أثار مشروع قانون
الجرائم الإلكترونية المطروح على طاولة
البرلمان، استياء واسعا في الشارع الأردني، مع تحذيرات بأن القانون في حال تطبيقه سيقوض الحريات بشكل غير مسبوق في المملكة.
وجاء القانون الذي سيبدأ النواب بدراسته خلال الجلسات المقبلة، بمواد مثيرة للجدل، أبرزها الحبس لمدة لا تقل عن 3 شهور، مع غرامة تصل إلى 40 ألف دينار (56 ألف دولار)، لكل من أرسل أو أعاد إرسال نشر بيانات عن طريق الانترنت، تتضمن معلومات كاذبة، أو تحتوي على ذم أو قدح أو تحقير.
كما تضمن مشروع القانون في إحدى مواده، معاقبة كل من أشاع معلومة تتسبب باغتيال شخصية ما، بالسجن 3 شهور على الأقل، وغرامة تصل إلى 50 ألف دينار (70.5 ألف دولار).
ومن ضمن مواد مشروع القانون، السجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامة تصل إلى 50 ألف دينار، لكل من استخدم مواقع التواصل بقصد إثارة النعرات، أو الفتنة، أو النيل من الوحدة الوطنية، والتحريض على الكراهية والعنف.
"حجر على الفكر"
النائب في البرلمان صالح العرموطي، حذر من أن "قانون الجرائم الإلكترونية الجديد والذي نشرته الحكومة عبر المواقع الإخبارية، حجر على الفكر والعقل، وحجر على حرية التعبير وسيتسبب بإغلاق المواقع الإخبارية".
وأضاف العرموطي أن القانون الجديد يجيز حبس الصحفي بأثر رجعي، رغم أن قانون المطبوعات والنشر لا يجيز ذلك.
ولفت إلى أن القانون "أعطى الحق للقاضي سلطة تقديرية بالحبس والغرامة، وهو غير موجود في قانون المطبوعات والنشر، كما يمكن ملاحقة الصحفيين والمواطنين دون شكوى ودون ادعاء بالحق الشخصي وهذا أمر لا يجوز، ويحرم المواطن من حقه الدستوري بالتعبير عن رأيه"، بحسب ما صرح لموقع "
سواليف".
ولفت العرموطي إلى أنه بحسب القانون الجديد، فإن "الصحفي سيكون مسؤولا عن آلاف المنشورات والتعليقات على صفحته وموقعه الإخباري، وستتم محاسبته عنها وستتراكم القضايا في المحاكم، وهذا سيؤدي بالتالي إلى إغلاق العديد من المواقع الإخبارية نتيجة التضييق".
"ضربة للحريات"
بدوره، قال المحامي محمد أحمد المجالي، في
مقال بموقع "عمون"، إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في موادّه 15 و16 و1، وهي المواد المذكورة أعلاه، يمثّل ضربة قاصمة للحريات العامة وحقوق الإنسان وخاصة حق حرية التعبير ونقد السياسات العامّة.
وأضاف: "كنا وما زلنا نعاني من مشكلة تشريعية مرتبطة بالحقوق والحريات العامة، تتمثل بعدم وجود تعريفات محددة ومنضبطة للجرائم ذات المساس بحق التعبير والعمل السياسي والنشاط الحقوقي مثل ما هو موجود في قانون العقوبات وقانون منع الإرهاب".
إضافة إلى "ما ورد في مواد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد كجريمة ذم وتحقير المؤسسة الرسمية أو القائمين عليها وجرائم التحريض على تقويض النظام، وإطالة اللسان واغتيال الشخصية، وإثارة الفتنة وإثارة النعرات، والنيل من الوحدة الوطنية والحض على الكراهية والدعوة للعنف، أو تبريره وازدراء الأديان، وما هي الحدود الفاصلة ما بين حرية التعبير وبين هذه الجرائم، وما هي الضمانات التشريعية والقضائية التي تكفل عدم تعدّي السلطات الرسمية والأمنية والقضائية على الحريات العامة عند تعاملها مع هذه القضايا وتنفيذ أحكام القانون أو الحكم بموجبها!".
ووصف المجالي هذه القوانين بـ"المطاطية والهلامية"، مضيفا: "النصوص الحالية ضيّقت هوامش الفصل بين المسألتين إلى حدٍّ يُصادر أيضاً حرية القاضي في الاجتهاد والتفسير والتأويل لضمان عدم الاعتداء على حقوق المواطنين الدستورية في التعبير".
وأضاف أن "مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في موادّه 15 و16 و17 بالذات يُشكل مرحلة جديدة ومتقدّمة جداً في العقلية القمعية الديكتاتورية التي يسعى إليها النافذون في السلطة".
"ضروري لإيقاف الجرائم"
وكالة الأنباء الرسمية "بترا"، دافعت عن مشروع القانون، ونقلت عن الخبيرة في قضايا حرية التعبير نهلا المومني، قولها إن "مشروع قانون الجرائم الإلكترونية يُعد من حيث الأصل قانونا للتعامل مع الجرائم المستحدثة في الفضاء الرقمي، وهو أمر ضروري لوضع حد للجرائم التي تقع في هذا الفضاء والتي تتميز بطرقها المستحدثة القائمة على استثمار واستغلال التقنيات الحديثة".
وأضافت المومني أنَّ مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 تضمَّن نصوصا من شأنها أن تسد ثغرات قانونية قائمة في المنظومة التشريعية الحالية، أبرزها ما يتعلق بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة سواء من حيث نشر صور الأفراد دون الحصول على إذنهم، أو تركيب وتعديل أو معالجة هذه الصور، كذلك ما يتعلق بجمع التبرعات أو الصدقات دون ترخيص أو بما يخالف الترخيص الممنوح، وكذلك ما يتعلق بالأفعال الإباحية وتغليظ العقوبة إذا وقعت على الأطفال أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو المصابين بمرض نفسي وغير ذلك.
ولفتت إلى أنَّه وحتى يكون القانون منسجما والوثيقة الدستورية الأردنية التي تضمنت نصا نوعيا يتمثل في المادة 128 والتي أكدت على أن "القوانين التي تصدر لتنظيم الحقوق والحريات يتوجب ألا تمس جوهر هذه الحقوق وأساسياتها، وانطلاقا من هذا النص، ولضمان الدِّقة في الصياغة التشريعية لا بد من ضبط المصطلحات الفضفاضة مثل الأخبار الكاذبة وتضمين المعايير الواجب توفرها وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان لما يعد خطابا للكراهية".
عقوبات مبالغ فيها
وبرغم ذلك، قالت المومني إن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية يتطلب أن يعيد النظر في الغرامات نظرا لكونها غرامات مرتفعة، ومنح قاضي الموضوع إمكانية الاختيار بين الغرامة أو الحبس في بعض الجرائم تبعا للخطورة الجرمية لدى الفاعل وجسامة الفعل حيث إنَّ القانون الحالي يعاقب بالغرامة والحبس دون تمييز.
ونوهت إلى ضرورة إعادة النظر في المسؤولية المفترضة الواردة في القانون عن المحتوى غير القانوني والذي قد يقوم به أحد الأفراد على موقع إلكتروني أو منصة للتواصل الاجتماعي، أو صفحة أو مجموعة أو ما يماثلها.
وقالت وكالة "بترا"، إنه قبل أكثر من 8 سنوات، وبعد دراسات طويلة "قرَّر الأردن حماية الإنسان من شرِّ الفضاء الإلكتروني، ووضع قانون يكون الفيصل بين المتخاصمين، ويحقِّق الرَّدع العام والخاص للحفاظ على وحدة المجتمع ونسيجه الاجتماعي، وسار القانون وقتها بجميع قنواته الدستورية وأصبح ساري المفعول".
وتشير الأرقام الخاصة بالجرائم الإلكترونية لدى المجلس القضائي إلى أن عدد التهم بقضايا الجرائم الإلكترونية بين عامي 2019 – 2023 بلغ 22 ألفا و759 وعدد المشتكى عليهم مع إزالة التكرار للشخص الواحد في نفس القضية والإبقاء على القضايا الأخرى 21 ألفا و654.
للاطلاع إلى النص الكامل لمشروع القانون (
هنا)