خرج آلاف السوريين، الجمعة، في تظاهرات واسعة توزعت على مدن سورية مختلفة، وتركز زخمها في محافظة
السويداء جنوب البلاد، ضمن موجة من احتجاجات شعبية برزت خلالها "
حركة 10 آب" التي تصدرت المشهد في الآونة الأخيرة.
وحظيت "حركة 10 آب" بتأييد واضح على الساحة السورية، كما عملت على تأكيد انتشارها في جميع المدن السورية عبر مشاركة مقاطع مصورة تظهر توزيع آلاف القصاصات الورقية التي تحمل مطالبها للنظام السوري.
وفي المقابل، طالت الحركة اتهامات بأنها تتبع لأجهزة أمن
النظام السوري، وتهدف إلى الإيقاع بالمحتجين على تدهور الأوضاع وانعدام الخدمات في البلاد، كما وجهت إليها سلسلة من الانتقادات بشأن تقديم "الخبز" على "المعتقلين" في سجون النظام.
وفي هذا الإطار، يقول المنسق في "حركة 10 آب"، شادي (اسم مستعار) في حديثه لـ "عربي21" إن الحركة تتعامل مع جميع مطالب السوريين على صعيد واحد من الاهتمام والأولوية، بهدف الوصول إلى حل وطني شامل يخلص جميع السوريين من المعاناة بكافة أشكالها.
وحول ادعاء وقوف النظام خلف الحركة، أشار الصحفي السوري تمّام أبو الخير إلى أن هذه "فرضية مستبعدة حيث لا يزال هناك وطنيون وأناس شرفاء في المناطق التي تقع تحت سيطرة نظام الأسد"، مضيفا أن "هؤلاء يؤمنون بأنه لا حل للأزمة السورية سوى برحيل الأسد".
وتابع في حديثه لـ "عربي21": "لا تزال الحركة غير واضحة بالنسبة إلى قسم كبير من السوريين سواء داخل أم خارج البلاد".
إعلان بدء الحراك
وفي تاريخ 5 آب/ أغسطس الجاري، أعلنت الحركة عن نفسها عبر بيان نشرته على حسابها الرسمي في منصة "فيسبوك"، مشيرة إلى أنها تهدف إلى إنهاء معاناة السوريين الذين يرزحون تحت وطأة ظروف معيشية واقتصادية خانقة.
وكشفت "حركة 10 آب" أنها تتكون من مجموعة من الشابات والشبان السوريين المقيمين في الداخل السوري، وينشطون عبر مختلف المدن السورية.
وحوى البيان، 9 مطالب رئيسية من الحركة إلى النظام السوري للتعامل معها عبر وضع جدول زمني واضح والإعلان عنه، وذلك حتى تاريخ 10 آب/ أغسطس، وهي على النحو التالي:
أولا، رفع الرواتب للموظفين في الداخل إلى ما يقارب 100 دولار شهريا كحد أدنى.
ثانيا، إعادة الكهرباء بمعدل 20 ساعة يوميا إلى كافة الأراضي السورية.
ثالثا، إصدار جوازات السفر لكل المواطنين في
سوريا بفترة أقل من شهر.
رابعا، إعادة الدعم للخبز والمازوت والبنزين.
خامسا، وضع خطة لمحاربة مصانع الكبتاغون وإغلاقها في كافة الأراضي السورية.
سادسا، إخراج كافة المعتقلين من النساء والأطفال أولا.
سابعا، إخراج كافة المعتقلين السياسيين.
ثامنا، إصدار قانون يكفل التوقف عن بيع أملاك الدولة للقطاع الخاص الأجنبي بشكل تام.
تاسعا، تحديد مدة خدمة قوات الاحتياط والخدمة الإلزامية في الجيش.
وكشفت الحركة أنها "ستكتفي بإعلان النظام السوري عن التواريخ فقط" التي سيتم التعامل خلالها مع هذه المطالب، وأضافت أنه في حال تجاهل مطالبها فإنها ستبدأ موجة من الاحتجاجات في الداخل السوري ابتداء من التاريخ ذاته.
كما طالبت قوات النظام وأجهزة الأمن بتجنب التعرض للحراك لعدم تكرار مأساة السوريين على مدى السنوات الماضية، كون مطالبها "تصب في مصلحة الجميع".
وبعد انقضاء المهلة، أعلنت الحركة بدء حراكها في البلاد نتيجة لتجاهل حكومة النظام السوري لمطالبها ورفع الدعم عن المحروقات وزيادة سعر الخبز. وشددت في بيانها الثاني، على أن جميع تحركاتها ذات طابع سلمي "وأي طلقة هي ضد مبادئنا".
انتقادات تطال الحركة
وأثار بيان "حركة 10 آب" جدلا حول حجم الاهتمام الذي توليه إلى قضية المعتقلين داخل سجون النظام، بعدما أخّر البيان بند المطالبة بالإفراج عنهم إلى آخر سلم المطالبات، حيث رأى ناشطون أن الخبز والأوضاع الاقتصادية بدت ذات أولوية أكبر لدى الحركة.
في هذا السياق، شدد منسق الحركة، شادي، على أن خروج المعتقلين من السجون مهم جدا بقدر درجة الأهمية التي تتمتع بها باقي المطالب الأخرى التي وردت ضمن البيان الأول، مضيفا: "اللغط وقع هنا جراء نظام الترقيم الذي اتبعناه في صياغة البيان، ما أوحى بأن المطالب مرتبة وفقا لدرجة أهميتها بالنسبة لنا".
وأردف أن سبب تقديم المطالب الاجتماعية كان "يهدف إلى إحراج النظام من خلال إظهاره عاجزا عن تحقيق حتى أدنى شروط الحياة الكريمة للشعب السوري، والتي تتمثل في الخبز والكهرباء والخدمات الاجتماعية".
من جهته، قال أبو الخير في حديثه لـ "عربي21"، إنه "من الطبيعي أن يثير أي حراك في سوريا موجة من الانتقادات والتساؤلات في ظل حالة الاستعصاء السياسي التي تمر بها البلاد".
أهداف "حركة 10 آب"
وأكد شادي على أن "حركة 10 آب" تهدف إلى توحيد جميع الطوائف والأعراق وفئات المجتمع لأجل إحداث تغيير سياسي واجتماعي شامل بطرق سلمية عبر الحفاظ على مبدأ "الثورة البيضاء".
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى سعي الحركة لتخليص السوريين من الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية المتردية، مضيفا أن "ذلك لا يمكن أن يتم إلا عبر رفع الوعي السياسي والوطني بهدف الوصول إلى حل وطني شامل يقوم على مبدأ العدالة الاجتماعية".
كما شدد على أن أحد أهم أهداف "حركة 10 آب" الدفع باتجاه تطبيق القرار الأممي رقم 2254، الذي صدر عن إجماع جميع الأطراف الدولية ومن بينهم روسيا.
وفي عام 2015، أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2254، المتعلق بوقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، وبدء مفاوضات سياسية، وتشكيل "حكومة وحدة" في غضون عامين تليها انتخابات.
موجة ثورية جديدة أم حراك عابر؟
وتصاعدت حدة الاحتجاجات خلال الآونة الأخيرة في مدن سورية، وخرج الأهالي في مدينة السويداء بأعداد كبيرة للتظاهر تنديدا بتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والمطالبة برحيل رئيس النظام بشار الأسد.
كما حصل الحراك على دعم الزعامات الدينية في المدينة ذات الأغلبية الدرزية، ما ساهم في استمرار الاحتجاجات بزخم كبير.
والخميس، اجتمع زعماء دينيون بارزون بالطائفة الدرزية، للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات وأقروا بالحق في الاحتجاج السلمي على سياسات النظام، مشيرين إلى أن التظاهرات التي تشهدها المحافظة "نابعة من صميم الواقع".
وعن التساؤلات المثارة حول إمكانية اتساع رقعة الاحتجاجات لتشكل موجة ثورية جديدة تعم البلاد، رأى المنسق في "حركة 10 آب" أن التجاوب والتفاعل مع نشاط الحركة واسع ويمتد إلى مدن سورية عديدة.
كما رجح أن الاحتجاجات الحالية يمكن أن تشكل بذرة لحراك ثوري أكبر في المستقبل، لكنه "لن يكون بسرعة انتشار أو حجم التظاهرات التي انطلقت مع بدء الثورة السورية عام 2011"، وفقا لتعبيره.
وبحسب شادي، يعود ذلك إلى "ذاكرة الخوف التي زرعت في وجدان الشعب السوري على مدى العشر سنوات الأخيرة"، حيث قوبلت ثورتهم بالرصاص والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية.
من جهته، رأى أبو الخير أن بدء موجة ثورية جديدة يتعدى "حركة 10 آب" والاحتجاجات الحاصلة في السويداء، إذ يحتاج الأمر إلى امتداد التظاهرات لتعم كافة المدن السورية في الوقت ذاته، مشيرا إلى أن "النظام السوري لا يزال ضاربا بجذوره في الأرض ولديه القدرة على سحق أي حراك بقوة الرصاص والمدافع كما فعل سابقا".
وأضاف أن احتجاجات السويداء كانت الداعم الرئيسي لظهور "حركة 10 آب" وليس العكس، مؤكدا على أهمية الحركات السلمية في إحداث تغيير في المجتمعات لكن في الحالة السورية "ستحتاج إلى وقت طويل لتثبيت أركانها".
إلى ذلك، شدد شادي على أن "حراك 10 آب" لم يخطط حين بدأ "لقيادة موجة ثورية أو أي حراك شعبي آخر"، إنما "وضع على قائمة أهدافه توحيد جميع أطراف الحراك الثوري لتشكيل جبهة سورية موحدة تعبر عن جميع فئات الشعب السوري وتطلعاته".