أو
مستقبلية!..
والحتمي
أن تكون التدابير استباقية لمواجهة المخاطر المستقبلية -لأنه لا معنى للتدابير بعد
وقوع الكارثة!- التي قد تخطط لها بعض القوى الخارجية المعادية للبلاد تحت أي ذريعة
كانت! وإلا فالأمر قد خرج من دائرة الجد إلى الهزل!
أمريكا
والصين تتنافسان على تهديد الأمن القومي لأهم شريان حيوي في العالم كله.. وأصحاب
الشأن يضعون أيديهم في المياه الباردة!
رأينا كيف تخطط الدولتان، أمريكا والصين، لتعظيم مواردهما وتسهيل أعمال التجارة من خلال نقل البضائع للأسواق من شرق آسيا إلى أوروبا مرورا بالشرق الأوسط، ولن نلتفت إلى رغبة الأمريكان الحقيقية؛ أهي في التشويش على مشروع الصين "الحزام والطريق" أم بالإجهاض على الممر الملاحي الكبير، ولن نفترض سوء النية هنا فالمصيبة متحققة في جميع الأحوال!
أحيت
الصين مشروعها القديم والمعروف بطريق الحرير القديم، وهو ما أسمته حديثا بـ"الحزام
والطريق"، ويهدف المشروع إلى ربط الصين بالعالم عن طريق ممرات برية وبحرية
تجوب أكثر من 60 دولة، بدءاً من بكين وانتهاء بأوروبا مرورا بالشرق الأوسط! وبشبكة
طرق برية وبحرية بلغت 10 آلاف كيلومتر، وستقام عليه أكبر شبكة بنية تحتية في
التاريخ من موانئ وطرقات وسكك حديدية وكابلات للشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ومناطق
صناعية ولوجستية.. إلخ..
ثم دخلت
أمريكا على الخط فأخرجت لنا هي الأخرى مشروع ممرها المعروف بـ"
ممر بايدن"،
ربما للتشويش على
طريق الحرير الخاص بالصين، وربما وهو الأخطر لإخراج الممر
الملاحي الأهم على وجه البسيطة (قناة السويس) من الخدمة وتحويله إلى مزار سياحي! فقد
قامت على هامش قمة العشرين في نيودلهي هذا الشهر، بالتوقيع على تدشين ممرها العابر
للقارات، ومعها
الهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد
الأوربي. وقد كشفت بعض الرسومات المسربة للمشروع انطلاقه من الهند إلى الإمارات
عبر المحيط الهندي، ومن أبو ظبي إلى السعودية والأردن، ومنه إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعبر ميناء حيفا على البحر المتوسط إلى أوروبا..
وقد رأينا كيف تخطط الدولتان، أمريكا والصين،
لتعظيم مواردهما وتسهيل أعمال التجارة من خلال نقل البضائع للأسواق من شرق آسيا
إلى أوروبا مرورا بالشرق الأوسط، ولن نلتفت إلى رغبة الأمريكان الحقيقية؛ أهي في
التشويش على مشروع الصين "الحزام والطريق" أم بالإجهاض على الممر
الملاحي الكبير، ولن نفترض سوء النية هنا فالمصيبة متحققة في جميع الأحوال!..
لكننا سنحاول الاجابة على السؤال الهام:
ما الذي يجب على الدولة المتضررة أن تفعله حيال هذه
التهديدات التي تمس أمنها القومي؟!.. وما هي الخطوات الاستباقية التي اتخذتها قبل الكارثة
استناداً إلى تقارير أجهزتها المعلوماتية ومراكزها البحثية للحيلولة دون وقوع
الكوارث؟!
1- رفع كفاءة العمل بالقناة وتحويلها إلى منطقة
خدمات صناعية ولوجستية كبيرة كما كان يراد لها، ورفض التبعية المشينة لمصلحة موانئ
دبي المالكة لميناء "جبل علي"؛ صاحبة المصلحة في تعطيل التحويل المطلوب
لمنطقة قناة السويس إلى خدمات صناعية ولوجستية.
2- تقديم التسهيلات الجاذبة من تيسيرات جمركية
وتخفيضات رسوم، لقطع الطريق على أي مشاريع يراد لها أن تحل محل القناة ولمشروعاتها
الصناعية واللوجستية.
ما الذي يجب على الدولة المتضررة أن تفعله حيال هذه التهديدات التي تمس أمنها القومي؟!.. وما هي الخطوات الاستباقية التي اتخذتها قبل الكارثة استناداً إلى تقارير أجهزتها المعلوماتية ومراكزها البحثية للحيلولة دون وقوع الكوارث؟!
3- عقد شراكات تجارية كبيرة مع الدول التي تأمل
الاستفادة من العوائد المالية والاقتصادية بعد تنفيذ المشروع الصيني (طريق الحرير)،
والمشروع الأمريكي (ممر بايدن- الهند)، من أجل تعويضها وربطها بمحور قناة السويس.
4- وضع ميثاق تحت مظلة الأمم المتحدة ينص على عدم
الإضرار بالممر الملاحي الأهم، ويحظى بتوقيع غالبية الدول لا سيما الدول التي ترغب
في الاستفادة من مشروعات أمريكا والصين.
5- التعامل
بمبدأ المصلحة المشتركة والمنفعة للجميع، واستمالة الدول التي تأمل في الاستفادة
بالانضمام لأي من المشروعين الأمريكي أو الصيني، وتعظيم استفادتها وربطها بمحور
قناة السويس.
6- التلويح
باتخاذ خطوات عقابية على كافة الأصعدة وأيا ما كان حجم الدولة، من خلال لوبيات إقليمية
ودولية تتبارى في الدفاع عن الممر الأشهر بين قارات العالم القديم.