نقلت أنباء صحفية
مصرية أن مشاورات أجريت ـ ولا تزال تجرى ـ بين قادة قوى
سياسية معارضة وبين
عمرو موسى وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الأسبق أيضا
للجامعة العربية بغية دفعه للترشح للانتخابات الرئاسية المتوقعة بنهاية العام
الجاري أو مطلع العام المقبل، وأضافت الأنباء أن موسى لم يستبعد الفكرة من حيث المبدأ،
ولكنه ينتظر حتى تتضح الصورة في ما يتعلق بضمانات نزاهة الانتخابات وحياد مؤسسات
الدولة، ووجود مساحة آمنة لحركة المرشحين.
لا يمكن تصديق أن ثمة انتخابات حقيقية نزيهة يمكن أن تقع في مصر في ظل
وجود السيسي في السلطة أو
ترشحه في تلك الانتخابات، ومع ذلك تبقى تلك المناسبة
حدثا سياسيا مهما يتطلب تعاملا ذكيا معه بهدف تحقيق أقصى قدر من المكاسب السياسية
للشعب المصري، على طريق التحول الديمقراطي، وعلى طريق تصفية السجون من المعتقلين.
حتى الآن، أعلن أكثر من شخص اعتزامهم الترشح لكنهم في غالبهم لا
يمثلون منافسة حقيقية، ولا حتى جادة، وفي حال قبول موسى الترشح في مواجهة السيسي
فإن ذلك سيحدث نقلة نوعية في المشهد، لكن موسى الذي قضى جل حياته في العمل
الدبلوماسي، وكان أكثر وزراء الخارجية المصريين في العصر الحديث استخداما للغة
الدبلوماسية المراوغة التي تجعلك تطرب لكلامه رغم أنه لم يقل شيئا ينبني عليه عمل،
كما أنه بارع في استخدام الجمل والعبارات حمالة الأوجه، والتي يفسرها كل بطريقته،
ومن هنا يمكننا التعامل مع موقفه من الانتخابات الرئاسية المقبلة وفقا لما نقلته
الأنباء الصحفية، فالرجل يدرك خطورة الأمر جيدا، ويخشى العقاب على هذا التفكير،
وفي الوقت نفسه لا يريد إغلاق الباب، فقد تحدث تطورات مفاجئة خلال الفترة
المقبلة ( حتى لو بدا الاحتمال ضئيلا) تيسر
له مهمته، وتساعده في تحقيق حلمه بالكرسي الرئاسي ليختم به حياته ولو لدورة واحدة
بحكم سنه الثمانيني.
عاش موسى عمره كله في ظل الحكم العسكري منذ ناصر مرورا بالسادات
ومبارك والسيسي (باستثناء فترة السنة اليتيمة لمرسي) وهو يعلم أكثر من غيره كيف
تفكر هذه الأنظمة العسكرية، وكيف تتعامل مع خصومها، أو من تستشعر خطورته، وبحكم
سنه وتكوينه فإنه لا يريد تعريض نفسه لتلك المخاطر، حتى لو كانت نفسه تواقة لمقعد
الرئاسة الذي ترشح له في العام 2012 وحصل في حينه على مليوني صوت، ولذا فقد ذكرت
بعض المعلومات من قبل أنه ربط ترشحه بعدم ترشح السيسي، لكن ما قيمة ترشحه أصلا في
تلك الحالة الموهومة؟! ساعتها سيكون الباب مفتوحا لترشح من هم أكثر قبولا وإقناعا
منه.
ليس هناك عاقل يثق أن انتخابات تنافسية حرة يمكن أن تجري في مصر، ولكن البعض يحاول إيهام نفسه وأنصاره أن ثمة فرصة تلوح للتغيير بهدف تبرير مشاركته أو ترشحه للحصول على لقب مرشح رئاسي سابق، أو بغرض تحصيل بعض المكاسب الخاصة لنفسه أو لحزبه، أو حتى تياره، وليس هناك عاقل يثق أن السيسي يقبل منافسة حقيقية من أي مرشح، أو يقبل خسارة انتخابات أمام أي مرشح،
الإشارة العملية لاهتمام موسى بالانتخابات الرئاسية هي هجومه القوي
ضد رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة الذي أعلن نيته الترشح رغم أنه من أكبر داعمي
السيسي (كان ولا يزال)، وهو ما أخذه عليه موسى إذ كيف له بهذا الحال أن يترشح
منافسا له؟ من الواضح أن موسى الذي يعتبر نفسه وفديا قديما، وابن أسرة وفدية
عريقة، كان يتوقع دعم حزب الوفد له مع أحزاب وقوى سياسية أخرى، وقد سبق للحزب أن
دعم ترشحه في العام 2012، ومن الواضح أن موسى اعتبر إعلان يمامة نيته الترشح هو
محاولة لقطع الطريق عليه للحصول على هذا الدعم، ومن المحتمل أن يكون تحرك يمامة
بطلب من الأجهزة الأمنية الرسمية، وهو ما تسبب في أزمة داخلية في الحزب لا تزال
مشتعلة حتى الآن.
يحرص موسى على إبقاء الباب مفتوحا، لكنه ينتظر ـ دون تحرك ـ ضمانات
عديدة تبدو مستحيلة، سواء داخلية تتعلق بنزاهة الانتخابات، وسلامته الشخصية وسلامة
أنصاره، والأهم الحصول على دعم من داخل مؤسسات الدولة وبالأخص المؤسسة العسكرية،
ومن القوى السياسية المختلفة كمرشح توافقي، أو ضمانات إقليمية خصوصا خليجية تتعلق
تحديدا بتعهدات مالية واضحة لإنقاذ الاقتصاد المصري، أو ضمانات دولية لحمايته حال
ترشحه وحال فوزه.
ليس هناك عاقل يثق أن انتخابات تنافسية حرة يمكن أن تجري في مصر،
ولكن البعض يحاول إيهام نفسه وأنصاره أن ثمة فرصة تلوح للتغيير بهدف تبرير مشاركته
أو ترشحه للحصول على لقب مرشح رئاسي سابق، أو بغرض تحصيل بعض المكاسب الخاصة لنفسه
أو لحزبه، أو حتى تياره، وليس هناك عاقل يثق أن السيسي يقبل منافسة حقيقية من أي
مرشح، أو يقبل خسارة انتخابات أمام أي مرشح، بل إنه مستعد لإشعال النيران في الوطن
كله لو شعر بأي خطر، ولن يكون أقل في جنونه من بشار الأسد مع السوريين، وتسود
قناعة لدى الكثيرين أن الفرصة الوحيدة لإحداث تغيير عبر الانتخابات هي ترشح قيادة
عسكرية كبرى ( حالية أو سابقة)تحظى بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن هذا
يعني أن الجيش قرر التخلص من السيسي وهو أمر مشكوك فيه أيضا..
لا نستطيع المصادرة على المستقبل، فبين طرفة عين وانتباهتها يغير
الله من حال إلى حال، وربما تشهد الساحة السياسية المصرية تطورات غير متوقعة كلما
اقترب موعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، وربما تظهر على السطح الخلافات
المكتومة التي يتناقلها البعض همسا، ومع ذلك فإن الرهان الحقيقي كان ولا يزال على
شعب مصر فقط لإحداث التغيير المنشود الذي يحقق له أمانيه وللوطن نهضته وازدهاره.